نيويورك تايمز: بوتين تلقى هزيمة فادحة في سوريا وسقوط الأسد يكشف عن الحدود الجديدة للقوة الروسية  

2024-12-10

 

لرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لمديرة برنامج روسيا لمنع انتشار الأسلحة النووية بمعهد جيمس مارتن ببرلين، حانا نوت قالت فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عانى من هزيمة ضخمة.

وقالت: “هذه المرة عندما بدأ بشار الأسد بالسقوط لم تكن روسيا هناك لكي تمسكه” وتمنعه من السقوط. وبقيت روسيا متفرجة على الهامش وراقبت قوات المعارضة السورية وهي تزحف عبر البلاد وتسيطر في أقل من 10 أيام على حلب وحماة وحمص وتدخل العاصمة دمشق يوم الأحد.

وتقول: “لقد ذهب الأسد الآن، واحتفلت حشود من السوريين المنتشين برحيله. وفي روسيا، حيث فر الأسد، فإن سقوط حكومته يرقى إلى خسارة مدمرة. وتتعرض عقود من الاستثمار العسكري والسياسي الروسي لتأمين موطئ قدم لها على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​الآن للخطر. وقد يتمكن فلاديمير بوتين من الاحتفاظ ببعض الأرصدة في سوريا ما بعد الأسد، وما لا جدال فيه: لقد عانى للتو من هزيمة فادحة”.

وأشارت نوت إلى جذور العلاقة التاريخية بين عائلة الأسد وروسيا والتي تعود إلى سنوات السبعينات من القرن الماضي، عندما أكد حافظ الأسد، والد بشار، موقع سوريا في الفلك السوفييتي.

وعندما قرر الأسد الشاب مواجهة انتفاضة سلمية بالعنف والقمع تطورت لنزاع دموي، ردت روسيا في بداية عام 2012 واستخدمت الفيتو بمجلس الأمن ضد قرار دعا لتنحيه عن السلطة.

 وقبل عام هاجم بوتين، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء، نفس المجلس الذي مرر قرارا يسمح باستخدام القوة للإطاحة بنظام معمر القذافي في ليبيا. وكان مصمما على أن لا يواجه الأسد نفس المصير.

 وقدم بوتين للأسد دعما عسكريا كبيرا منذ ذلك الوقت. وبحلول عام 2015 تراجعت سيطرة قوات الأسد على البلاد وكانت بالكاد تسيطر على نسبة 20% من البلاد، وعليه شنت روسيا حملة عسكرية لإنقاذه.

 وفي عام 2017، ساعدت روسيا في التفاوض على وقف إطلاق النار المؤقت في أجزاء من سوريا، ثم مكنت قوات النظام من الاستيلاء على العديد من تلك الأماكن. وتحول وجودها العسكري في نهاية المطاف إلى قوة أصغر مناسبة لإدارة الصراعات منخفضة الوتيرة. إلا أن روسيا لم تنسحب أبدا من سوريا حتى بعد أن غطى غزوها لأوكرانيا في عام 2022 على جميع أولويات السياسة الخارجية الأخرى.

وعند هذه المرحلة، كان الحفاظ على الوجود هناك، بما في ذلك قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، أمرا بالغ الأهمية أيضا للعمليات العسكرية الروسية في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل والصحراء، التي أصبحت الجبهات الجديدة لاستعراض القوة الروسية.

وأرفقت روسيا دعمها العسكري بدعم سياسي. وظل بوتين والأسد على علاقة وثيقة وخلال جولات عدة من المحادثات الشاقة للتفاوض على تسوية سلمية للنزاع. وفي عام 2013، ظهر بوتين كفارس يحمي الأسد، وكشف عن ضعف “الخط الأحمر” الذي حدده الرئيس باراك أوباما في سوريا، وضمن بوتين تدمير الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها الأسد في غضون عام واحد، بشكل منع احتمال شن أمريكا عملية ضد النظام السوري.

وفي بداية 2018، استضافت روسيا مؤتمرا سوريا في منتجع سوتشي، حضره في الغالب مندوبون موالون للأسد، عملوا على تخفيف الطموحات من الانتقال السياسي وحرفها نحو قضايا الإصلاح الدستوري. وبمجرد أن هدأت الحرب في سوريا، أخذ الدبلوماسيون الروس بالضغط من أجل تحقيق الأهداف الثلاثة: دعم إعادة الإعمار وعودة اللاجئين وإعادة تأهيل الأسد.

وطوال الوقت، كانت روسيا تشعر بالإحباط في كثير من الأحيان بسبب رفض نظام الأسد تقديم حتى أصغر التنازلات، وهو ما بدا واضحا من تجاهل بوتين وازدرائه للأسد في بعض المرات. إلا أن روسيا لم تستسلم قط ولم تتخل عن حليفها الأسد، إلا عندما اشتعلت الحرب السورية فجأة الشهر الماضي. وإذا كان صبر روسيا قد نفد من عناد الأسد ورفضه، إلا أن ديناميات الأسابيع الماضي أكملت ما بقي. فقد قررت عدة وحدات في جيش الأسد تجنب مواجهة المعارضة وفتحت الطريق لها. وسرعان ما بدا واضحا أن الإيرانيين الذين دعموه أيضا لسنوات، لن يسارعوا إلى نجدته.

وقد أبدت روسيا قلقها المتزايد وكثفت القصف في محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب البلاد، لكنها لم تفعل شيئا لتعزيز وجودها في سوريا. ومع تقدم مسلحي المعارضة، بات من الواضح أن روسيا لن تتدخل بأي شكل من الأشكال.

ومع انشغال روسيا واستهلاكها القدرة العسكرية في أوكرانيا، تغيرت حساباتها: وربما أدرك بوتين أن الوقت قد حان لقطع الطريق على الأسد وإعطاء الأولوية للاحتفاظ بالقواعد العسكرية الروسية في سوريا الجديدة.

ومع ذلك فسقوط الأسد لا يزال خسارة كبيرة لروسيا، ذلك أن الدول العربية السنية كرهت مسارعة بوتين لإنقاذ الأسد، العلوي، في صراع اعتبرته هذه الدول جزءا من صراع أوسع مع إيران الشيعية.

ومع ذلك، نال بوتين الحظوة والاحترام في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها، وخاصة بين الديكتاتوريين.

لكن هذا الاحترام أصبح في خطر، وربما يكون قرار بوتين منح الأسد اللجوء محاولة أخيرة منه للإشارة إلى أنه لن يتخلى عن حليفه.

وترى الكاتبة أن روسيا دائما، قادرة على تبرير النكسات، سواء بالزعم أنها تقاتل في أوكرانيا “الغرب كله” أو تفسير تخليها عن حليفها في أرمينيا في وجه هجوم أذربيجان على إقليم ناغورو كرباخ بالقول إن الوقائع على الأرض قد تغيرت، في حين تأمل أن ينتبه قلة من الناس إلى هذا.

ولكن سوريا مختلفة، ولا يمكن لأي قدر من المراوغة الخطابية التي يمارسها خبراء العلاقات العامة في روسيا صرف الانتباه عن حقيقة مفادها أن التخلي عن الأسد هو الإشارة الأكثر وضوحا، منذ غزو بوتين لأوكرانيا، إلى وجود حدود جديدة لإبراز القوة الروسية.

وبالإضافة إلى إضعاف شريكتها إيران، ستفقد روسيا نفوذها لصالح قوى إقليمية أخرى، وبخاصة إسرائيل وتركيا. لقد جعلت شراكة روسيا مع الأسد وحزب الله منها “جارة إسرائيلية في الشمال”، وهو ما يعني أنه كان يجب على إسرائيل إبلاغ روسيا عندما كانت تريد تنفيذ ضربات ضد وكلاء إيران في سوريا. كما كان على إسرائيل أن تتعامل بحذر مع أوكرانيا، حتى مع تقارب روسيا مع إيران وتبنيها موقفا مؤيدا للفلسطينيين بشأن حرب غزة.

 ومع رحيل الأسد وتهميش الإيرانيين في سوريا، أصبح لدى إسرائيل مجال أكبر للمناورة.

وبالنسبة للعلاقة مع تركيا، التي تتنافس معها روسيا منذ فترة طويلة، يمكن القول إن الخسارة أكبر. فبعد أن زادت أنقرة من نفوذها على روسيا بعد غزو أوكرانيا، ربما أصبح لدى أنقرة قوة مساومة هائلة في أي مفاوضات حول النفوذ الروسي المستقبلي في سوريا، وذلك بفضل رعايتها للمعارضة المسلحة هناك.

ولا تستبعد الكاتبة خسارة روسيا قاعدتيها العسكريتين في كل من طرطوس وحميميم، مع أن موسكو ستبذل كل ما في وسعها للاحتفاظ بهما. وعليه فالتحول في لغتها عند الحديث عن محاوريها السوريين الجدد ووصفهم بالمعارضة المسلحة بعدما كانت تشير إليهم بالإرهابيين تلمح إلى أن الجهود الدبلوماسية جارية بالفعل.

وربما نجحت روسيا في هذا إلا أن تأثيرها في سوريا والنفوذ الإقليمي الذي جاء معه لن يكونا كما كانا.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي