تحت عنوان: “الجيش العالق بين إسرائيل وحزب الله هو مخرج صغير من أجل لبنان”، قالت مجلة “ماريان” الفرنسية إن الجيش اللبناني، الذي يوجد في ظل حرب الله، لم ينخرط في الحرب الدائرة، لكن طريق الخروج من الأزمة يدور حولها، عاجلاً أم آجلاً. وفي الانتظار، فإنه يتكبد، في هذه الأثناء، الخسائر مثل كل الشعب اللبناني.
المجلة الفرنسية أشارت إلى تصريح قبل عامين للرائد محمد فرحات الذي قتل يوم 23 من أكتوبر الماضي بعد استهدافه من قبل الجيش الإسرائيلي أثناء تنفيذ عملية إخلاء جرحى في خراج بلدة ياطر، بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة التابعة لليونيفيل والصليب الأحمر.
انتشرت حينها (قبل الحرب في غزة وما تبعها) كلماته في أنحاء البلاد بفضل مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، قال فيه: “هذه هي المرة الأخيرة التي أقولها لكم.. وإلا فإننا سنحل هذه المشكلة بشكل مختلف. نحن ندافع عن أرضنا، هذا كل شيء”. ظهر هذا الجندي المحترف يقف وحيداً على طول الخط الأزرق – الذي يرسم الحدود – أمام الجيش الإسرائيلي الذي اتهمه بأنه على وشك انتهاك الأراضي اللبنانية. وهو عمل وصف بـ“البطولي” من قبل عشرات الآلاف من الأشخاص الذين سيجدون فيه مصدر فخر. أكثر من ذلك وجدوا فيه وجها للتمسك به في هذه الأمة المهجورة، والتي هي فريسة الفراغ المؤسسي والطبقة السياسية المسنة والفاسدة.
وتبقى الحقيقة أن محمد فرحات لم يمت أثناء القتال، بل أثناء مهمة إخلاء، رغم أن الجيش لم يشارك في المواجهات. وهكذا، ونظراً للقدرات التكنولوجية الإسرائيلية – القادرة على ضرب أهدافها بدقة عندما يقرر الجيش ذلك – فإن اختفاء القائد الذي أصبح أيقونة يجلب نصيبه من الأسئلة والتكهنات إلى لبنان.
فهل تم استهدافه عمدا كما يعتقد الكثير من اللبنانيين؟ هل أرادت إسرائيل أن تجعل من هذا الجندي عبرة، لكل من تجرأ على الوقوف في وجه الجيش الإسرائيلي؟ ربما كان اغتيالاً متعمداً، ربما كانت رسالة، ربما كان الأمر يتعلق بمفاوضات جارية، أو ربما كان تحذيراً للجيش…
أي دور للجيش اللبناني؟
وتابعت “ماريان” القول إنه منذ 7 أكتوبر 2023، قُتل عشرة جنود لبنانيين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان. فرغم عدم وقوف الجيش إلى جانب حزب الله، إلا أنه يبقى مع ذلك حاضرا في جنوب البلاد، مع نحو 4 آلاف رجل منتشرين على الأرض. لكن بينما يتعرض لبنان لقصف مكثف منذ نهاية شهر سبتمبر وتوغلات برية للقوات الإسرائيلية، فإن عدم مشاركة الجيش في الأحداث الجارية يثير الدهشة في لبنان وأماكن أخرى.
“فالحكومة اللبنانية لم تعلن الحرب على إسرائيل، لذلك من الطبيعي ألا يتم تعبئة الجيش”، تنقل المجلة الفرنسية عن ضابط سابق طلب عدم الكشف عن هويته.
يُذكّر هذا الأخير بأن الجيش اللبناني، رغم ضعف تجهيزاته، وكونه أقل قوة بلا شك من حزب الله على المستوى التكنولوجي، إلا أنه “من آخر المؤسسات العاملة في لبنان. وأكثر من ذلك، رابط مجتمعي حقيقي، في بلد فسيفسائي ما يزال متشرذما”.
ويضيف الضابط السابق القول إنه يجب عدم نسيان إعادة توحيد القوات المسلحة في نهاية الحرب الأهلية ودورها في تهدئة البلاد. حتى ولو للأسف، جاء تشكيل قوي آخر ينتزع احتكار القوة: حزب الله”، يأسف الضابط السابق.
وضع يصطدم اليوم بالواقع على الأرض، كما هو الحال دائما في لبنان المعقد: الجيش يضع الاستقرار الداخلي للبلاد فوق كل شيء. وبالتالي، ظل متمسكا بموقفه هذا بعد بعد فتح حزب الله لجبهة دعم غزة من جانب واحد، في 8 أكتوبر عام 2023. لا سيما أن القوتين ليستا في حالة عداء تام: فقد كان عليهما العمل معًا بالفعل، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد أن اضطرتا إلى هذا الاتجاه بسبب الضغط الذي تمارسه الجماعات المتمردة السنية على مشارف لبنان – جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية، تقول “ماريان”.
واليوم – تواصل المجلة الفرنسية- تبدو علاقاتهما متقلبة: فبعد اختطاف نقيب بحري مدني في البترون في الثاني من نوفمبر على يد الإسرائيليين، اتهم المتعاطفون مع حزب الله الجيش بالفشل في واجبه في حماية البلاد. وبعد أيام قليلة، حاول مسؤول العلاقات مع الصحافة لحزب الله تخفيف حدة التوتر، والتأكيد على أن العلاقات مع الجيش “متينة”.
قرار الأمم المتحدة رقم 1701
واعتبرت “ماريان” أنه رغم أن أي أمل في وقف إطلاق النار في لبنان يبدو وهمياً تماماً على المدى القصير، إلا أن خرائط الطريق المختلفة المقترحة حتى الآن تمحورت جميعها حول انتشار كثيف للجيش جنوب نهر الليطاني، الذي يعبر لبنان أفقياً على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً من الخط الفاصل بين البلدين.
“الحل المعجزة” هو الذي تم الترحيب به بالفعل في عام 2006 في نهاية حرب الثلاثة والثلاثين يومًا، والذي نص على انسحاب حزب الله من جنوب لبنان بالإضافة إلى إنهاء التوغلات الجوية الإسرائيلية. وهي شروط تضمنها قرار الأمم المتحدة رقم 1701، والتي انتهكها الطرفان بشكل مستمر لمدة 18 عاماً، توضح المجلة الفرنسية.
وإذا بدا الإسرائيليون، الذين هم في حالة القوة حالياً، غير راغبين على الإطلاق في سلوك الطريق الدبلوماسي، فإن قدرة لبنان على التنفيذ الصارم للقرار 1701 تثير التساؤلات. فإذا قال حزب الله إنه وافق على الانسحاب شمال الليطاني، فهل سيكون مستعداً للوفاء بوعده؟ أما الجيش اللبناني فكيف ينجح في مهمة فشل فيها بعد 2006؟ تتساءل “ماريان”.
يجيب الضابط اللبناني السابق (مذكور سابقا): “لكي تفهم ذلك، عليك أن تنظر إلى السنوات الماضية بعناية.. ففي عام 2006، تم نشر 15 ألف جندي، بموجب القرار 1701. وفي عام 2007، أجبرتنا الاشتباكات في مخيم نهر البارد الفلسطيني [مع الفصائل الإسلامية] على إرسال ألفين منهم إلى الموقع. وبعد ذلك، وفي مواجهة تهديد الجماعات السنية المسلحة في طرابلس، غادر حوالي ألفين آخرين. ثم كان هناك استيلاء حزب الله على بيروت في عام 2008، ثم محاولات الجهاديين للتسلل من سوريا. لقد كانت مذبحة طويلة”.
أضعفت الأزمة الاقتصادية المؤسسة، وانتكاسات مالية تخللتها هذه السنوات الأخيرة في سياق داخلي مضطرب: الوعد بالتبرع بأربعة مليارات دولار للجيش، الذي قدمته المملكة السعودية لخريف 2014، سيعلق بسبب تزايد التوترات في البلاد مع حزب الله الموالي لإيران.
وتابع الضابط السابق القول: “هناك مشاكل كثيرة.. في الواقع، من الصعب أن تطلب من جندي المخاطرة بحياته مقابل 200 يورو شهريًا. واليوم، اتخذ العديد من الجنود وظيفة أخرى لضمان بقائهم المالي، فنجدهم نادلين في المطاعم، وسائقي سيارات الأجرة، وغيرها”.
ويضيف قائلا: “نحن بحاجة إلى الأموال، ولكن قبل كل شيء نحتاج إلى قرار سياسي. حزب الله لا يريد جيشاً لبنانياً قوياً، وطالما أنه لا يقبل بذلك فلن نتقدم إلى الأمام. وليس حزب الله وحده هو المسؤول عن الوضع.. فكلما ضعفت الدولة ضعف الجيش، وكلما زادت سيطرة الأحزاب الطائفية. الجميع يستفيد منه. الحل هو تجريد النظام السياسي من الطائفية، وإقامة نظام جديد يضمن حقوق جميع اللبنانيين، وتستعيد الدولة سيطرتها على البلاد”.