لا يمكننا التحكم في الماضي، لكننا نستطيع التأثير في المستقبل. نحن الجيل الأول، الذي يشعر بتأثير أفعالنا في الناس والكوكب، وقد نكون الجيل الأخير، الذي يملك القدرة على فعل شيء ما حيال ذلك، وفقًا ل زهرة الخليج.
من هذا المنطلق، وإسهاماً منا في التوعية بأهمية الاستدامة، والحفاظ على مواردنا للمستقبل؛ ارتأينا أن نعرّف بالـ17 هدفاً، التي حددتها الأمم المتحدة؛ للحفاظ على كوكبنا، وجعله أكثر صحةً وسعادةً، والإجابة على سؤال: أين نحن اليوم من تحقيق هذه الأهداف؟
في ظل احتفاء العالم باليوم العالمي للتسامح، في 16 نوفمبر الحالي، يأتي الهدف الـ16 من أهداف التنمية المستدامة؛ ليؤكد أهمية بناء مجتمعات سلمية وشاملة وعادلة للجميع. وفي هذا الإطار، حققت دولة الإمارات نجاحاً كبيراً في تعزيز الأمن والاستقرار، وبناء مؤسسات قوية قادرة على تلبية احتياجات جميع أفراد المجتمع؛ ما يجعلها وجهة جاذبة للعيش والاستثمار والعمل، ويؤكد أن تحقيق هذا الهدف ليس فقط ممكناً، بل هو ضروري لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة.
ما الهدف السادس عشر؟
يركز الهدف السادس عشر، وفق تحديد الأمم المتحدة، على الحد من جميع أشكال العنف، ومحاربة الفساد، وضمان الوصول إلى العدالة والمؤسسات الشفافة. ويسعى هذا الهدف إلى تعزيز سيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان، والحد من التدفقات المالية غير المشروعة. كما يؤكد أهمية المشاركة في صنع القرار، وتعزيز الشفافية، وزيادة مساءلة المؤسسات، وهي أمور ضرورية للحكم الشامل، والتوزيع العادل للموارد.
وتشمل الأهداف الرئيسية، للهدف السادس عشر، ما يلي:
- الحد، بشكل كبير، من جميع أشكال العنف، والوفيات المرتبطة بها.
- إنهاء الإساءة والاستغلال والاتجار والعنف ضد الأطفال.
- تعزيز سيادة القانون، وضمان الوصول المتساوي إلى العدالة.
- تقليل الفساد، والرشوة.
- تطوير مؤسسات فعالة، وخاضعة للمساءلة، وشفافة.
- ضمان وصول الجمهور إلى المعلومات، وحماية الحريات الأساسية.
كيف يساهم الهدف السادس عشر في الاستدامة؟
قد يتساءل البعض: كيف يُعتبر بناء مجتمعات مستقرة، وآمنة وسلمية ومتسامحة، جزءاً من أهداف التنمية المستدامة؟!.. في الواقع، إن المجتمعات السلمية والحوكمة الفعالة، ضرورية للنمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على البيئة، والشمول الاجتماعي. فمن دون مؤسسات قوية، لا يتم تنفيذ القوانين، وتساء إدارة الموارد، وتزداد الفجوة في المساواة، ما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار. من هنا، فإن العدالة والحوكمة الشفافة تلعبان، أيضًا، دورًا في إدارة الموارد الطبيعية، وتخفيف آثار تغير المناخ. على سبيل المثال، ضمان تنفيذ القوانين التي تحمي البيئة، أو إعطاء المجتمعات المهمشة صوتًا في صنع القرار، يمكن أن يمنع استغلال الموارد الطبيعية بشكل مفرط، ويعزز الممارسات المستدامة.
حتى الآن.. ما الإنجازات العالمية في هذا المجال؟
تم تحقيق تقدم كبير على المستوى العالمي نحو الهدف السادس عشر، إلا أن العديد من التحديات لا تزال قائمة، على الرغم من انخفاض عدد الصراعات وأعمال العنف في بعض المناطق، ووجود مبادرات دولية أدت إلى تقليل الفساد، وزيادة المساءلة. ومع ذلك، كانت الإنجازات غير متكافئة، إذ لا تزال بعض المناطق متأثرة بالنزاعات، ولا يزال العنف والظلم يشكلان عقبات كبيرة، والفساد يعتبر مشكلة كبيرة في العديد من دول العالم، ما يضعف الثقة بالمؤسسات، ويعرقل جهود التنمية.
الإمارات.. والهدف السادس عشر
تعد دولة الإمارات رائدة إقليمية في تعزيز مبادئ السلام والعدالة والمؤسسات القوية. وينعكس التزام الدولة بالهدف السادس عشر في استراتيجياتها الوطنية، ودبلوماسيتها الدولية، وإطارها القانوني. وتحت شعار «شعب آمن.. وقضاء عادل»، وضعت حكومة الإمارات سيادة القانون والأمن في صميم رؤيتها. وهذه الرؤية تهدف إلى توفير بيئة، يشعر فيها المواطنون والمقيمون بالأمان والعدالة، فهي تسعى باستمرار إلى تعزيز هذه الأهداف عبر سياسات ومبادرات مبتكرة عدة.
ومن بين هذه المبادرات، نذكر «نظام تنبيه الطفل المفقود»، بالتعاون مع «فيسبوك»؛ للإعلان عن حالات الاختطاف، بالإضافة إلى «مبادرة البرج الذكي»، التي تهدف إلى خفض وفيات الحوادث المرورية بنسبة 50 % بحسب ما جاء في تقرير «أجندة التنمية المستدامة 2030» لدولة الإمارات والمنشورة على الموقع الرسمي الخاص بالمركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء. كذلك، وضعت الإمارات إطار عمل لمكافحة المخدرات، وسياسة لإدارة مسرح الجريمة، وتوحيد النظم الجنائية؛ لتعزيز الكفاءة في مكافحة الجرائم. كما أطلقت، عام 2017، مبادرة «حصنتك»، وهي أكبر نظام متكامل في المنطقة؛ لرصد حالات الطوارئ المتعلقة بالحريق والسلامة العامة باستخدام التقنيات الذكية، من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وبفضل هذه الجهود، يشعر حوالي 90% من سكان الإمارات بالأمان عند السير ليلاً، حسب مؤشرات أهداف التنمية المستدامة. ومع التحديات المتمثلة في التنوع السكاني الهائل، والتطورات التكنولوجية المتسارعة، تواصل الإمارات تطوير تشريعاتها وسياساتها؛ لتحقيق الأمن والسلامة.
وتعتبر الإمارات شريكاً عالمياً في تحقيق الهدف الـ16 من أهداف التنمية المستدامة، من خلال تعزيز التسامح والتعايش السلمي محلياً ودولياً، ودعم الحوار بين الثقافات والأديان، ما يجعل الإمارات نموذجاً رائداً في بناء المجتمعات الشاملة، وتعزيز العدالة، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم.
جهود مكافحة الفساد
تبنت الإمارات العديد من التدابير؛ لمكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، من خلال قوانين مثل قانون مكافحة الفساد الاتحادي، ومبادرات تهدف إلى تحسين الشفافية في المؤسسات العامة، كما حققت الدولة تقدمًا كبيرًا في الحد من الممارسات الفاسدة. وقد تم الاعتراف بجهود الإمارات من قِبَل المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، حيث تصنف من بين الدول ذات أدنى مستويات الفساد في المنطقة، إذ حصدت المركز الأول إقليمياً، والـ21 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد لعام 2020، ما يعكس التزامها الراسخ بالقيم النزيهة والشفافية.
وتؤكد هذه النتيجة أن الدولة لا تدخر جهداً في مكافحة الفساد بأشكاله كافة، وتطبيق أشد العقوبات على مرتكبيه، سواء في القطاع العام أو الخاص. ويُعزى هذا النجاح إلى منظومة تشريعية متكاملة، وأجهزة رقابية فعالة، مثل جهاز الإمارات للمحاسبة، الذي يعمل على حماية المال العام، وضمان استخدامه بكفاءة وشفافية. كما توفر الدولة قنوات متعددة؛ للإبلاغ عن حالات الفساد، ما يشجع على المشاركة المجتمعية في مكافحة هذه الآفة. كذلك تعمل الإمارات على تعزيز مساءلة مؤسساتها. وتشمل رؤية الدولة للحكم ضمان تقديم الخدمات العامة بكفاءة وشفافية. وقد أطلقت الحكومة الإماراتية العديد من المبادرات، مثل «جوائز التميز الحكومي»؛ لتعزيز جودة الخدمات العامة، وضمان مساءلة المؤسسات.
إن نجاح الإمارات في مجال تحقيق الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة، يلهم الكثيرين. ومع اقتراب الموعد النهائي لأهداف التنمية المستدامة في عام 2030، تبرز الإمارات كدليل حي على أن السلام والعدالة والمؤسسات القوية، يمكن أن تمهد الطريق لتحقيق النمو المستدام والشامل.. محلياً وعالمياً.