
قالت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها، إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، فاز في الانتخابات باستحقاق وبشكل حاسم.
وفي الوقت الذي تحضّر فيه الأمة الأمريكية نفسها لأربعة أعوام من حكم ترامب، فمن المفهوم أن نخشى الأسوأ، ولكن من الصحي أن نأمل في الأفضل.
وقالت الصحيفة إنها لا تملك أي أوهام بشأن ترامب ووعوده بالانتقام وخططه لتعيين “أنصار التفكيك السياسي” في الحكومة، فهو لم يخف نواياه الحقيقية أثناء الحملة الانتخابية. وقد فاز على أية حال، وتتطلب الديمقراطية قبول النتائج مهما كانت تمنياتنا مختلفة، وحتى عندما فشل المنتصر نفسه في القيام بذلك في الماضي.
وأضافت أنه من المتفهم شعور الخائفين من ولاية جديدة لترامب، ولكنهم بحاجة أيضا إلى أن يظلوا منفتحين فيما يتعلق بالأسباب التي أدت إلى حدوث ذلك، وكيف وسّع ترامب قاعدة دعمه في الواقع، وشكّل ائتلافا متنوعا.
وهنا ليس من المفيد رفض غالبية البلاد باعتبارها متحيزة أو جاهلة أو ذات دوافع خسيسة. نعم، تلعب التحيزات ضد الأجانب والأشخاص الملونين وغيرهم ممن هم في مرمى سهام ترامب، دورا في جاذبيته الدائمة بشكل غير عادي، لكنها لا تستطيع تفسير كل شيء، والواقع أن استعلاء النخب هو في حد ذاته عامل احتج ضده ناخبوه من خلال دعمه.
وقالت الصحيفة إن ترامب يعول على الإحباط العميق من التضخم والهجرة غير النظامية، حتى أنه اقترح “حلولا” مضادة، مثل فرض 20% تعرفة جمركية على كل البضائع المستوردة وترحيل جماعي. ولقد كان هذا الإحباط حقيقيا بالنسبة للعديد من الأمريكيين لأنهم أدركوا أن الديمقراطيين فشلوا في معالجة المخاوف الحقيقية بشأن ارتفاع الأسعار والحدود المفتوحة لفترة طويلة.
وعندما يعتقد 70% من الناخبين أن البلاد تسير على المسار الخطأ، وأن نسبة تأييد الرئيس الحالي تبلغ نحو 40%، كما كان الحال مع الرئيس جو بايدن في يوم الانتخابات، فإن هذا بمثابة ضوء تحذير أحمر للناس في البيت الأبيض، ولكن يبدو أنهم لم يستوعبوا ذلك.
وحمّلت الصحيفة الرئيس جو بايدن المسؤولية العميقة عن الهزيمة، فقد ترشح ضد ترامب في 2020، لكي يكون الجسر للعبور إلى الجيل القادم، لكنه فشل في فهم قدراته المحدودة. ومن الواضح أنه يتراجع من ناحية الصحة العقلية، لكنه أصر على ترشيح نفسه لولاية ثانية.
وبدلا من طرح أسئلة صعبة حول هذا الوضع، استسلم الديمقراطيون ونقاد ترامب، خوفا من أن يساعد الصراع على الخلافة داخل الحزب الديمقراطي المرشحَ الجمهوري. ولم يتنح بايدن عن السباق إلا بعد أدائه الكارثي في المناظرة مع ترامب في حزيران/ يونيو.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة ديمقراطية بعد شهر، كان العديد من الناخبين قد أصبحوا مرتاحين لفكرة التصويت لصالح ترامب ضد بايدن. والآن، بعد أن أصبح الديمقراطيون في البرية السياسية، يتعين عليهم أن يفكروا فيما فعلوه وما لم يفعلوه بشكل صحيح في المرة الأخيرة التي واجهوا فيها إدارة ترامب.
واحد من الأخطاء الرئيسية هو ميل اليسار الأيديولوجي. كما أن هاريس عبّرت عن مواقف غير شعبية بما في ذلك حظر النفط من الزيت الصخري، ودعم جراحات تأكيد النوع الاجتماعي الممولة من دافعي الضرائب للمحتجزين غير المسجلين. وقد تسببت هذه المواقف في عرقلة حملتها، حتى مع تخليها عن بعض المواقف السابقة.
وفي الوقت نفسه، نشر العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين يترشحون لإعادة انتخابهم، إعلانات تجارية تسلط الضوء على المجالات التي عملوا فيها مع ترامب، وهو ما يتعارض مع تحذيرات الديمقراطيين من أنه قد يجلب الفاشية. وسيتولى ترامب المنصب في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، لكنه سيصبح “بطة عرجاء” في نهاية ولايته الثانية عام 2028. ومن هنا، فهو ليس بحاجة في ولايته الثانية لمتابعة العناصر المتطرفة في أقصى اليمين.
وأظهر ترامب قدرة على تحقيق انتصارات في السياسة على الرغم من تحديه للمعتقدات السياسية لحزبه الذي انتمى إليه، سواء كان في التجارة أو الإجهاض أو السياسة الخارجية. وهو ما يفتح أمامه فرصة إن أراد اغتنامها لتحقيق صفقات جريئة.
وتقول الصحيفة إنه سيتعين على الديمقراطيين مواجهة ترامب بشدة. وهناك حاجة لمواجهة الغرائز السياسية الانعزالية التي يتبناها ترامب والتدقيق فيها، خاصة فيما يتصل بالحرب التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا. كما أن قدرته للتأثير على الوكالات الفيدرالية خاصة وزارة العدل، تشكل خطرا واضحا.
وينسحب هذا الأمر على نواياه غير الديمقراطية في الحد من حريات الصحافة وفرض سيطرة فيدرالية أكبر على مقاطعة كولومبيا. ومع ذلك، ينبغي للديمقراطيين أن يكونوا على استعداد للبحث عن مجالات التعاون المحتملة. وقبل فترة قصيرة من الانتخابات، تحدث ترامب بصوت عال مازحا بأنه ما كان عليه التخلي عن السلطة قبل أربعة أعوام. وهذا أمر يثير القشعريرة في ضوء الخطاب الذي برز أثناء حملته.
وتقول الصحيفة إن ذكريات 6 كانون الثاني/ يناير 2021 وصمة عار ستلاحقه إلى الأبد، وقصة تحذير لهذا البلد. وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة، ربما يتعرض نظام الضوابط والتوازنات في البلاد لضغوط أكبر مما كان عليه في فترة ولاية ترامب الأولى، على الرغم من أن الكثير يعتمد على التركيبة الحزبية غير المؤكدة للكونغرس.
لكن التجربة الأمريكية نجت من العديد من التحديات، لأن الأمريكيين ذوي النوايا الحسنة استطاعوا التعالي على الخلافات. وإذا فعلوا ذلك مرة أخرى، فيمكن للجمهورية أن تتحمل هذا التحدي أيضا.