
ثار الاشتباه الأول في أثناء خطاب نتنياهو. وتعزز مع منشورات الأيام اللاحقة. بالنسبة لجويش كرونيكل، كان واضحاً لي منذ أشهر طويلة بأن شيئاً ما هناك ليس على ما يرام، وأن إدارة الصحيفة تعطي إسناداً لقصص تعزز نتنياهو من جهة، ومن جهة أخرى تلك الأخيلة (ولا يوجد طريق آخر لوصف هذا) التي نشرها مراسل كله هذيان، تخفى في صورة مقاتل كوماندو (بروفيسور في التاريخ) وصحافي ومستعرب، عن الموساد. في رأس الهذيانات – قصة جواسيس الاستخبارات الإسرائيلية الذين يرتدون الأخضر متخفين على شكل أشجار في قلب طهران. ولاحقاً نشرت ذلك “بيلد”، صحيفة وصحافيين في اتصال طويل وعميق بمكتب رئيس الوزراء، ما عزز الشبهات (ومصادر القلق) بوجود عاصفة تلفيق كاملة. 24 ساعة من اللقاءات مع مصادر في إسرائيل ومحادثات مع جهات تتعلق بالمفاوضات وبحماس، وبشؤون الاستخبارات – وكان بوسعنا أن نكشفها. التحقيق الذي بدأ تالياً، ولوائح الاتهام التي ربما تأتي في أعقابها، ستكشف جوانب أخرى في القضية.
سبق أن كشفنا في هذه الصفحات كيف ظهر له فيلادلفيا فجأة كمحور أساسي وصخرة وجودنا، ليطل من الظلام مليئاً بقدسية لم يستشعرها أحد في إسرائيل؛ لا في جهاز الأمن ولا في أسرة الاستخبارات ولا في طاقم المفاوضات ولا حتى لنتنياهو نفسه، بأي أهمية طوال تسعة أشهر. كان المصريون قد أغلقوا الأنفاق تحت فيلادلفيا منذ زمن بعيد، ولم يكن ممكناً في أثناء الحرب تهريب أي شيء من هناك من فوق الأرض. أما الادعاء المتهالك وكأن إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي طوال 42 يوماً من صفقة المخطوفين في محور فيلادلفيا بعد نحو سنة لم يكونوا فيه هناك على الإطلاق فهو ادعاء جاء في اللحظة التي كانت فيها إسرائيل وحماس قريبة جداً، جداً من الاتفاق.
بالتوازي، أصبح الجمهور الإسرائيلي، مجبراً، ضحية لحملة متواصلة من الأكاذيب والتلاعبات مست بفهمه لما يجري وكانت تنكيلات حقيقة بعائلات المخطوفين. رأينا أهمية كبرى لننشر عبر هذه الصفحات الحقائق والتفاصيل الكاملة عن المفاوضات، تلك التي بذلت الحكومة جهوداً جبارة لإخفائها عن الجمهور. وفهم من هذه المنشورات بأنه عندما كانت المفاوضات في لحظة التحقق، فرض عليها نتنياهو “كتاب الإيضاحات” الذي وصفه مسؤول كبير في طاقم المفاوضات بأنه “كتاب الدماء” مما أوضح قليلاً وخرب كثيراً – وأضاف سلسلة عوائق وأثقال جعلت الوصول إلى أي اتفاق متعذراً.
أهم وأصعب ما فيها كانت كذبة فيلادلفيا. قال شخص مطلع على تسلسل الأمور، إن مكتب نتنياهو شعر حيال الوثائق والمكتشفات، بأنه لا ينجح في إقناع الجمهور، فبدأ بمعركة متداخلة – خطاب نتنياهو، الذي جاءت بعده المقابلة مع “فوكس نيوز” الودية جداً له والتي كرر فيها الرسائل إياها، وخطابات عامة ولقاءات سارة مع أهالي المجندات المخطوفات، حيث صدحت الرسائل التي كلها مليئة بمخاطر مختلفة، بلا أساس، وتتعارضان قطبياً مع فتاوى جهاز الأمن المهنية) التي ينطوي عليها ترك فيلادلفيا قصير الأمد. كانت الخطابات والمقابلات الصحافية واللقاءات بعد الخطاب وستصدح أيضاً في التقارير الصحافية التي ستنشر لاحقاً في وسائل الإعلام الدولية وفيها وثائق تؤكد خطاب نتنياهو.
وهكذا نشأت عاصفة التوثيق الكاملة. في أثناء الأيام الأربعة إياها، بعد الخطاب، جاءت من اتجاهات وكأنها مختلفة وغير مرتبطة، دالة على شيء ما يقضي بأن إسرائيل وحماس اقتربتا في المفاوضات، وكان احتمال بأن يضطر الكابنت للتصويت على الصفقة، وهو التصويت الذي سيكون ربما الأخير هناك إذا ما نفذ اليمين المتطرف تهديداته في الاستقالة.
“ولعدم الوصول إلى هذه اللحظة، وحتى لا يحدث تصويت ولا يهتز الائتلاف”، يقول مصدر ضالع في التحقيقات، “جلس أناس وكرسوا أياماً وليالي ليحيكوا قصة فيلادلفيا. ليجدوا وثائق تزيف أو تزور كي تثبتها والتأكد من أن تنشر على الملأ. هؤلاء الأشخاص قد يصلون إلى المحكمة بسبب الضرر الأمني من جراء تسريب الوثائق. لكن علينا ألا ننسى ذنب كل من لمس هذا الأمر الشائن المتعلق بعدم انعقاد الصفقة وموت المخطوفين في غزة”.
رونين بيرغمان
يديعوت أحرونوت 3/11/2024