لندن ـ خلصت دراسة طبية أجريت حديثاً إلى وضع سبب محتمل لمرض التوحد الذي يولد مع بعض الأطفال، وهذا السبب قد يواجه المرأة خلال فترة الحمل، وهو ما يُشكل تطوراً بالغ الأهمية في مجال التعامل مع هذا الداء.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي» إن العلماء لطالما تصارعوا منذ عقود طويلة من الزمن مع لغز أصول مرض التوحد إلى أن ظهرت هذه الدراسة الجديدة.
وكشفت الدراسة الجديدة أن نزلات البرد أو الأنفلونزا الشديدة أثناء الحمل قد تكون سبباً في إصابة المواليد بمرض التوحد.
وأظهرت الدراسة أنه عندما يتم تعزيز جهاز المناعة لدى الأم استجابةً لعدوى فيروسية فإن هذا يُمكن أن يعيق نمو دماغ الطفل النامي.
وبدا أن الأجنة الأنثوية محمية من هذه التأثيرات، لكن ثلث الأجنة الذكورية تأثرت بدرجة ما، وفقاً للبحث الذي أجري على الفئران. وهذا يتماشى مع حقيقة أن التوحد أكثر انتشاراً لدى الأولاد منه لدى البنات، وفقاً لفريق من مختبر كولد سبرينغ هاربور «CSHL» في نيويورك.
وقام الباحثون بمحاكاة عدوى فيروسية في الفئران وتتبعوا رد فعل الجنين على كيفية استجابة جهاز المناعة لدى الأم لفيروس البرد أو الأنفلونزا، والمعروف باسم تنشيط المناعة الأمومية «MIA».
ويتم تنشيط «MIA» عندما يعمل الجهاز المناعي بأقصى سرعة، ما يزيد من مستويات السيتوكينات والكيموكينات التي يمكن أن تعبر المشيمة وحاجز الدم في دماغ الطفل. وتحارب الكيموكينات الإنفلونزا عن طريق تحريك خلايا مناعية أخرى، مثل السيتوكينات، إلى موقع العدوى.
والسيتوكينات هي خلايا مناعية صغيرة تقاوم مسببات الأمراض الضارة عن طريق استدعاء خلايا مناعية أخرى، ما يخلق أعراضاً مثل الحمى وسيلان الأنف وآلام الجسم.
ونظراً لأن دماغ الجنين حساس للغاية للإشارات البيئية في الرحم، فإن هذا التفاعل يمكن أن يسبب مجموعة واسعة من المشكلات السلوكية بما في ذلك الإعاقات الاجتماعية مثل اضطراب طيف التوحد.
وقالت إيرين سانشيز مارتن، طالبة ما بعد الدكتوراه في «CSHL» إن تجاربها الأخيرة على الفئران أظهرت أنه عندما تصاب الأم بفيروس، يتباطأ نمو دماغ الجنين.
وقالت: «الفرق في عملي هو أنني أتحقق مما حدث للجنين بعد 24 ساعة من التعرض للالتهاب الأمومي، بدلاً من تحليل سلوكيات النسل كبالغين».
وركزت سانشيز مارتن على كيفية تأثير الالتهاب قبل الولادة الناجم عن البرد أو الأنفلونزا على دماغ الجنين النامي.
ولم ينظر عملها إلى عوامل أخرى تجعل أجهزة المناعة لدى الأمهات تعمل بشكل مفرط، مثل الاستجابة للقاح، أو السمنة أو وجود حالات كامنة.
ومع ذلك، أظهرت دراسات عالمية راسخة أن العديد من اللقاحات توفر في الواقع الحماية ضد أمراض الرضع من خلال تمرير الأجسام المضادة من خلال الأم إلى الجنين قبل ولادته.
وتعمل لقاحات الأنفلونزا بشكل مختلف عن المرض النشط لأنها تجبر الجسم على إنتاج أجسام مضادة تحضر الجهاز المناعي الذاتي حتى لا يسبب الالتهاب والأعراض الأخرى.
وقال سانثوش جيريراجان، الأستاذ المشارك في جامعة ولاية بنسلفانيا الذي يدرس الأسس الجينية لاضطرابات النمو العصبي: «نحن نعلم على وجه اليقين، منذ سنوات عديدة الآن، أن اللقاحات لا تسبب التوحد».
ويُعتقد أن الالتهاب قبل الولادة يؤثر على كيفية تنظيم دماغ الطفل النامي للشبكات العصبية التي تربط الخلايا والمشابك. وإذا تعطلت هذه الخلايا، فقد ينخفض عدد الخلايا العصبية والمشابك في الدماغ، وهو ما يرتبط بإصابة الأشخاص بالتوحد.
وأظهر أحد أهم الاختراقات التي توصلت إليها دراسة سانشيز مارتن أنه على الرغم من أن الأجنة الأنثوية تبدو محمية من نقص المناعة البشرية، إلا أن حوالي ثلث الأجنة الذكور أظهرت علامات عجز في نمو الدماغ يتوافق مع التوحد.
كما أظهرت البيانات أن التوحد أكثر شيوعاً بين الذكور منه بين الإناث، حيث يعاني أربعة من كل 100 ولد وواحدة من بين كل 100 فتاة من هذا الاضطراب في الولايات المتحدة.
ولا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لكشف العلاقة بين رد فعل الجهاز المناعي تجاه الفيروس وكيف يؤثر على الجنين.
وتم تشخيص أكثر من 5.4 مليون شخص في الولايات المتحدة حالياً بالتوحد، ومن المرجح أن يكون 40 إلى 80 في المئة منهم مرتبطون بالجينات، ولكن هذا يعني أن 20 إلى 60 في المئة منهم ناجم عن عوامل أخرى.
ويقول العلماء إن التشخيص المبكر أمر بالغ الأهمية في التوحد لأنه لا توجد علاجات حاليًا، ويستغرق اختبار الاضطراب وتشخيصه سنوات. وقالت سانشيز مارتن إن بحثها لا يزال في المراحل المبكرة وهناك حاجة إلى إجراء المزيد لربط فيروسات البرد والإنفلونزا بالتوحد بشكل قاطع. ومع ذلك، فهي تأمل أن تساعد النتائج المستقبلية الأطباء في التعرف على العلامات التحذيرية المبكرة للتوحد قبل ولادة الطفل.
ويتزايد التوحد بين الأطفال في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها «CDC» أنه في عام 2000 كان هناك واحد من كل 150 طفلاً في الثامنة من العمر مصاباً بالتوحد. ولكن بحلول عام 2020 ارتفع هذا العدد إلى واحد من كل 36 طفلاً في الثامنة من العمر. ويمكن أن يُعزى هذا الارتفاع إلى تحسن قدرة الأطباء على تحديد حالات التوحد وزيادة الوعي المحيط بهذا الاضطراب.