ساهم برنامج جدة التاريخية بمرحلته الأولى في إنقاذ 233 مبنى تراثيا يحمل عناصر معمارية وتراثية ثرية كانت آيلة إلى السقوط، مع إعادة تأهيل 35 مبنى تراثيا وترميم 58 أيضا، وكذلك إنجاز 89 دراسة بصفتها مرحلة أولى لتخطيط أعمال ترميم المباني.
البرنامج الذي يعمل بسرعة على تحقيق أهدافه منذ إطلاقه انتهى من ترميم برحة بيت جوخدار وبرحة بيت البلد التاريخيتين، سعيًا إلى الحفاظ على القيم المعمارية والتاريخية للمنطقة، ليوفر بتلك التطورات مركزًا جاذبًا للأعمال وللمشاريع الثقافية، ومقصدًا رئيسيّا لروّاد الأعمال.
ونجح البرنامج التابع لوزارة الثقافة في العثور على أكثر من 25 ألفًا من بقايا مواد أثرية يعود تاريخ أقدمها إلى الفترة الإسلامية المبكرة، الأمر الذي يؤكد على العمق الحضاري والتاريخي للمنطقة، حيث شملت المكتشفات 11405 قطع خزفية، و1730 مادة صدفية، و685 مادة بناء، و191 مادة زجاجية، وكذلك قطعا خشبية على ساريتي مسجد عثمان بن عفان تعود إلى القرن الأول الهجري/السابع الميلادي.
ووضع بصمته الجمالية في المنطقة لمعالجة التشوه البصري عبر صيانة وتجميل 150 ألف متر مربع من الطرق، مع زراعة 120 ألف متر مربع في مختلف المساحات العامة، وطلاء 140 مبنى لتحسين المنظر العام، وكذلك توزيع إنارة معلقة على امتداد 3500 متر في عدد من المساحات العامة.
وتكللت جهود المرحلة الأولى بالعديد من المنجزات، منها تجديد واجهات المباني وصيانة الأرصفة وإزالة مخلفات البناء لتعزيز جودة البيئة الحضرية، وإثراء تجربة زوار المنطقة من خلال تنفيذ أعمال صيانة وتجميل شاملة في سوق الندى التاريخي وشارع الذهب، مع وضع مجسمات فنية عالمية في عدد من المواقع في حديقة بحيرة الأربعين.
وطبقت كذلك أعلى معايير الاستدامة في مجال الأمن والسلامة في المنطقة، حيث يعمل 937 رجل أمن بكل كفاءة ومهنية لضمان سلامة الزوار والممتلكات، وذلك بالتوازي مع توزيع 304 كاميرات مراقبة عالية الجودة في جميع أرجاء المنطقة.
وأوضح برنامج جدة التاريخية التابع لوزارة الثقافة أن المنطقة تضم أكثر من 650 مبنىً تراثيا، بالإضافة إلى خمسة أسواق رئيسية تاريخية وعدد من المساجد والمدرسة التاريخية. تتميز بجمال طرازها المعماري والنسيج العمراني لمدن ساحل البحر الأحمر، مع مبانيها متعددة الطوابق ومكوناتها الخشبية وطرق البناء التقليدية، وكذلك شوارعها الضيقة التي ساهمت في تعزيز التلاحم الاجتماعي في الماضي.
وأشار البرنامج إلى أن إدراج جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو جاء نتيجة استيفائها ثلاثة معايير تصنيفية تدل على قيمتها الاستثنائية عالميا. تركز هذه المعايير على أهمية المنطقة في تبادل القيم الإنسانية عبر الزمن، ودورها في تطورات الهندسة المعمارية والفنون وتخطيط المدن، بالإضافة إلى كونها مثالاً بارزاً على مبانٍ أو مجموعات معمارية تعكس مراحل هامة من تاريخ البشرية، وارتباطها بأحداث وتقاليد حية ذات أهمية عالمية.
واعتمد البرنامج على معايير اليونسكو لوضع أربع ركائز أساسية لإحياء المنطقة، تشمل التراث الثقافي غير المادي، والتنقيب عن الآثار (مثل السور والبوابات التاريخية)، والنسيج العمراني (الأسواق والساحات والشوارع)، والمباني التاريخية (كالبيوت والمساجد والأربطة). كما وضع مجموعة من المعايير للحفاظ على التراث، تتضمن استخدام مواد تقليدية في الترميم، وتحديد العناصر الأصلية والمرممة، والحفاظ على الارتفاعات الحالية للمباني.
وتواجه جهود إعادة إحياء المنطقة عدة تحديات، أبرزها إنقاذ المباني المهددة بالسقوط نتيجة تدهور البنية التحتية، وضمان استدامتها مع الحفاظ على هيكلها الأصلي، بالإضافة إلى توعية المجتمع المحلي بأهمية الحفاظ على التراث. كما يُعمل على تحسين البنية التحتية والخدمات مع مراعاة الطابع التاريخي والثقافي للمنطقة.
وتأتي هذه الجهود ضمن إطار البرنامج للحفاظ على التراث الثقافي والعمراني للمنطقة وتنمية المجالات الاقتصادية لجعلها مركزا جاذبا للأعمال والمشاريع الثقافية، من خلال تنفيذ عدة مشاريع ضمن المخطط العام لإعادة إحياء جدة التاريخية والإشراف على تحسين البنية التحتية وترميم المباني، وهو ما يسهم في تعزيز تجربة الزوار وجعل المنطقة وجهة سياحية مميزة.