الفيلم الوثائقي «رفعت عيني للسما»: فتيات يحلمن ويكسرن القيود

الامة برس
2024-07-11

الفيلم الوثائقي «رفعت عيني للسما»: فتيات يحلمن ويكسرن القيود (القدس العربي)

في فيلمهما الوثائقي «رفعت عيني للسما» يتناول المخرجان المصريان أيمن الأمير وندى رياض العلاقة الوطيدة بين الفن، والقدرة على الانفلات من قيود الواقع، أو بمعنى أدق قدرة المرأة على استخدام الفن للتعبير عن القيود التي يفرضها عليها مجتمعها ومحاولة التحرر من هذه القيود. عُرض «رفعت عيني للسما» ضمن الأفلام المشاركة في أسبوعي المخرجين في مهرجان كان لهذا العام، وهي التظاهرة التي سبق وعرض فيها فيلم «ريش» لعمر الزهيري عام 2021.وفقا لموقه القدس العربي
يروي لنا الفيلم قصة فتيات من صعيد مصر، يتحدين القيود الاجتماعية المفروضة عليهن من قبل مجتمعهن المحافظ، ويستخدمن الفن كسبيل للتعبير عن ذواتهن ولمحاولة نقاش القضايا التي تواجه الفتيات في مجتمعهن الذكوري، كحقهن في ارتداء ثوب دون أن يتحرش بهن الرجال، أو أن تنهر الأمهات، أو كحقهن في الحب واختيار شريك الحياة، أو حتى حقهن في الحلم، فأحلام الفتيات في بيئتهن المحافظة مرهونة بأوامر المجتمع ونواهيه. يسرد لنا الفيلم قصة مجموعة من الفتيات في قرية البرشا في محافظة المنيا في صعيد مصر، يؤسسن فرقة مسرحية لمسرح الشارع، يؤلفن عروضها، كنوع من العلاج بالفن أو كنوع من استخدام الفن سبيلا لتوعية المجتمع وتغيره، أو حتى لمجرد إعلان ما يعتمل في صدورهن. تحكي إحداهن أنها كانت تسير ذات يوم في طرقات القرية وتتحدث بصوت مرتفع، فإذا بامرأة تسخر من صوتها وتقول إنه غليظ كصوت الرجال، ومنذ ذلك الحين تصدح تلك الفتاة بصوتها بالغناء، ونستمع لصوتها فنجده شجيا جميلا، ويصبح حلمها أن تصبح مغنية شهيرة.
يقدم اعتراف هذه الفتاة عما تعرضت له من التجريح بسبب صوتها، نموذجا مصغرا مما تتعرض له هؤلاء الفتيات في قريتهن الصغيرة بشكل شبه يومي، وليس فقط من قبل الذكور، لكن من قبل النساء أيضا. في المجتمع الذكوري تتشرب الكثير من النساء الأكبر سنا قواعد المجتمع الذكوري، ويصبحن الأعين الحارسة لقيم ذلك المجتمع والجلاّدات لغيرهن من النساء والفتيات، اللاتي يحاولن الانعتاق من هذه القيود. في الفيلم يتحول الصوت لأداة للتعبير عن الذات وللتعبير عن الفن. نشاهد الفتيات وهن يتدربن على عرضهن المسرحي الجديد في مبنى متهدم ويستخدمن ألواحا خشبية لإعداد خشبة مسرح بسيطة مؤقتة. لكن العمل المسرحي للفتيات والفيلم الوثائقي محفوفان بالصعاب والمتاعب. فليس من السهل على قرية نائية في صعيد مصر أن تقبل امتهان فتياتها الفن، حتى لو مجرد هواية، ناهيك أن يصبح هؤلاء الفتيات محور فيلم يصوره غرباء عن مجتمع القرية ويسلط الضوء على الفتيات، اللاتي يعتبرهن المجتمع عورة يجب ألا تقع عليهن الأعين.

يتتبع الفيلم الفتيات على مدى أربعة أعوام لنشهد ما حل بهذا الحلم الكبير في التعبير عن الذات عن طريق الفن. ترى هل استمر أم خبت جذوته وتغلبت صرامة المجتمع على الأمل؟ وماذا عن الفتيات أنفسهن؟ هل بقين متحديات متمردات؟ أم هل تمكن المجتمع من تدجينهن وإدخالهن في حظيرته؟ ربما لا تتحقق جميع الأحلام، ربما تخضع بعض الفتيات لما يمليه عليهن الرجال باسم الحب أو التقاليد أو غيرها من المسميات، لكن البعض يواصلن التحدي. ربما يكفيهن أنهن حاولن، ربما تذلل محاولتهن بعض الصعاب التي تواجهه الفتيات الأصغر سنا. الفتيات يغنين ويرقصن، ويواجهن المجتمع وجها لوجه في شجاعة ويتحدين أفكاره، بينما تتهامس النساء عن العيب والممنوع. لكن الانتقادات لا تزيدهن إلا إقداما. ما يزيد احترامنا لهؤلاء الفتيات هو إنهن كن يصنعن الفن ويحاولن تغيير مجتمعهن بمجهودات شخصية صرف. في قريتهن البعيدة لم يجدن ممولا أو داعما ماديا سوى أنفسهن وإبداعهن. حتى إن إحداهن ذات الصوت الجميل لم تجد من يدعم موهبتها، وكان حلمها أن تجد فرصة للشهرة ذات يوم في القاهرة. هن كن يصنعن ديكور مسرحياتهن وأزياءها وحوارها دون الحصول على دعم مادي أو معنوي.
نشعر طوال الفيلم بألفة كبيرة إزاء هؤلاء الفتيات، فهن يعبرن عن أنفسهن أمام الكاميرا ويتحدثن عن مخاوفهن وأحلامهن دون خوف أو وجل. رغم محيطهن الصارم، نشعر بأن لديهن من الثقة في الذات ما يجعلهن منفتحات للحديث أمام الكاميرا. يتحدثن عن الحب وعمن تقدموا لخطبتهن وعن أحبابهن، وسط مجتمع شديد المحافظة. والمثير للدهشة حقا هو الموقف الداعم من والد إحدى هؤلاء الفتيات، فهو يحذرها من أن تفقد ذاتها وأحلامها تلبية لرغبات خطيبها، الذي أراد لها أن تبتعد عن المسرح وعن صديقاتها، لأنه يرى أن في نشاطهن الفني وفي تحديهن لقيود المجتمع نوعا من التسيب.
في نهاية الفيلم تبتعد الكاميرا التي كانت لصيق الفتيات وشوارع القرية الصغيرة، لتقدم لنا مشهدا علويا للقرية أو ربما للقرى المجاورة أيضا. ما يحدث في هذه القرية هو صورة مصغرة لما يجري في القرى المجاورة، وربما كانت محاولات الفتيات للحصول على قسط من الحرية، هي جزء من حركة أكبر تشمل رغبة من الفتيات للحصول على حريتهن في البلد بأسره.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي