ما إن بدأ المغني كوسمو شيلدريك حفلته في مركز "إيرث هاكني" للفنون في لندن، حتى انغمس الجمهور بحماسة في ألحانه، ولكن مع أن الصالة كانت ممتلئة، لم يكن صندوق شباك التذاكر كذلك.
ولاحظ مؤسس ومدير مركز "إيرث هاكني" وصالة "فيلدج أندرغراوند" القريبة أورو فوكسكروفت في حديث لوكالة فرانس برس أن "تسجيل خسائر مالية رغم بيع التذاكر بأكملها يشكّل مفارقة".
فالصالات المخصصة للحفلات الموسيقية في المملكة المتحدة تعاني ارتفاعاً شاملاً في الأكلاف، ومنها رسوم الكهرباء وبدلات الإيجار، في حين تراجعت القدرة الشرائية للزبائن.
ولاحظ فوكسكروفت أن "كل شيء أصبح يكلّف في المتوسط 15 في المئة أكثر مما كان عليه قبل الجائحة (...) والمبيعات انخفضت بنسبة 20 في المئة".
أما جاك هنري، وهو مدير العمليات في مركز "استوديو سبايسز" لإقامة العروض والأنشطة في جنوب لندن، فرأى أن "تحقيق ربح في هذا القطاع لم يعد ممكناً".
في العام الفائت، أقفلت 125 صالة مستقلة أبوابها في المملكة، أي نحو 38 في المئة، من بينها مؤسسات مهمة على غرار "مولز" Moles التي شهدت حفلات لفرق مثل "أويزيس" Oasis و"ذي كيور" The Cure و"يوريثميتيكس" Eurythmics.
وقال جاك هنري إنه "أسوأ وضع عرفه اقتصاد الحياة الليلية على الإطلاق".
وأضاف "كانت عواقب كوفيد-19 كبيرة (على القطاع)، لكنّ الوضع أسوأ بكثير الآن".
وذكّر بأن صالات الحفلات الموسيقية والمرابع الليلية والحانات اضطرت خلال مرحلة الجائحة إلى التوقف عن العمل لأشهر، ولكن لم تكن تترتب عليها نفقات تشغيل وتلقت مساعدات حكومية كبيرة.
وبدأت صعوبات هذا القطاع قبل نحو 15 عاماً، بفعل الأزمة المالية وظهور الموسيقى الرقمية التي أحدثت تحوّلاً كبيراً في المنظومة الموسيقية.
وعلّق فوكسكروفت قائلاً "ينتهي بنا الأمر إلى اتخاذ قرارات فنية على أساس عدد عبوات البيرة التي نأمل في أن نتمكن من بيعها".
نسبة من الثمن
واللافت أن الشباب باتوا يشربون الكحول بقدر أقل من اسلافهم، من جهة بسبب ضعف إمكاناتهم المالية، ومن جهة أخرى أيضاً بسبب حرصهم على اتباع نمط حياة صحيّ أكثر، على ما يُظهره نجاح حملات من مثل "دراي جانيوري" التي يُحض فيها الناس على عدم شرب الكحول خلال شهر كانون الثاني/يناير.
وقالت الطالبة في مجال الإخراج السينمائي إندي فيرث (21 عاما) لوكالة فرانس برس "أنا شخصيا أميل إلى عدم شرب الكحول، فهي عموماً من أغلى الأشياء، والأشخاص في عمري ميّالون إلى الإقلال من شربها".
وفي موازاة تراجع استهلاك الكحول في صالات الحفلات الموسيقية، يسير بيع التذاكر بشكل جيد كمّياً، ولكن من الصعب رفع اسعارها كثيراً، إذ من شأن خطوة مماثلة تنفير الزبائن وخصوصاً الشباب منهم، في حين يجدر بالصالات تشجيعهم على حضور الحفلات باستمرار. وأوضح أورو فوكسكروفت أن "الناس لا يبدأون بالذهاب إلى الحفلات الموسيقية في الأربعينات من عمرهم".
وفيما تطالب جمعية قطاعات الحياة الليلية NTIA الحكومة البريطانية بخفض الضريبة على القيمة المضافة لحضّ المستهلكين على الإنفاق، أطلق مدير جمعية "ميوزيك فينيوز تراست" Music Venues Trust مارك ديفيد حملة لتضمين سعر كل تذكرة لمبارة رياضية أو حفلة موسيقية كبيرة مساهمة متواضعة في صندوق يُخصص ريعه لمساعدة قطاع الصالات المستقلة على الاستمرار.
وذكّر ديفيد بأن جميع نجوم الموسيقى البريطانية، من أديل إلى "كولدبلاي" مروراً بـ"رولينغ ستونز"، "بدأوا مسيرتهم في صالات صغيرة وبرزوا فيها أولاً" قبل أن يحققوا نجاحاً على نطاق أوسع.
ويستشهد العاملون في هذا المجال في بريطانيا بالنموذج الذي اعتُمِد في فرنسا، حيث تُقتطع نسبة 3,5 في المئة من ثمن تذاكر الحفلات الموسيقية ويعاد توزيعها في شكل مساعدات، ما يجعل وضع صالات الحفلات الموسيقية أفضل بكثير.