باكو دي لوثيا في الذكرى العاشرة لرحيله...عازف إسباني غيّر وجه الفلامنكو

ا ف ب - الأمة برس
2024-02-24

عازف الغيتار الإسباني الشهير باكو دي لوثيا خلال مهرجان فيتوريا في إسبانيا في 20 تموز/يوليو 2013 (ا ف ب)

لم يكن باكو دي لوثيا يعرف كيفية قراءة النوتات الموسيقية، لكن موهبة هذا العبقري الإسباني في الفلامنكو أحدثت تحولاً عميقاً في هذا النوع من الموسيقى ولا تزال تطبع فناني اليوم الذين يشعرون بأنهم "تيتموا" بعد عشر سنوات من وفاته.

وكان عازف الغيتار هذا المتحدر من مدينة ألخيسيراس (الجزيرة الخضراء) في أندلوسيا (جنوب إسبانيا) يرى إن موسيقى الفلامنكو "كانت مهمشة دائماً" في إسبانيا كونها "موسيقى الغجر والأندلسيين والفقراء".

ونجح دي لوثيا في نشر هذا النوع من الفلامنكو في كل أنحاء العالم، وتمكن من إخراجه من نطاق الملاهي الليلية التي يقدّم فيها فنانو الفلامنكو عروضهم عادة، إلى أشهر الصالات الفنية في نيويورك وطوكيو وباريس ولندن.

وخصصت قاعة "كارنيغي هال" المرموقة في نيويورك الثلاثاء تحية له عبر حفلة جمعت فيها أفضل فناني الفلامنكو الحاليين كتوماتيتو ودييغو وإل سيغالا، قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية العاشرة لوفاته الأحد.

ورأى عازف الغيتار الإسباني خوسيه كارلوس غوميس الذي شكلت أسطوانته الأحدث بعنوان Las huellas de Dios ("بصمة الله") تحية لدي لوثيا، أن سرّ نجاح الراحل يكمن في قدرته على تأليف "ألحان جميلة وإلباسها أفضل توزيع، أي أجمل الثياب".

و"لهذا السبب، يحظى باكو بشعبية كبيرة بين الخبراء (في هذا النوع) وأولئك الذين ليسوا كذلك"، على ما قال غوميز الذي يُعدّ من أبرز وجوه الفلامنكو المعاصرة، والشديد القرب من عائلة دي لوثيا، في حديث لوكالة فرانس برس على شاطئ إل رينكونسيّو في ألخيسيراس.

وكان أسطورة الفلامنكو الراحل يرتاد دائماً هذا الشاطئ، حيث كان يهوى تناول السمك المقلي في حانة "كاسا بيرناردو" التي خصّها بأغنية رومبا.

من الأب إلى الابن

توفي باكو دي لوثيا في 25 شباط/فبراير 2014 عن عمر يناهز 66 عاما إثر أزمة قلبية بينما "كان يلعب مع أطفاله بجانب البحر"، على ما أعلنت عائلته في ذلك الوقت، في بلايا ديل كارمن في المكسيك، حيث كان يملك منزلاً يشبع فيه شغفه بالبحر والسباحة وصيد الأسماك.

ولد فرانسيسكو سانشيس غوميس (اسمه الأصلي) عام 1947 في عائلة شديدة التواضع، واتخذ باكو دي لوثيا اسماً فنياً، نظراً إلى أن باكو تصغير لفرانسيسكو، ولوثيا اسم والدته البرتغالية.

وكان والده يعزف الغيتار لتحقيق مدخول إضافي يؤمّن به احتياجات عائلته، وأعطى نجله إحدى آلاته الوترية عندما  كان في الثامنة، وقال له: "لا أستطيع أن أتحمل تكاليف ذهابك إلى المدرسة، أو حصولك على شهادة جامعية. كل ما يمكنني أن أفعله هو أن أعطيك غيتاراً"، على ما كان يروي دي لوثيا. 

وسرعان ما ظهرت موهبة باكو الفذة، إذ لم يكن الشاب يكتفي بالعزف، بل كان كذلك يجرّب ويؤلّف.

وفي العام 1973، اصبح أول فنان فلامنكو يحتل المرتبة الأولى في ترتيب المبيعات في إسبانيا، بفضل أغنيته "إنتريه دوس أغواس" Entre dos aguas. وبقدرته الابتكارية، جعل دي لوثيا الفلامنكو أقرب إلى موسيقى الجاز بعد إنشاء فرقته السداسية، وكان إدخاله آلة الكاخون البيروفية الخشبية (صندوق الإيقاع) إلى الفلامنكو بمثابة ابتكار أحدث تحولاً كبيراً في هذا النوع.

فهذا العنصر الجديد "عزز الطابع الصوتي" للفلامنكو وجعلها "أكثر حميمية من حيث الإخراج المسرحي" عبر إتاحته الاستعاضة عن  الـ"بالميروس" الذين يرافقون الموسيقى بالتصفيق بأيديهم، على ما شرح لوكالة فرانس برس عازف الإيقاع باكيتو غونزاليس الذي تعاون مع دي لوثيا.

وفي العام 1975، أثارت حفلة دي لوثيا الموسيقية في مسرح "تياترو ريال" في مدريد جدلاً لأنه كان أول فنان فلامنكو يقيم حفلة في هذا المكان المخصص عادة للغناء الكلاسيكي والشعر الغنائي، ولكونه أيضاً عزف في وضعية الساقين المتقاطعتين، بدلاً من وضع الغيتار بشكل عمودي تقريباً على إحدى ساقيه.

الفلامنكو يتيماً

وكان باكو دي لوثيا بمثابة "مستكشف يحمل منجلًا في يده (...) يقطع به أغصاناً ويفتح الطريق"، على ما وصفه عازف الغيتار خوسيه كيفيدو المعروف باسم "إل بوليتا"، في ملهى بمدينة خيريز دي لا فرونتيرا، هو أحد العناوين التي يقصدها عشاق الفلامنكو في أندلوسيا. 

وفي هذه المدينة بالتحديد، قرر باكو دي لوثيا والمغني الشهير كامارون دي لا إيسلا التعاون وإصدار أسطوانات فلامنكو حققت شهرة واسعة. 

وعندما اكتسب باكو دي لوسيا "هذا البعد من النجومية العالمية، من دون أن يدرك ذلك تقريباً، أنشأ ما أصبح في ما بعد صناعة الفلامنكو"، على ما لاحظ كيفيدو. وكان ذلك في نظره "نقطة تحول كاملة" كرّست "الاحتراف" في مجال الفلامنكو ووفرت حياة أكثر كرامة لكثر من فناني هذه الموسيقى.

ومع وفاته، "شعر عالم الفلامنكو بأنه تيتّم"، بحسب مونيكا بييدو، وهي مديرة مدرسة للفلامنكو في ألخيسيراس.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي