وفاة المعارض الروسي نافالني في سجنه بالقطب الشمالي والغرب يتهم الكرملين

ا ف ب - الأمة برس
2024-02-17

اليكسي نافالني في موسكو في 20 شباط/فبراير 2021 (ا ف ب)

موسكو - توفّي المعارض الروسي الأبرز والعدوّ الأوّل للكرملين أليكسي نافالني الجمعة 16-2-2024 في سجن الدائرة القطبيّة الشماليّة، قبل شهر من الاستحقاق الرئاسي الذي سيُرسّخ حكم فلاديمير بوتين أكثر.

ووفاة نافالني عن 47 عاما بعد ثلاث سنوات من الاعتقال ومحاولة التسميم التي اتّهم الحكومة بها، تحرم المعارضة قائدها، بعد أن مارست السلطات الروسيّة قمعا بلا رحمة لمُنتقديها، ولا سيّما منذ بدء الهجوم على أوكرانيا قبل عامين.

وأكّدت زوجة نافالني الجمعة بعد وفاته في سجن روسي، ضرورة "معاقبة" بوتين و"محاسبته شخصيًّا على الفظائع" التي ارتكبت بحقّ المعارض الروسي.

وقالت يوليا نافالنايا في مؤتمر ميونيخ للأمن "أودّ أن يعلم بوتين وجميع موظّفيه (...) أنّهم سيُعاقبون على ما فعلوه ببلدنا وبعائلتي وبزوجي"، مضيفة "علينا محاربة هذا النظام المروّع في روسيا اليوم. يجب محاسبة بوتين شخصيًّا على كلّ الفظائع المرتكبة في بلدنا في السنوات الأخيرة".

وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة عن "غضبه" لوفاة نافالني، معتبرا أنّه "صوت قوي من أجل الحقيقة"، ومؤكدا أنّ "بوتين مسؤول" عن وفاته.

ولم تقدّم السلطات الروسيّة أيّ تفاصيل تقريبا عن ظروف وفاة نافالني، وأصدرت بيانا مقتضبا للتأكيد أنّها فعلت كلّ شيء لإنعاش هذا الرجل الهزيل الذي تراجعت صحّته بسبب تسميمه وسجنه، بعد شعوره بالإعياء.

وأفادت سلطات السجون لمنطقة يامال في القطب الشمالي في بيان بأنّه "في 16 شباط/فبراير 2024 شعر السجين نافالني أ.أ. بوعكة بعد نزهة، وفقد الوعي بشكل شبه فوري".

وأضافت "كلّ إجراءات الإنعاش اتُخذت، لكنّها لم تُعطِ نتائج إيجابيّة". 

وأكّد أطبّاء الطوارئ وفاة السجين، وقالوا إنّ "التثبّت من أسباب الوفاة جارٍ".

وقال المستشفى المجاور للسجن في بلدة لابيتنانغي، إنّ مسعفين أرسِلوا إلى المكان خلال سبع دقائق بعد تلقّي اتّصال من معسكر الاعتقال.

وذكر أنّ "الأطبّاء الذين وصلوا إلى المكان، واصلوا عمليّات الإنعاش التي كان أطبّاء السجن قد باشروها... إلّا أنّ المريض توفّي".

وذكرت وكالة أنباء ريا نوفوستي الجمعة أنّ نافالني شارك عبر الفيديو الخميس في جلستي استماع أمام محكمة في منطقة فلاديمير وأنه لم يشكُ من حالته الصحّية.

وقالت والدة نافالني، ليوميلا نافالنايا، "رأيتُ ابني في 12 (الشهر الجاري) في المستعمرة (الجزائيّة)، التقينا. كان حيًّا وبصحّة جيّدة وبشوشًا"، وفق ما كتبت على فيسبوك بحسب صحيفة "نوفايا غازيتا".

فريق نافالني لم يبلغ رسميا بوفاته

كان الناشط البالغ 47 عاما يمضي عقوبة بالسجن 19 عاما بعد إدانته بتهمة "التطرّف" في سجن ناءٍ في المنطقة القطبيّة الشماليّة من روسيا، في ظروف بالغة الصعوبة. واعتبرت محاكماته الكثيرة ذات دوافع سياسيّة ووسيلة لمعاقبته لمعارضته بوتين.

وقال فريق نافالني إنّه لم يُبلّغ رسميا بوفاته وإنّ محاميه في طريقه إلى السجن. وكتبت الناطقة باسمه عبر منصّة إكس "سنتواصل ما إن تتوافر لدينا معلومات".

وأعلن ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، أنّ الرئيس الروسي الذي كان الجمعة في منطقة الأورال "أبلِغ بوفاة نافالني".

وحذّرت سلطات موسكو الجمعة سكّان العاصمة الروسيّة من أيّ تظاهرات "غير مرخّصة" بعد إعلان وفاة نافالني.

وقالت النيابة العامّة في موسكو إنّ "تنظيم أيّ تجمّعات غير مرخّصة والدعوات إلى أحداث مماثلة أو المشاركة فيها تشكّل تجاوزا إداريا"، محذّرةً من "أيّ انتهاك للقانون".

ونُفّذت حملة اعتقالات في مدن عدّة في البلاد.

وأعلن التلفزيون الروسي الوفاة بشكل مقتضب، بُعيد بثّ قناة روسيا 24 جلسة أسئلة وأجوبة مع طلاب وعمّال شارك فيها بوتين خلال زيارة لمصنع.

وفي جلسات مختلفة في المحاكمات التي شارك فيها عبر الفيديو في الأشهر الأخيرة، بدا نافالني الأشقر والطويل القامة ذو العينين الزرقاوين الثاقبتين، هزيلًا وظهرت عليه علامات التقدّم في السنّ.

ونُظّمت تظاهرات عدّة شارك فيها روس يقيمون في الخارج، في وارسو وفيلنيوس وبرلين، تكريمًا لنافالني وتنديدًا بالسلطات الروسيّة.

في الولايات المتحدة، تجمّع مئات المتظاهرين أيضًا أمام السفارة الروسيّة في واشنطن، رافعين لافتات كُتب على بعضها "عار على بوتين". وعُرِضت كلمتا "بوتين" و"قاتل" على جدران السفارة.

في نيويورك، وضع أشخاص زهورًا أمام القنصليّة الروسيّة وعلّقوا صور المُعارض على بوّابات المبنى.

من جهتها، استدعت الحكومة البريطانيّة الدبلوماسيّين في السفارة الروسيّة مساء الجمعة لإعلامهم بأنّ السلطات الروسيّة "تتحمّل المسؤوليّة الكاملة" عن وفاة نافالني. 

عملية تسميم تعرض لها في 2020

قالت المحلّلة السياسيّة الروسيّة تاتيانا ستانوفايا إنّ التهديد الذي تعرّض له نافالني كان "واضحًا" منذ عودته إلى روسيا مطلع 2021، حيث تراجعت صحّته بسبب الإضراب عن الطعام والتسميم الذي تعرّض له ونجا منه بأعجوبة.

وأضافت لوكالة فرانس برس "السؤال الآن هو ما إذا كانت السلطات ستُبالغ في القمع. إذا تصرّفت بدافع الخوف وبدأت تنفّذ قمعًا عنيفًا، فإنّها ستقوّض استقرار النظام".

وفي فيلم مخصّص له صدر عام 2022، ترك نافالني "وصيّة" للروس في حال وفاته، قائلا "لا ترضخوا!".

وعانى نافالني مشاكل صحّية متتالية بسبب إضراب عن الطعام وعمليّة تسميم تعرّض لها في 2020.

وكما بايدن، اعتبر الاتحاد الأوروبي أنّ "النظام الروسي هو المسؤول الوحيد" عن وفاته، فيما دعت الأمم المتحدة إلى "إنهاء الاضطهاد" في روسيا وطلب أمينها العام إجراء تحقيق "موثوق".

واتّهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روسيا بإصدار أحكام بالإعدام "على أصحاب الفكر الحرّ".

ورأى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنّ من "الواضح" أنّ نافالني قُتل بأيدي نظام بوتين، مضيفًا أنّ ذلك يوضح لماذا يتعيّن دفع بوتين إلى "خسارة كلّ شيء ومحاسبته على أفعاله".

ودان المستشار الألماني أولاف شولتس وفاة نافالني، قائلًا إنّ المعارض الذي عاد إلى روسيا بعدما خضع لعلاج في برلين إثر محاولة تسميم قبل سنوات "دفع الآن حياته ثمنا لشجعاته".

واعتبر الكرملين الجمعة أنّ الاتّهامات الغربيّة لموسكو في شأن وفاة نافالني "غير مقبولة إطلاقًا"، مؤكّدا أنّه يجهل حتّى الآن سبب وفاته.

وقال دميتري بيسكوف، المتحدّث باسم الرئاسة الروسيّة، "ليست هناك أيّ معلومة عن سبب الوفاة، ورغم ذلك فإنّ تصريحات مماثلة تتوالى (...) نعتبر أنّ هذه التصريحات غير مقبولة إطلاقًا".

ودخول نافالني السجن لم يَقضِ على تصميمه الاستمرار في خطّ المعارضة. وخلال جلسات المحاكمة ورسائل بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة محاميه، واصل نافالني التنديد ببوتين، واصفًا إيّاه بأنّه "مسنّ مختبئ في ملجأ محصّن" لأنّ الرئيس الروسي نادرا ما يظهر للعلن.

وخلال محاكمة بتهمة "التطرّف"، اعتبر الغزو الروسي لأوكرانيا "الحرب الأكثر جنونيّة في القرن الحادي والعشرين".

وفي رسائله عبر الإنترنت، كان يسخر من العقوبات التي تفرضها عليه إدارة السجون.

وفي رسالة في الأوّل من شباط/فبراير بثّها فريقه عبر وسائل التواصل، دعا إلى تظاهرات  في كلّ أرجاء روسيا خلال الانتخابات الرئاسيّة المقرّرة من 15 آذار/مارس إلى 17 منه والتي من شأنها السماح لبوتين الاستمرار في السلطة.

ويبدو فوز الرئيس الروسي مضموناً مع زجّ المعارضين أمثال نافالني في السجن أو حملهم على مغادرة البلاد في السنوات الأخيرة والقمع الذي تنامى منذ بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي