فنان تركي يرسم على جدران الشوارع مشاكل بلده

ا ف ب - الأمة برس
2024-02-16

فنان الشارع التركي حكمتي طبيجي يعدّ ملصقات في منزله في أنقرة (تركيا) في 25 كانون الأول/ديسمبر 2023 (ا ف ب)

تثير أعمال الفنان حكمتي طبيجي الإعجاب والدهشة في تركيا، بجرأتها وتناولها مواضيع كثيرة، ومنها مثلاً واحد يمثّل شاهد قبر في حديقة للديموقراطية التركية، وملصق يدعو بسخرية إلى تناول البريوش في مواجهة ارتفاع الأسعار.

ففنان الشارع البالغ 34 عاماً والذي يريد فقط أن يشار إليه باسمه المستعار، أي "طبيب" باللغة التركية العثمانية، ابتكر في مدينته أنقرة نوعاً فريداً في تركيا. 

بدأ كل شيء قبل أربع سنوات عندما ترك الرجل مهنة الإعلان كي يتفرّغ للرسم.

ويختار حكمتي طبيجي الشوارع التي يعرفها منذ المرحلة التي كان فيها ناشطاً سياسياً، لعرض أعماله أو ملصقاته أو لوحاته أو تجهيزاته المتعددة الأوجه، ومنها "ساعة سياسية" تسخر من نظريات المؤامرة المنتشرة في اوساط السياسيين الأتراك. 

وأوضح الفنان إنه يريد من خلال أعماله التعامل مع "بعض المشاكل التي أصبحت شائعة جداً" في تركيا بروح الدعابة.

وهذا الخيار نادر في مرحلة "غالباً ما باتت فيها محظورة حتى التجمعات الأكثر ديموقراطية"، على ما قال. 

ولوحق قضائياً عدد من الموسيقيين والمخرجين السينمائيين والكُتّاب في السنوات الأخيرة بسبب اتخاذهم مواقف مناهضة لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

الشارع عالم صدمات

ولا يعتبر حكمتي طبيجي نفسه بطلاً مع أنه يدرك تماماً حدود حرية التعبير في تركيا. 

ورأى في هذا الصدد أن "الشارع عالم صدمات في تاريخ تركيا السياسي. فقد قُتل عمي، الذي لم أعرفه قط، لمجرد وضعه ملصقات سياسية في المرحلة التي سبقت انقلاب عام 1980".

وباستثناء فترة وجيزة من التحول الديموقراطي في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، غلبَ القمع والانقلابات ومحاولات الانقلاب على تاريخ تركيا الحديث، وكان آخرها في تموز/يوليو 2016، ما دفع السلطة إلى التشدد.

وقال الفنان "أنا أنفّذ طبعاً أعمالاً سياسية، ولديّ كذلك أعمال غير سياسية. معظمها تقوم فقط على روح الدعابة، كما الحال عندما أرسم مدرجاً لهبوط النحل في الحديقة. ولكن حتى بالنسبة لهذه الأعمال، أتلقى مئات الرسائل التي يسألني أصحابها ما إذا كنت لا أشعر بالخوف من توقيفي".

ولاحظ أن "هذا يُظهِر مدى الخوف والقمع. فحتى الحديث عن حق أساسي كضرورة تطبيق القوانين، أو احترام البيئة، أو رفض قتل النساء، أصبح سياسياً".

ورغم هذا المناخ، كان الفنان الذي غالباً ما يُقارن ببانكسي يرى دائماً أن ثمة مبالغة في هذا الخوف.

لكنّ زلزال 6 شباط/فبراير 2023 الذي دمّر جنوب شرق تركيا وأدى إلى مقتل أكثر من 53 ألف شخص، كان كفيلاً تغيير نظرته.

أضواء قصر أردوغان

بعد الكارثة، تعرّضت الحكومة التركية لسيل من الانتقادات بسبب بطء وتيرة جهود الإغاثة وصور الناجين الذين تُركوا لمصيرهم، غير قادرين على إنقاذ أحبائهم تحت الأنقاض.

يومها، رسم حكمتي طبيجي ملامح ثلاثة أطفال في وسط مدينة مدمرة غارقة في الظلام، ينظرون من بعيد إلى أضواء قصر الرئيس أردوغان الفخم.

وأثار الرسم الذي نشره على إنستغرام، حيث يبلغ عدد متابعيه نحو 300 ألف، عدداً كبيراً من ردود الفعل.

ولاحظ أن "هذا الرسم انتشر في كل أنحاء العالم. ونشرته الصحف في أوروبا والولايات المتحدة". وروى أنه تلقى "الكثير من رسائل الشكر"، لكنه تعرّض كذلك لهجوم عنيف عبر الإنترنت أشبه بـ"إعدام" معنوي. وأقرّ بأنه كان "قلقاً من التداعيات الممكنة".

ولم يواجه حكمتي طبيجي في نهاية المطاف اية مشاكل قانونية، لكنه صرف النظر عن مشروع رسم لوحة جدارية مماثلة في مقاطعة هاتاي، الأكثر تضرراً من الزلزال، خوفاً من الإضرار بشركائه المحليين.

لكنّه رسم مع ذلك على أنقاض الزلزال لوحات أخرى، من بينها واحدة تمثّل عيناً تذرف دمعة مصحوبة برسالة مفادها "لا مجال بعد اليوم للخطأ" في شكل تلاعب بالكلمات، إذا أن كلمة "للخطأ" توازي بالتركية كلمة "هاتايا".

وتأثر كثر من سكان المحافظة برسمه عن أضواء القصر الجمهوري، فأعربوا عن دعمهم له، على ما أفاد الفنان. 

ويعتزم حكمتي طبيجي العودة إلى هناك في نيسان/أبريل، برفقة فنانين من بلدان عدة هذه المرة.

وابتسم قائلا "سنرسم لوحة على جدار لا يزال قائما. ولن تكون سياسية. على الأقل ليس بشكل مباشر".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي