يُعد ضريح تاج محل إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة، شيّده الإمبراطور المغولي "المسلم شاه جيهان" تخليدًا لذكرى زوجته الحبيبة "ممتاز محل" في عام 1653. يجمع تصميم هذا البناء العظيم، والذي بُني على أُسس العمارة المغولية، بين الطراز الإسلامي والهندي والفارسي. بنظرة فاحصة ستلاحظ أنه مبنيٌ من رخامٍ أبيضٍ لامع يتغير حسب ضوء الشمس، وهو كذلك بالفعل. بُنيَّ في 20 سنة وصنفته منظمة اليونيسكو عام 1983 كأحد مواقع التراث العالميّ، وإلى يومنا هذا يعد أحد أشهر الرموز الأيقونية في تاريخ الهند وفقاً لموقع الرجل.
فرحةٌ لم تدم طويلاً
تبدأ جذور قصة هذا الضريح منذ عام 1607، وبالتحديد منذ اللحظة الأولى التي قابل فيها الإمبراطور شاه جيهان، وهو حفيد السلّطان جلال الدين أكبر، محبوبته التي سيهيم في غرامها "ممتاز محل"، والتي لقّبها هو -الإمبراطور- بنفسه بذلك الاسم إذ كان اسمها الأصلي "قندهاري بيجوم"، وكانت حفيدة الشاه إسماعيل الصفوي بالمناسبة.
كان حبًا من النظرة الأولى مثلما يقولون، ولكن الشاه لم يُسمَح له بتزوجها في ذلك الوقت. ولكن، في السابع والعشرين من مارس 1612، أي بعد مرور 5 سنوات على جمعهما، يتزوج المحبوبان أخيرًا ويحققان مرادهما.
ينحدر "شاه جيهان" من سلالة المغول التي حكمت معظم شمال الهند منذ أوائل القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر. بعد وفاة والده، السلطان نور الدين جهانكير عام 1627، انخرط شاه جيهان مع إخوته في صراعٍ على الحكم استطاع أن يخرج منه مُنتصرًا ليتوَّج إمبراطورًا في عام 1628.
في ذلك الوقت كان الشاه متزوّجًا من 3 نساء منهن قندهاري بيجوم، محبوبته، التي أسماها في ذلك الوقت بـ"ممتاز محل" مثلما ذكرنا، وذلك الاسم يعني المُختَارة إلى القصر. وفي عام 1631، أي بعد مرور 3 سنوات فقط من حكمه، تموت المحبوبة بعد أن أنجبت لزوجها فتاةً كان ترتيبها في تعداد أطفال شاه جيهان الرابع عشر!
ماتت "ممتاز محل" بين أحضان "شاه جيهان"، حيث كان في معركةٍ لردع حركة تمرد على بُعد 400 ميل، ولكنه تلقى خبرًا مفاده أن زوجته بحالة يُرثى لها، فهرع إليها، وبعد يومٍ واحد فقط وافق السابع عشر من يونيو، تُوفيّت الزوجة بين ذراعي زوجها. وعلى الرغم من دفنها المباشر وفقًا للتقاليد الإسلامية في مدينة برهان بور، إلى أن جسدها لم يبقَ هناك لفترة طويلة، إذ نُقِل إلى أغرا، معقل الضريح العظيم الذي سيُبنى مستقبلاً.
20 عامًا من البناء
بعد بضعة أشهر من وفاتها، وتحديدًا في ديسمبر من عام 1631، يأمر الشاه باستخراج جُثّة زوجته ونقلها إلى مدينة أغرا التي تبعد 700 كيلومترًا عن مدفنها. وبالفعل، تم استخراج الجثمان في يناير ويتم تشييعه وسط موكب عملاق قوامه آلاف الجنود المُصطفين على طول الطرق. تم دفن ما تبقى من الزوجة مؤقتًا على أرضٍ كان قد تبرع بها أحد القادة، وهذه الأرض قريبة جدًا من المكان الذي سيشهد بناء تاج محل.
حوّل "شاه جيهان" مشاعر الحزن على وفاة زوجته إلى رغبة صارمة بتشييد بناءٍ لم يسبقه إليه أحد. يُعتَقد أن الإمبراطور كان شغوفًا بالهندسة المعمارية، ويُقال إنه عمل بمساعدة عددٍ من أفضل المهندسين المعماريين في ذلك الوقت على المخططات مباشرةً. أراد الشاه أن يبنيَّ جنةً على الأرض، ورُغم وجود بعض الأقاويل التي تُفيد بأنه كان بخيلاً، إلّا أنه أنفق كل ما يمكن إنفاقه ليخلّد ذكرى محبوبته.
في عام 1632، بدأ العمل -والذي سيستمر قرابة عقدين تقريبًا- على بناء أحد أفخم الصروح في التاريخ. يُعتَقد أن المهندس الرئيس الذي تولّى عملية الإشراف على البناء، كان أستاذ أحمد اللاهوري -كلمة أستاذ هي جزءٌ من الاسم وليست لقبًا-، وهو هنديٌّ من أصول فارسية نُسب إليه أيضًا تصميم قصر القلعة الحمراء في دلهي. وعلى مدار السنوات الطويلة لعملية البناء، عَمِلَ أكثر من 20 ألف عاملٍ استُدعوا من الهند وبلاد فارس وأوروبا والإمبراطورية العثمانية لبناء الضريح.
التصميم الخلّاب لتاج محل
بُني الضريح الأيقوني من رُخامٍ أبيض مُطعَّم بأحجار اللازورد والكريستال والفيروز والجَمشت وغيرهم، وذلك من أجل تنفيذ عمليةٍ معماريةٍ معقدة تُسمَّى بالـ pietra dura، وهو مصطلحٌ إيطالي يعني الحجر الجامد أو الصلب Hard stone. يصل ارتفاع قبة البناء الرئيسة إلى نحو 240 قدمًا أو 70 مترًا، كما تُحِيط بها 4 مآذن و4 قباب أخرى صغيرة.
أما عن داخل الضريح، فتُوجَد غرفة رخامية مُزخرفة بأثمن الأحجار، وتضم النصب التذكاري للمحبوبة التي شُيِّد من أجلها هذا البناء العملاق، وفي حالة ما إذا كنت تتساءل عن الجثمان نفسه، فموجودٌ بأسفل الحديقة التي تحمل "تاج محل" فوقها. وبمناسبة الحديقة، فإذا ألقيت نظرة على محيط البناء، ستجد بوابة رئيسة من الحجر الرملي الأحمر، وبِرَك مياه من الماء، إضافة إلى مسجد وعددٍ كبير من البوابات.
ضريحٌ آخر!
حسب القصة فإن "شاه جيهان" كان ينوي بناء ضريحٍ ثانٍ يكون موازيًا لضريح زوجته الحبيبة حتى يُدفَن عندما يموت، ولكن ما حدث كان مأساويًا بحق؛ إذ استغل الولد الثالث -أورنكزيب- للشاه مرض أبيه في عام 1658 وخلعه عن الحكم ليتولى السلطة مكانه. عاش "شاه جيهان" سنواته الأخيرة تحت الإقامة الجبرية في أحد أبراج قصر القلعة الحمراء في مدينة أغرى، وكان دائمًا ما يطل على مثوى زوجته المهيب الذي بناه بنفسه إلى أن تُوفي عام 1666 ودُفِنَ بجانبها.
تحت حُكِم الابن المتمرد "أورنكزيب" وصلت الإمبراطورية المغولية إلى أوج قوتها، ولكن "تاج محل" قد تم إهماله وتدهور بشكل كبير خلال القرنين اللاحقين، ولكن مع مطلع القرن التاسع عشر، وخلال الاحتلال البريطاني للهند، أمر اللورد جورج كرزون، والذي كان نائب الملك البريطاني في الهند آنذاك، بترميم الضريح كنوعٍ من إبراز حُسن نية جهود الاستعمار في الحفاظ على التراث الفني والثقافي للهند.
يُذكَر أن 3 ملايين شخصًا يرتادون تاج محل سنويًا، أي بمعدل 45 ألف شخصٍ تقريبًا في اليوم الواحد فقط، وهذا رقمٌ مهول يدل على عظمة وهيبة الضريح الأشهر في تاريخ الهند.