"كوفية" و"تحيا فلسطين"... أغنية تجوب العالم

الأمة برس
2024-01-02

(ا ف ب)

بعد خمسين عاماً على إطلاقها، باتت أغنية "تحيا فلسطين"، لفرقة كوفية السويدية لمؤسسها الفلسطيني السويدي جورج توتري، رائجة بشكل غير مسبوق، بالتزامن مع حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. هكذا باتت الأغنية رمزاً تضامنياً في غالبية المسيرات والتظاهرات المناوئة للعدوان الإسرائيلي على غزة والمؤيدة للقضية الفلسطينية وفقاً لموقع العربي الجديد.

لأغنية "تحيا فلسطين"، وغيرها من أغنيات "كوفيّة"، كما للفرقة نفسها، حكايات عدّة، يسرد بعضها مؤسسها ومؤلف الأغنية وملحنها الفنان الفلسطيني جورج توتري، في حديث إلى "العربي الجديد"، قائلاً: "لا أعرف كيف تحوّلت إلى الأغنية التي ترافق مسيرات التضامن مع فلسطين في كل العالم هذه الأيام، لكن أعتقد أن كلماتها، وما تحمله من معانٍ، إضافة إلى الصدق في أدائها بصوت المغنية السويدية كارينا أولسن، ولحنها المحبّب، عوامل تقف وراء ذلك". يضيف: "أحد أصدقائي أخبرني قبل عشر سنوات بأنه يكفيني أن تكون هذه الأغنية في رصيدي، وأنه لو كانت هي ما أنجزته فقط فهذا يكفي". يشير توتري إلى أن الأغنية جاءت لتلخص حكاية فلسطين ونضالاتها، وتعبّر عن المقاومة.

تأخر تسجيل "تحيا فلسطين" لتصدر في ألبوم الفرقة الأول عام 1976. نُشرت على "يوتيوب" كما بقية أغنيات الألبوم قبل قرابة خمسة عشر عاماً، ولكن كما أشار كثيرون، فإنها "أغنية تقتحم دواخلهم".

كانت كارين أولسن قد أشارت في فيلم وثائقي حول الفرقة، أنتج في عام 2019، إلى أنها كانت ترافق صديقاً لها من مؤسسي "كوفية" في حفل لهم بالدنمارك، فتحمّست، وقفزت إلى المسرح، وبدأت تشاركهم الغناء بالسويدية، ما معناه: "سنتابع النضال، وسنرجع إلى أراضينا"، لافتة إلى أن أغنية "تحيا فلسطين" (Leve Palestina)، خرجت في أسطوانة الفرقة المعنونة بـ"أرض بلدي" عام 1976، مؤكدة أنها كانت دارجة كأغنية المظاهرات في السويد.

وتوتري من مواليد الناصرة عام 1948، وغادرها عام 1967، حين كان الحكم العسكري الإسرائيلي على أشده في مواجهة أصحاب البلاد الأصليين من الفلسطينيين. وهناك كانت بذرة تكوينه الموسيقي، حيث كان يغني في حفلات الأعراس الشعبية طفلاً ويافعاً، بطقوسها التراثية الفلسطينية، وبينها "السحجة" خاصة في "عيد العذراء". ولم تكن تقتصر على المسيحيين فقط، بل غالبية فلسطينيي الناصرة، ما شكّل نوعاً من النضال في مواجهة الحكم العسكري الإسرائيلي، وعنواناً للهوية الفلسطينية العربية. كما شارك في عروض غنائية ومسرحية مدرسية عدّة، كما في الجوقات الكنسية، في وقت كان فيه التنقل من منطقة لأخرى في الداخل المحتل عام 1948 يحتاج إلى تصريح.

يقول توتري إن السويد لم تكن وجهته حين قرّر مغادرة البلاد، بل كان ينوي الاستقرار في كندا، لكنّه في الطريق توقف عند صديق له مهندس عسكري سويدي، كان يعمل في الناصرة، وتشكّلت بينهما صداقة وطيدة ما قبل احتلال الضفة والقدس في 1967، وقرّر البقاء فيها بتشجيع من صديقه، ولم تكن نسبة العرب كبيرة هناك.

في السويد، أسّس توتري فرقة "كوفية" الموسيقية عام 1972، رغم أن صديقه الذي استقبله وشجعه على الاستقرار في بلاده كان يمينياً، ومسؤولاً عن نادٍ محافظ من التيار اليميني في جامعته، وكانوا يؤيدون إسرائيل، كما كان اليسار، باعتبار أن فلسطين كانت صحراء ولا وجود لشعب فيها. هذا الاعتقاد كان سائداً حتى في الأغنيات لدى السويديّين، ولم "نقم نحن بدورنا في التصدي لهذه الصورة السلبية عنّا". وكان تشكيل الفرقة لتحقيق هذا الهدف، باعتبار أن السياسة ذات تأثير زائل عكس الثقافة.

هكذا بدأ يكتب أغنيات حول فلسطين وقضيتها ونضالات شعبها وربطها بالنضالات الأممية ضد الاستعمار باللغة السويدية، وهو ما قوبل باستهجان فلسطيني وعربي أحياناً، لارتباط الأغنية الفلسطينية في أذهان الجمهور بصورة نمطية ذات بعد تراثي، "بينما كنتُ أكتب للسويديّين لتعريفهم بفلسطين وعدالة قضيتها"، كما أنني "لم أغنّ لأجعل السويديّين يرقصون، أو لأجني الأموال"، يضح توتري.

وتشكلت الفرقة من مجموعة أصدقاء سويديّين وفلسطينيّين ومن جنسيات مختلفة، من أبرزهم الفلسطيني المقدسي ميشيل قريطم، والعديد من السويديّين، بينهم: ممّي، وفينليه سيدين، وماتس لوندالف، وبنجت كارلسون، وكارينا أولسن التي قدمت بصوتها أغنية "تحيا فلسطين". كانت البدايات تتكئ على ألحان أغنية شهيرة بالعربية مع كلمات خاصة بالفرقة، مثل ألحان أغنيات "بلدي يا بلدي"، و"مدفعية ودبابات"، وغيرهما، في حين كانت أولى أغنيات الفرقة تحمل عنوان "ابنة فلسطين".

وبدأت الفرقة تتكسب شهرة مع تنامي اليسار في السويد، ومعه تنامى الحراك لدعم القضية الفلسطينية. هكذا أنتجت "كوفية" أربع أسطوانات، أولاها في عام 1967 والأخيرة عام 1988، رغم تضييقات السلطات السويدية الرسمية على مناصري القضية الفلسطينية.

قبل أيام قليلة، خرج توتري، ابن الخامسة والسبعين، بغناء منفرد عبر صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، من دون عزف مرافق، إذ لم يعد بمقدوره العزف بعدما تعرض لكسر في إصبعه، لعلّه يجد من يدعم فنّه ويحافظ على "كوفية" صاحبة الأغنية ذائعة الصيت هذه الأيام "تحيا فلسطين".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي