منعطف الرشيد: حكاية شخصيات متناقضة يجمعها قاع مدينة واحدة

2023-11-04

حوار: رامي فارس الهركي

تأتي رواية العراقي رياض المولى «منعطف الرشيد» كعمل أدبي يأخذ على عاتقه حكاية أشخاص وضعتهم الظروف القاهرة ليكونوا في قاع مدينة يحيطهم البؤس والتناقضات. اختار الروائي المولى شخصيات ممكن أن نصادفها في السوق أو الشارع أو في إي زاوية من الزوايا المظلمة لمدينة بغداد، بينهم المحتال والشحاذ وصاحب الفندق والأستاذ لا يجمعهم رابط سوى المكان الذي اختاروا العيش فيه. وقد اختار الراوي شارع الرشيد وبعض المناطق القريبة منه ليعبر عن فكرة هذا القاع المليء بالبؤس والحرمان والرطوبة وجميع أشكال البشر. لم يهمل العمل الإطار الزمني فقد حرص الكاتب على السير بخط متواز يجمع ما بين سياق الأحداث والفترات الزمنية وأهم الأحداث التاريخية التي مرت على العراق الحديث. حول رواية «منعطف الرشيد» وبعض الهموم الثقافية في العراق كان لنا هذا الحوار مع الروائي العراقي رياض المولى..

ما هو تفسيرك أمام هذا الكم الهائل من الأعمال الروائية العراقية في الوقت الحالي؟

أحد أهم الأسباب هو الانفتاح الثقافي الذي شهدته الساحة العراقية بعد عام 2003، على المستوى المحلي والعربي والدولي، من خلال معارض الكتب والمهرجانات الثقافية، فضلا عن مساهمة الروائيين العراقيين في المسابقات التي تقيمها بعض الدول العربية، من قبيل جائزة البوكر العربية وكتارا وغيرها، وقد حصد البعض من الروائيين العراقيين عددا من تلك الجوائز المهمة، وكذلك تعدد دور النشر المعنية بالمطبوع من الكتب المتنوعة، لاسيما الرواية، فضلا عن تحسن الوضع الاقتصادي الذي شجع الكاتب على طباعة منجزه الإبداعي على حسابه الخاص، وكذلك غياب الرقيب السلطوي الذي كان مهيمنا على المطبوعات التي لم تكن تصدر إلا بموافقات أمنية بعد إجراء الفحص والتقييم، لكن الان فقد أصبح الموضوع مختلفا.

هل تأثرت الرواية العراقية كغيرها في الأحداث الجارية على صعيد العراق والعالم؟

الراوية جنس أدبي مهم، ومن سماتها هي الحيوية والتجدد ومواكبة الحدث، ففي كل حقبة تخرج لنا روايات عديدة تحاكي تلك الحقبة، فهي تعكس ما يجري على الساحة بأسلوب أدبي ممتع، حيث إن لها القدرة على توظيف الحدث روائيا. فحينما تنشب حرب في بلد ما، يظهر لنا أدب الحروب، وفي ظل الديكتاتوريات ذات الحكم الشمولي ترتفع حالات القمع والتعسف والتهجير، فيظهر لنا أدب السجون … وهكذا، ففي كل حدث محلي أو عالمي، يبرز كُتّاب الرواية لينتجوا لنا نصوصا تحاكي ذلك الواقع.

كيف تجد النقد الأدبي في العراق وهل يتناسب مع كم الأعمال السردية الحالية؟

النقد عملية مهمة جدا في التقويم الإبداعي والمعرفي والثقافي، وأدب بلا نقد أشبه ما يكون بالفوضى، فكل شيء يحكمه ضابط وضابط الأدب هو النقد، بل هو المشذب لعملية الإنتاج الأدبي، ومن خلاله يرتقي الوعي وتنهض الثقافة ويعلو سقف الإبداع على مستوى الرواية والقصة والشعر وغيرها من فنون الأدب، لكن للأسف لم نعد نرى نقدا حقيقيا على أرض واقع الثقافة إلا ما ندر، وهو ما لا يتناسب مطلقا مع تضخم الإنتاج الادبي بغثه وسمينه، بل أصبح يميل نحو المحاباة والهرولة خلف الأسماء اللامعة ذات الصيت الذائع، أو العلاقات الشخصية أو من يدفع أكثر، لكن رغم كل ذلك يوجد بعض النقاد ممن يمارسون تلك العملية بموضوعية وحرفية عالية وهم قلة للأسف، لكنني شخصيا أرى فيهم بصيص أمل أو اعتبرهم أحجار زاوية تسند هيكل الأدب وتمنعه من السقوط كليا.

في رواية «منعطف الرشيد» كيف حافظت على حركة السرد والحوار بين الشخصيات؟

الروائي الناجح هو من يهيمن على مجريات أحداث روايته، ويحرك الشخوص بطريقة فنية متناغمة من حركة الحدث، في روايتي «منعطف الرشيد» تعمدت أن تسير الأحداث والشخوص في خطوط متوازية متوازنة، وقد خلت الرواية من البطل الأوحد، بل كان هناك أكثر من بطل لهم الأهمية والتأثير نفسها. والحفاظ على سير الأحداث وحوارات الأبطال يحتاج إلى رؤية واضحة لثيمة العمل، وتحضير مكثف للخطوة المقبلة على مستوى الحدث أو الشخصية، وهذا يعني رسم خريطة بالشخوص وما يحيطها من أحداث وتحريكها وفقا للخطة العامة التي يرسمها الروائي تجاه روايته قبل الشروع بها.

لماذا قاع المدينة بالذات في رواية «منعطف الرشيد» هل هو انعكاس حي للواقع العراقي؟

لا يخلو أي مجتمع من قاع، وهو الوجه الآخر للمدينة، الوجه المخفي الذي تدور فيه الأحداث وتبرز من خلاله شخصيات معينة، والهامشية هي الصفة السائدة في ذلك المجتمع السفلي، طبقة مسحوقة متدنية تضم متناقضات عديدة، في روايتي «منعطف الرشيد» اخترت شارع الرشيد وما يجاوره من مناطق موبوءة كمنطقة الميدان وغيرها، بعد دراسة مستفيضة لذلك الشارع من خلال المعاينة والملاحظة ولقاء الشخصيات الهامشية التي تئن تحت ثقل الفقر والألم والمعاناة والحرمان، فضلا عن وجود شخصيات مجرمة احترفت السرقة والنصب والاحتيال. فمثل تلك البيئات تعتبر مادة دسمة للكاتب الروائي، فالتباين الواضح والحاد على مستوى الشخوص وعمق التجارب والأحداث التي تجري هناك، تدفع بالروائي الى توظيفها روائيا ليخلق منها نصا إبداعيا يوازي العالم الواقعي.

هل في رأيك فضاء الرواية قادر على استيعاب مجريات التاريخ بالمجمل؟

التاريخ يعتبر مادة دسمة لما يحمل من أحداث جسام وعلى مدى عقود طويلة، فأصبح فضاء الرواية الرحب هو الأولى والأجدر في استيعاب مجرياته وتوظيفها روائيا، من أجل صناعة تاريخ جديد بنكهة أدبية محببة ومفهومة ومستساغة، حتى إن هناك بعض الظواهر الاجتماعية والأحداث السياسية، تم توظيفها وجعلها ثيمات أساسية في الرواية، وأدب الحرب والسجون أيضا أخذ حصصا كبيرة من السرد الروائي.

أعمال روائية عربية أو عالمية تركت بصمتها في نفس رياض المولى؟

لكل روائي خزين معرفي متراكم، ينهل منه حينما يشرع بكتابة روايته، ولكل روائي أيضا بصمة أو أسلوب يختلف عن غيره، هذا الأسلوب ربما اكتسبه لا شعوريا من كاتب آخر، قرأ نتاجه وتأثر به، وهذا التأثر قد خلق له أسلوبا عُرف به خلال الوسط الثقافي، فضلا عن التأثر بالمدارس والتيارات الأدبية كالواقعية والرومانسية والفانتازية وتيار الوعي، إلخ. فهذه أيضا تضيف إلى أسلوب الروائي بعدا آخر. ومن الأعمال الخالدة التي تأثرت بها هي رواية «الأم» لمكسيم غوركي، ورواية «الأشجار واغتيال مرزوق» للكاتب عبد الرحمن منيف، ورواية «أولاد حارتنا» و»الحرافيش» للكاتب النوبلي نجيب محفوظ، فضلا عن جميع روايات علاء الأسواني، أما محليا فقد تأثرت بروايات الكاتب العراقي المغترب صلاح صلاح.

كيف استطعت الجمع بين الشخصيات المتناقضة في ما بينها كالحاج حافظ والصبي وديع واستاذ رافع والفلاح سلمان وجميل عرجة، إضافة إلى الشخصيات الثانوية؟

المجتمع بصورة عامة خليط بشري غير متجانس، وتبرز هنا السمات الشخصية لكل فرد، مزاجه وميوله وغرائزه وثقافته، مدى تأثره بالمحيط الذي حوله… كل هذه العوامل تخلق تمايزا واضحا بين الأفراد، هنا تأتي مهمة الروائي في خلق تاريخ وسيرة لكل شخصية، من خلال الفلاش باك، مسلطا الضوء على بقعة من تاريخه الماضي والظروف التي مرّ بها لأنها مهمة في تكوين شخصيته المستقبلية، ولهذا رسمت في رواية «منعطف الرشيد» تاريخا لأغلب الشخصيات والظروف الاجتماعية والسياسية التي مرت بها، وباختلاف الظروف الماضية ينتج عنها شخصيات مختلفة ومتباينة.

تعليقك حول المشهد الثقافي الحالي في العراق؟

ثقافة ما بعد التغيير، أي تغيير النظام بعد 2003، أخذت لونا وطابعا آخر يختلف عما كان قبل التغيير، وكان للحرية دور كبير في الارتقاء بمستوى الثقافة في العراق، بعدما كانت محّجمة بسبب قيود النظام الشمولي، حيث أصبحت أدوات المعرفة متاحة بشكل ميسر، فضلا عن انتشار الكتاب دون مراقبة أو قيود مع الانتعاش الاقتصادي، الذي يعد هو الآخر عاملا فاعلا في دعم الثقافة، من خلال زيادة المطبوعات، حتى أصبح سوق الكتب رائجا جدا والإقبال على الكتاب بات مُلحا مع ظهور طاقات إبداعية واعدة ساهمت في رفد السوق بنتاجات أدبية وثقافية رصينة، وعموما الانفتاح الثقافي الذي شهده الشارع العراقي بعد تغيير النظام كان واضحا وهو ينحو منحىً تصاعديا.

كيف ترى اختيار الأعمال الأدبية العراقية والعربية في المسابقات الأدبية؟

المسابقات الأدبية تشرف عليها لجان متخصصة تضم نُقّادا وأدباء، هذه اللجان تغربل النتاج الأدبي من خلال الفحص الدقيق، وهي تأخذ بنظر الاعتبار الثيمة الرئيسة للعمل الروائي لاسيما التي تتناول قضايا إنسانية كبرى، مع قوة الأسلوب وجزالة اللغة ووضوح البلاغة، هذا في الظروف الطبيعية لعمل أي لجنة، لكن في واقعنا العربي ربما تختلف الأمور نوعا ما، فالعامل السياسي قد يلعب دورا في تحييد النتائج، أو النظر إلى التاريخ الإبداعي للروائي، ومدى تأثيره في مجتمعه، وقوة سطوع لمعانه إعلاميا، أو تبني الروائي بعض القضايا السياسية التي قد تشفع له عند اللجان، كل هذه الأمور واردة في تقييم الأعمال الإبداعية، فالجوائز الأدبية تكون في بعض الأحيان غير موضوعية وتكتسب صفة المطاطية، حتى على مستوى جائزة نوبل، لأن النتاج الأدبي يخضع لمزاج الفاحص ومدى تقبله لذلك العمل، وقد ينسجم أولا ينسجم مع توجهاته الأيديولوجية والثقافية. ولهذا قد يأتي اختيار الأعمال الأدبية موفقا وقد يأتي مخيبا للآمال.

صدر للروائي رياض المولى روايات «منعطف الرشيد» عن دار ومكتبة عدنان و»الدكتور عوني» عن دار سطور و»جذور القصب» عن دار قناديل.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي