إسرائيل تواصل تحدي الجميع.. لماذا "غيّر" بايدن "لهجته" بعد المذابح في غزة؟  

متابعات الامة برس:
2023-11-01

 

الرئيس الأمريكي جو بايدن (ا ف ب)واشنطن: أعلن جو بايدن دعمه المطلق لإسرائيل، وتولى الترويج لروايتها المضللة بشأن الحرب في غزة، فلماذا تغيرت "اللهجة" تدريجياً مع مرور الوقت؟

ووصل تبني الرئيس الأمريكي الرواية الإسرائيلية بحذافيرها إلى حد التشكيك في أعداد شهداء القصف الهمجي لقطاع غزة، رغم ارتقاء أرواح أكثر من 4 آلاف طفل فلسطيني، ما يمثل نحو 40% من أعداد الشهداء منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وكانت إسرائيل قد أعلنت، منذ عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أن القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة هو الهدف الرئيسي، وحشدت جيشها لاجتياح القطاع برياً من أجل تنفيذ هذا الهدف.

و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على عمليتها العسكرية الشاملة ضد جيش الاحتلال الذي يفرض حصاراً خانقاً على القطاع منذ 17 عاماً. ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين في ذلك اليوم، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، بعد أن اخترقت الجدار الحديدي وسحقت فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هو هجوم عسكري.

بايدن يدعم إسرائيل و"يحذّرها"

تناول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية كواليس موقف إدارة بايدن من العدوان الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكابه بحق الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية أيضاً، راصداً كيف تحدث "تحولات" في لهجة الخطاب المعلن من جانب واشنطن.

فبعد 3 أيام من "طوفان الأقصى"، قدّم بايدن دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أعقاب تعهُّد الأخير "بالانتقام لهذا اليوم الأسود"، وتحويل مخابئ حماس "إلى أطلال" من السماء وعلى الأرض.

لكن رسائل دعم الرئيس الأمريكي بدأت تتغير بشكلٍ كبير على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية. ولا يزال الدعم الواضح لإسرائيل مستمراً بالطبع، لكن بايدن وكبار مسؤوليه الدبلوماسيين والعسكريين صاروا أكثر انتقاداً للعدوان الإسرائيلي المنفلت على قطاع غزة وما يتسبب فيه من كارثة إنسانية مُتكشّفة.

فقد بدأ الرئيس وكبار مساعديه في الإعلان عن تمسُّكهم بالأمل في أن الحرب قد تُفسح الطريق في النهاية لاستئناف المحادثات، التي ترمي لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. كما يأملون أن تمنحهم بعض النفوذ للعودة إلى المفاوضات حول حل الدولتين، الذي يضمن وجود إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب. لكن نتنياهو يُقاوم تلك الخطوة منذ وقتٍ طويل.

إذ قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي يوم الإثنين 30 أكتوبر/تشرين الأول: "قد يبدو الأمر كنوع من الأوهام الآن، لكننا لا نزال مؤمنين بأن هذا هو الأمر الصائب للمنطقة، وللعالم، وللشعب الفلسطيني بكل تأكيد".

لكن على المدى القصير، أصبح المسؤولون الأمريكيون أكثر حدة في تذكيرهم للإسرائيليين بضرورة "تخطيط العمليات بطريقة تتجنب وقوع إصابات غير عسكرية"، حتى وإن كانت المزاعم بأن أفراد المقاومة قد يكونون مختلطين بالمدنيين، وهي المزاعم التي ترددها إسرائيل لتبرير استهداف المباني والمستشفيات، وهي جرائم حرب بطبيعة الحال.

في الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الأمم المتحدة إنه "يجب وضع الهدنة الإنسانية في الاعتبار"، وهي الخطوة التي رفضتها إسرائيل، فتراجعت عنها واشنطن، وعاد بلينكن نفسه ليقول إن "الهدنة غير واردة".

وبعد يومٍ من ترديد قادة الاحتلال الإسرائيلي المزاعم بأن حماس تستخدم مستشفى الشفاء في غزة كمركز قيادة، خرج مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيك سوليفان ليتحدث بصراحة أكبر يوم الأحد، 29 أكتوبر/تشرين الأول، حيث أشار سوليفان إلى أن المستشفيات ليست أهدافاً عسكرية شرعية، وذلك بالتزامن مع تحذير إسرائيل من ضرورة إخلاء مستشفى كبير آخر في غزة قبل جولة القصف التالية.

لماذا تتغير "لهجة" أمريكا؟

يقول مسؤولو الإدارة إن "تغيير اللهجة والمضمون" جاء نتيجةً للأزمة الإنسانية في غزة، بعد أن تخطت أعداد الشهداء أكثر من 8500 من المدنيين، وهو ما أثار موجة غضب داخل الولايات المتحدة وحول العالم. ويأتي هذا التغيير على خلفية الإدانات العالمية لتصرفات إسرائيل وانفجار الاحتجاجات المثيرة للانقسام داخل الولايات المتحدة نفسها.

حيث قال تيموثي نافتالي، المؤرخ وباحث معهد Institute of Global Politics في جامعة كولومبيا، إن بايدن "يعي جيداً حجم الاستقطاب الآن في بلادنا وفي جميع أنحاء العالم. وأعتقد أنه يحاول السير على خيطٍ رفيع اليوم، لكنه أمر صعب المنال وسط عالم مستقطب؛ لأنه يتبع نهجاً شديد المنطقية في لحظةٍ تثير العواطف الجياشة بشدة".

ولطالما كان بايدن من أشد المدافعين عن إسرائيل، ونال الثناء في الأيام الأولى بعد هجوم المقاومة بفضل دعمه غير المشروط لإسرائيل. حيث وصف الهجوم باعتباره "من أعمال الشر المطلق"، وتعهّد بضمان "حصول الإسرائيليين على ما يحتاجونه للرد" على ما وصفه بأنه أسوأ هجوم يتعرض له اليهود منذ الهولوكوست. كما طلب بايدن من الكونغرس تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 14.5 مليار دولار.

وفي هذا السياق، خرج بايدن على الجميع بما يوصف بأنه أكثر تصريحاته وتبريراته "غرابة وغير منطقية"، حين شبه المقاومة الفلسطينية التي تسعى للتحرر الوطني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شن هجوماً على أوكرانيا، يصفه بايدن نفسه بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، فكيف يتشابه المحتل "الفلسطينيون" مع الغزاة "روسيا"؟! لا أحد يعرف الإجابة بطبيعة الحال لأنها غير موجودة من الأساس، لكن هذا ما يراه الرئيس الذي يصف نفسه ويصفه آخرون بأنه "زعيم العالم الحر".

على أية حال، مع استمرار حملة القصف الهمجية على قطاع غزة تمهيداً للغزو البري، الذي بدأ بالفعل خلال عطلة نهاية الأسبوع؛ يبدو أن بايدن وإدارته قد بدأوا يستشعرون خطورة الموقف، فاستقر الرئيس على نمط يُوجه من خلاله الرسائل الناقدة للإسرائيليين بشكلٍ متزايد. وبدأت تلك الرسائل في السر أولاً، ثم أصبحت علنية، كما تقول نيويورك تايمز.

وأرسلت الولايات المتحدة قائمة متواصلة من كبار مسؤوليها للجلوس مع نتنياهو، وحرص جميعهم على عدم إخبار الإسرائيليين بما يجب عليهم فعله، لكنهم طرحوا مجموعة من الأسئلة التي تنقل مخاوف الإدارة. وشملت تلك الأسئلة: كيف ستتعاملون مع أنفاق غزة؟ من سيدير غزة في حال نجاحكم؟ هل فكرتم في كيفية انقلاب الرأي العام إذا تزايدت أعداد الضحايا المدنيين؟ هل فكرتم في احتمالية أن تؤدي الأزمة في غزة إلى جذب حزب الله أو ميليشيات أخرى للصراع؟

في 15 أكتوبر/تشرين الأول، بعد 8 أيام من عملية "طوفان الأقصى"، أجرى بلينكن مكالمة صريحة مع بايدن بعد اختتام جولته بالمنطقة في القاهرة. حيث حصلت الإدارة الأمريكية على أول لمحة واضحة عن حجم الاعتراض المتزايد في العالم العربي بعد تلك الجولة، التي زار فيها بلينكن 6 دول عربية إلى جانب إسرائيل.

لم تُصدر أي دولة عربية، باستثناء الإمارات، بيانات دعم لإسرائيل إثر عملية "طوفان الأقصى". لكن مسؤولي الإدارة ظنوا أول الأمر أنهم سيتمكنون من الحصول على دعمٍ أكبر لدولة الاحتلال من تلك الحكومات، وكذلك من حكومات دول أخرى على مستوى العالم.

وقد أطلع بلينكن رئيسه بايدن على المستجدات يومياً خلال جولته، ونقل إليه المخاوف العميقة التي كان يستمع إليها هناك. بينما طلب بايدن من بلينكن خلال مكالمة الـ15 أكتوبر/تشرين الأول أن يعود إلى إسرائيل ويحاول إقناع قادتها أن يسمحوا بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم أن قادة إسرائيل كانوا يستعدون لبدء غزوهم البري، كما هو واضح بحسب المسؤولين.

وبات واضحاً أمام المسؤولين الأمريكيين أن قادة إسرائيل لا يعيرون بالاً للضحايا المدنيين، معتبرين أن ذلك ثمناً مقبولاً لعدوانهم على غزة الهادف إلى التخلص من فصائل المقاومة، وبخاصة حماس. وخلال المحادثات الخاصة مع الأمريكيين، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى لجوء الولايات المتحدة والحلفاء للقصف المدمر في ألمانيا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية -بما في ذلك إسقاط قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي-، وذلك من أجل هزيمة تلك الدول في الحرب، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية.

وهنا بدأت لغة بايدن العلنية تتغير!

فخلال فعاليةٍ في فيلادلفيا يوم الـ14 من أكتوبر/تشرين الأول، أكّد بايدن على أن "الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليس لهم علاقة بحماس وبهجومها المروع، وهم يعانون نتيجة ذلك الهجوم أيضاً".

وبعدها بأربعة أيام، ضغط بايدن خلال زيارته القصيرة لإسرائيل على نتنياهو وحكومة الحرب، وذلك من أجل التوقف عن قصف معبر رفح بين غزة ومصر حتى تتمكن المساعدات من التدفق. وأعلن بايدن في النهاية عن السماح بدخول 20 شاحنة لا تمثل سوى جزء ضئيل للغاية من الاحتياجات الفعلية.

لكن التحفظات في صفوف الحكومة الأمريكية حيال الغزو البري للقطاع زادت أكثر بعد رحلة بايدن. وأوضح مسؤولون أمريكيون أن القادة الإسرائيليين ليست لديهم خطة لإنهاء الغزو على ما يبدو. وأردفوا أن نتنياهو وحكومة حربه ليست لديهم خطط لما سيفعلونه في غزة بمجرد دخول القوات الإسرائيلية، وبعد بدء احتلال بعض أراضي القطاع أو كلها -بصورةٍ مؤقتة على الأقل، في حال نجاحهم في ذلك بطبيعة الحال.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، أوصى وزير الدفاع لويد أوستن المسؤولين الإسرائيليين بتأجيل الغزو البري. وقد جادل بأن الأمريكيين والإسرائيليين بحاجةٍ إلى وقتٍ أطول من أجل مفاوضات الرهائن، وإدخال مساعدات إنسانية أكبر إلى غزة، وتخطيط الحرب بشكل أفضل، وتقوية الدفاعات المحيطة بالقوات الأمريكية في المنطقة، خصوصا وأن القوات الأمريكية في المنطقة تتعرض لهجمات متزايدة من الميليشيات المدعومة بواسطة إيران في العراق وسوريا.

ويُمكن القول هنا إن الأمريكيين كانوا يدفعون باباً مفتوحاً بالفعل، حيث رصدوا مؤشرات على تردد نتنياهو في المضي قدماً في غزوه البري.

كما أدرك المسؤولون الأمريكيون أنه من المستحيل عملياً كسب دعمٍ دبلوماسي أكبر لإسرائيل. وفي الواقع، يتجه دعم دول العالم نحو فلسطين مع زيادة أعداد الضحايا، وخاصةً في الدول النامية. وأصبح حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا أيضاً منقسمين حول حرب إسرائيل. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم أدركوا استحالة تكرار ما فعلوه مع أوكرانيا في حالة إسرائيل -وهو بناء تحالف دعمٍ دولي.

وقد أعربت العديد من الحكومات حول العالم عن ضرورة وقف إطلاق النار فوراً. وبدأت أعداد متزايدة من المشرعين الأمريكيين في التصريح بضرورة التزام إسرائيل بـ"هدنات إنسانية" لحل الأزمة في غزة، بمن في ذلك المشرعون الذين أكدوا على خلفيتهم اليهودية في تصريحاتهم.

ولهذا يستمر سير بايدن الحذر على خيطٍ رفيع!

حيث ألمح سوليفان، الأحد، إلى أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إسرائيل -سراً وعلانية- من أجل ضبط النفس. وقال سوليفان: "تجري تلك المحادثات عدة مرات كل يوم. وتجري بين الرئيس ورئيس الوزراء".

وأردف سوليفان: "أثناء جلوسي العلني هنا، سأكتفي بالقول إن الولايات المتحدة ستحرص على التوضيح الكامل لمبادئها ومقترحاتها، بما فيها قدسية الأرواح البشرية البريئة. وبعدها، سنواصل تقديم النصح لإسرائيل في السر".

لكن الواضح هنا هو أن نتنياهو وحكومة الحرب في إسرائيل تأخذ من أمريكا الدعم المطلق، وبخاصة المساعدات العسكرية التي لا تتوقف، لكنها لا تستمع إلى أي تحذيرات، سرية كانت أو علنية، حيث تواصل عدوانها الهمجي غير المسبوق وترتكب المجازر دون أي قلق من التداعيات، وكان آخرها جريمة الحرب التي ارتكبتها في مخيم جباليا، مساء الثلاثاء 31 أكتوبر/تشرين الأول.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي