أبناء اليوم يعذبون آباءهم بسبب "التربية الحديثة"

الاسرة - الامة برس
2023-10-21

أبناء اليوم يعذبون آباءهم بسبب "التربية الحديثة" (الاسرة)

الطفل سلطان البيت المدلل، ممنوع زجره أو معاقبته أو رفع اليد عليه.. هذه هي أصول التربية الحديثة التي سادت في الغرب بعد سنوات الحرب العالمية الثانية. والنتيجة أجيال تمارس نوعاً من الدكتاتورية حيال الآباء والأمهات.

ولهذا يأتي الكتاب الجديد لطبيبة علم النفس الفرنسية كارولين جولدمان ليعلن، بكل جرأة، أن سياسة التساهل في التربية تحتاج إلى إعادة نظر.

عنوان هذا الكتاب «اذهب إلى غرفتك»، وهي جملة تتردد يومياً في كل أسرة فرنسية، ونحن قد سمعناها في الكثير من الأفلام الأجنبية، إنها العقوبة القصوى في منهج تربية الأبناء، أي لا ركلات على المؤخرة ولا صفعات ولا حرمان من المصروف أو من ألعاب «الفيديو» ولا من الشوكولاتة. كان بطح الطفل على حجر الأب وضربه على مؤخرته هو العقوبة الفرنسية التقليدية حتى النصف الأول من القرن العشرين. ثم قامت الحرب العالمية الثانية وانتهت بتحرير باريس وهبوب رياح الحرية على الجزء الغربي من أوروبا، مع وصول تأثيرات الثقافة الأميركية وأساليبها في التربية الحديثة. انتهى الضرب على المؤخرة وصار ممارسة مدانة، بل وتوصف بالقسوة والهمجية. لكن ها هي الدكتورة كارولين جولدمان ترفع الصوت للتأكيد على ضرورة وضع حد للتربية المتساهلة. لابد للطفل أن يعرف أن هناك حدوداً ليس من المسموح له تجاوزها.

في السنوات العشر الأخيرة انتشرت نظرية تقول بأن التربية الصحيحة هي تلك التي تستند إلى ثلاثة أعمدة: الحب والحوار وبعض الحدود. لكن هذه النظرية التي دخلت البيوت واعتنقها الملايين من الآباء والأمهات باتت موضع انتقاد وهي تحتاج إلى مراجعة. ومن المنتقدين مؤلفة هذا الكتاب التي تدعو إلى ما تسميه بالحدود أو الممنوعات التربوية، وهي ترى أنها ضرورية لنشأة الولد أو البنت. لقد لاحظت أن إلغاء الحدود أنتج آباء منزوعي السلطة وأبناء منفلتين يصعب التحكم بهم. ورغم حداثة صدور كتابها فإنه يتصدر أرقام المبيعات. كما أن الـ «بودكاست» الذي تقدمه كارولين جولدمان هو الأكثر متابعة في فرنسا.

لماذا شاعت نظرية التربية المتسامحة شيوعاً كبيراً على مدى العقود الماضية؟ السبب، حسب المؤلفة، هو أن المدافعين عن تلك التربية يقدمون حكاية جذابة يحب الجميع سماعها، دون أن يكون لأولئك المدافعين أو الناطقين باسم التربية الحديثة أي مؤهلات أو تخصصات علمية في هذا الميدان. وشعارهم هو «الحب هو الحل»، أي أن الوالد المحب والوالدة المحبة سيقدمان للمجتمع أفراداً محبين ورائعين. لكن هذا الشعار يفتقد للأمانة، وهو أمر يدركه كل أب وأم. ففي حالات معينة يمكن للأبناء أن يوصلوا آباءهم إلى حافة الانهيار، وهو أمر يعرفه أطباء النفس. فالحب لا يكفي دائماً، ولابد من وقوع مواجهات أحياناً. وغالباً ما يواجهها الآباء بالبرود وبرفع الحواجب، لا أكثر. في حين أن الأمر يتطلب أن يمارس الأب دوره الضروري والمشرّف كقائد للأسرة ومرشد لأبنائه.

تنص وثائق المفوضية الأوروبية على أن التربية الإيجابية هي «سلوك أبوي يستند إلى المصلحة العليا للطفل بهدف تنشئته وزرع حس المسؤولية فيه. وهي تربية غير عنفية تعترف بشخصية الطفل وتقدم له المساعدة من خلال وضع مجموعة من المعايير لتعزيز تطوره». وللأسف فقد استند بعض المربين إلى هذا التعريف وحذفوا واحداً من الأعمدة الثلاثة المذكورة أعلاه وهي الحدود التربوية.

إنهم يرفضون مفردة «لا» في التعامل مع الطفل. ويرون أن المنع يؤدي إلى اضطرابات نفسية. لكن من غير المعقول أن يقول الآباء «نعم» للطفل في كل التصرفات. إن فكرة تربية الطفل بدون تجاذبات القوى هي خدعة مؤكدة. ولابد من أسلوب علمي لاحتواء العدوانية الطبيعية للطفل عندما يصاب بحالات من الانفلات والبكاء والتمرد والرغبة في أمر مرفوض.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي