

عواصم - وكالات - تحدثت أنباء متطابقة عن قصف طيران حربي ومدفعي للمتظاهرين في العاصمة الليبية، وسط أنباء عن عملية قمع واسعة باستخدام الذخيرة الحية ضد مظاهرة مليونية في طرابلس في ظل قطع السلطات جميع الاتصالات عن ليبيا وسط نداءات استغاثة من نشطاء في القبائل للزحف على المدينة لخلع نظام العقيد معمر القذافي.
وقال نشطاء ليبيون للجزيرة نت إن ما وصفوه بمذبحة وعمليات إبادة ترتكب ضد المتظاهرين في منطقة تاجوراء بطرابلس، كما تم إنزال جوي –وفق نفس المصادر- لقوات من المرتزقة الأفارقة والأجانب على منطقتين بطرابلس إحداهما سوق الجمعة.
وأشارت تلك المصادر إلى أن أصوات استغاثة وصراخ لنساء سمعت في سوق الجمعة بعد إنزال مرتزقة أفارقة بالمنطقة يطلقون نيران رشاشاتهم على أي تجمعات للمواطنين الليبيين العزل، كما تم قصف المتظاهرين في شارع الجمهورية.
وأكد الناشط صولا البلعزي في اتصال هاتفي مع الجزيرة من صرمان بالقرب من الزاوية القريبة من العاصمة طرابلس قصف الطيران الحربي لمواقع في طرابلس نقلا عن شهود عيان رأوا أسراب الطائرات المقاتلة تمر من منطقة زنزور قرب العاصمة.
واستقى البلعزي معلوماته من مصادر في سلاح الجو الليبي أكدت أن الذين يقودون الطائرات ليسوا ليبيين.
كما نقل البلعزي عن ضباط تمردوا أن كتيبة محمد المقريف التي يعتمد عليها القذافي والمكلفة بحماية منطقة باب العزيزية (مقر القيادة في طرابلس) قد استسلمت وفر ضباطها، مما يعني بداية انهيار كبير "لأجهزة قمع القذافي".
وفي هذا السياق قال علي زيدان الدبلوماسي الليبي السابق في ميونخ للجزيرة إن حشود المتظاهرين القادمين من مصراتة ومدن أخرى محاذية لطرابلس تقصف بالطائرات لمنعها من الوصول، لكن المتظاهرين مصرون على الوصول رغم ذلك.
وتأتي هذه التطورات بعد دعوة إلى تنظيم مسيرة مليونية في المدينة اليوم الاثنين. وأضاف أن الدعوة موجهة إلى باقي المدن والمناطق القريبة من طرابلس للتوجه إليها من أجل المشاركة فيها.
وأكدت مصادر للجزيرة مقتل 160 شخصا في هذه المواجهات، كما قال شهود عيان إنه تم إحراق عدة مبان حكومية، حيث اندلعت النيران في المبنى الرئيسي للحكومة في العاصمة.
نهب المصارف
وأفاد شهود آخرون أن أفرادا من قوات الأمن نهبوا مصارف ومؤسسات حكومية في العاصمة الليبية، في حين نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن شهود عيان قولهم إنه تم نهب مقر التلفزيون الحكومي في طرابلس وإحراق مبان حكومية.
وأشار شهود عيان إلى أن الجنود الليبيين اختفوا من كافة شوارع طرابلس وانضموا إلى المتظاهرين، كما قال الضابط في الأمن العام الليبي المقدم أحمد عثمان للجزيرة إن معظم ضباط الشرطة والقوات المسلحة انضموا إلى الجماهير في العاصمة.
وقد دارت اشتباكات في الساحة الخضراء في طرابلس بين آلاف من المتظاهرين وأنصار النظام. كما قالت مصادر طبية إن 18 عاملا كوريا جنوبيا جرحوا عندما هجم مسلحون على شركتهم في طرابلس.
وأفادت مصادر للجزيرة بحدوث إطلاق نار كثيف داخل كتيبة باب العزيزية بطرابلس، مشيرة إلى أن قوة من الدعم المركزي والشرطة انضمت إلى المتظاهرين وتحاصر فلول من يوصفون بالمرتزقة وأن معظم الشوارع أصبحت تحت سيطرة الجماهير.
وفي الوقت نفسه قالت مصادر للجزيرة نت إنه تمت السيطرة على سوق قاعدة معتيقة الجوية وإن القوات الجوية والبرية انضمت للمتظاهرين، وأضافت أن أهل الدهان وسوق الجمعة توجهوا إلى الساحة الخضراء لدعم المتظاهرين، وأن الإذاعة المحلية محاصرة من المحتجين.
ونقل مركز الاتصال الليبي، وهو مركز يتابع أخبار ليبيا على مدار الساعة، عن مصادر من طرابلس قولها إن معسكر خميس في منطقة كاجورا بالعاصمة ومصنع التبغ الحكومي في الدربي مليئان بالمرتزقة الأفارقة، حيث يتم تسليحهم للهجوم على المتظاهرين في العاصمة.
كما أفادت المصادر نفسها أن مرتزقة أفارقة هجموا على منطقة بن عاشور في طرابلس، وأوقعوا فيها قتلى، كما نفذوا أعمال سلب ونهب.
تنديد عربي وإسلامي
الى ذلك أدان سياسيون ومفكرون وشخصيات علمية ومنظمات عربية وإسلامية قمع السلطات الليبية للمتظاهرين المطالبين بالحرية وتغيير النظام، ونددوا بـ"المجازر الشنيعة" التي يرتكبها الأمن الليبي ضد الشعب، واعتبروا أن التظاهر ضد الظلم أمر مشروع، مبدين تشجيعا كبيرا للشعب الليبي حتى يكمل مهمته.
فقد أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن قلقه البالغ إزاء الأحداث الجارية في الجماهيرية الليبية، وطالب بحقن الدماء ووقف كافة أعمال العنف، متوجها بالعزاء للشعب الليبي في الشهداء الأبرار.
وأكد أن مطالب الشعوب العربية في الإصلاح والتطوير والتغيير أمر مشروع، وأنه لا مجال للتخوين ولا داعي لإثارة الفتنة بين الدول الشقيقة. وأشار إلى أن أبناء الوطن العربي لسانهم واحد، وأنه أمر منطقي أن يستلهموا تجارب بعضهم بعضا.
موقف العلماء
كما قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي "ما أصاب (الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين) بن علي و(الرئيس المصري المخلوع حسني) مبارك سيصيب (العقيد معمر) القذافي، وأقول له ارحل كما رحل مبارك، لا بل يجب أن يحاكمه الشعب الليبي وتظهر عوراته".
ودعا القرضاوي "أبناء عمر المختار وقبائل ليبيا وقادة الجيش أن ينضموا للثائرين مثلما فعل قادة الجيشين التونسي والمصري، وذلك حتى يعيدوا ليبيا إلى حقيقتها العربية والإسلامية".
أما الداعية السعودي سلمان العودة فقال "إن الحاكم الذي يستمرئ قتل شعبه غير جدير بحكمهم"، واستنكر "المجازر الشنيعة المفجعة" التي أقدمت عليها جهات أمنية وأخرى متصلة بها التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء "ممن نحتسبهم عند الله من الشهداء".
وانتقد بشدة مواجهة الجماهير المطالبة بحقوقها بالبلطجية وإطلاق عصابات المرتزقة وقطع المؤن والبنزين عن المدن، معتبرا أن هذه الإجراءات أساليب عفى عليها الزمان، ومنبها إلى أن من شأن سفك الدماء أن يصنع ثأراً لدى الشعوب يصعب نسيانه.
هيئات ومنظمات
من جانبه ناشد شيخ الأزهر أحمد الطيب "قادة الأمة حكاما وعلماء وعقلاء إيقاف هذه المذابح البشرية فورا، وحقن دماء الشعب الأعزل، والاستجابة لمطالبه المشروعة وحقه في الحرية والعدالة والعيش الكريم".
وأضاف موجها كلامه للحكام في معرض تعليقه على الأحداث في ليبيا "لا تقتلوهم من أجل المطالبة بحقوقهم، فمن قتل دون حقه فهو شهيد، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم".
وندد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بما وصفها بـ"الأعمال الإجرامية" التي يتعرض لها المتظاهرون في ليبيا، مؤكدا تأييد الاتحاد لمطالب الشعب الليبي ووقوفه معه.
ودعا الاتحاد الجيش الليبي و"قوات الأمن الشرفاء" إلى وقف "المظالم"، وحقن إراقة الدماء، وإلى حماية الشعب من الظلم والطغيان، "فهم من الشعب ولأمن الشعب، وإن من حق الشعب عليهم حمايتهم من الظلم والاعتداء".
ودعا الاتحاد الجماهير المحتجة إلى "الصبر والثبات على المبادئ، وعلى الحفاظ على سلمية التظاهر، وعلى الأموال العامة والخاصة، والابتعاد كليا عن إراقة الدماء البريئة وأن يُظهروا للعالم القيم الإسلامية والحضارية كما كان عليها إخوانهم بمصر".
وطالبت رابطة علماء السنة في بيان بإيقاف الكتائب الخاصة التي تقوم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في ليبيا، وتقديم كل من أعطى الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ومن نفذ هذه الأوامر للمحاكمة.
ودعت -في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه- الحكام العرب إلى السماح للمواطنين بالتظاهر السلمي للمطالبة بحقوقهم بدون تخويف وترهيب واحترام حق الشعب في تقرير مصيره، وأن يحسنوا الاستماع إلى مطالبهم بعين الحكمة والعدل والإنصاف.
كما أعربت منظمة المؤتمر الإسلامي عن قلقها تجاه الأحداث الأخيرة في عدد من الدول العربية، مؤكدة أن التحديات المتنامية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا يمكن التغلب عليها إلا عبر تقديم وتنفيذ إصلاحات شاملة في مختلف القطاعات.
الإخوان المسلمون
واستنكرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بشدة ما سمته العدوان الوحشي الهمجي الذي تنتهجه السلطات الليبية ضد المظاهرات السلمية، "التي تطالب باستعادة حقوقها في الحياة الكريمة والسيادة الوطنية، وتغيير النظام الدكتاتوري والجاثم فوق صدر الشعب منذ ما يزيد على 42 عاما".
ووصفت الجماعة في بيان النظام في ليبيا بأنه "نظام بشع لا يعرف للحياة قيمة ولا للأرواح حرمة ولا للدماء حصانة، وقد دأب على اغتيال الناس في السجون وتعليقهم على أعواد المشانق فى الميادين العامة، والذي بدد ثروات ليبيا الباهظة في مغامرات غير متزنة".
وشدد الإخوان المسلمون في بيانهم على أن النظام الليبي "مهما حاول أن يعتم على الأحداث بإغلاق وسائل الإعلام والإنترنت والرسائل ومنع الصحفيين والإعلاميين من نقل الصورة الحقيقية للجرائم، لا بد أن يفتضح أمره، كما افتضح أمر من سبقوه في تونس ومصر".
وقد أفتت لجنة علماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي -الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية- بأن "المظاهرات تعبير عن إنكار المنكر باللسان، وهذا أمر مشروع بل واجب".
متطوعون
من جهتها أكدت النقابة العامة للأطباء في مصر مشاركتها مع منظمة الصحة العالمية والعديد من الجمعيات والنقابات، في "تقديم المساعدة الإنسانية والطبية للشعب الليبي في محنته الحالية".
وقال الأمين العام للجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة أطباء مصر الدكتور عبد القادر حجازي إن "اللجنة جهزت قافلة طبية بمختلف التخصصات ومحملة بالأدوية والمستلزمات الطبية لتقديم المساعدة اللازمة".
وأشار إلى أن النقابة نسقت مع القوات المسلحة المصرية لتأمين الوفد الطبي ووصول المساعدات الإنسانية للشعب الليبي، منوها إلى أنه "من المنتظر أن تنطلق القافلة خلال الساعات القليلة القادمة على الحدود الليبية، حيث يشمل الفريق الطبي تخصصات الجراحة والعظام وجراحة التجميل والمخ والأعصاب والتخدير".