النفعية والنفاق: فوضى القارة السمراء.. لماذا أصبح ردع الانقلابيين المحتملين في أفريقيا أصعب؟  

الامة برس-متابعات:
2023-09-10

 

 

عشرات الآلاف في النيجر احتشدوا داخل أكبر ملاعب كرة القدم في البلاد تأكيدا لدعمهم للانقلاب العسكري حيث راحوا يصفقون لأعضاء المجلس الوطني لحماية الوطن الذي اسسه الانقلابيون (ا ف ب)   كثيراً ما يستخدم الشباب في أفريقيا على منصات التواصل المزاح السوداوي عند مشاهدة العسكريين بشكلٍ متكرر على شاشات التلفاز وهم يعلنون أنهم أطاحوا بالحكومة. يجد البعض فكاهةً في المناقشة حول الأزياء العسكرية التي يرتديها هؤلاء (زي موحد اللون أم مموَّه، قبعة عسكرية أم رأس مكشوف). ويسخر آخرون من محطات التلفزيون الحكومية لعرضها أفلاماً وثائقية لا نهاية لها عن الحياة البرية، لتجنب عرض الفوضى التي تتكشَّف في القارة بسبب تكرار الانقلابات العسكرية.

ردع الانقلابات العسكرية في أفريقيا يصبح أصعب

في العام 2000، وضع الاتحاد الأفريقي "سياسة لا للانقلابات"، استناداً إلى التهديد بالعزلة والعقوبات. واتخذت الكتل الإقليمية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا موقفاً حازماً أيضاً.

وفي التسعينيات، شهدت أفريقيا 16 انقلاباً ناجحاً، وفي العقد الأول من الألفية انخفض العدد إلى ثمانية، وهو رقم تكرر في العقد التالي. ومع ذلك، منذ بداية عام 2020، وقعت تسعة انقلابات ناجحة، بما في ذلك الانقلاب في الغابون، في 30 أغسطس/آب 2023، فماذا حدث لردع الانقلابات؟

تقول مجلة The Economist البريطانية، إنه في أوائل العقد الأول من الألفية، إذا قام الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية دولة ما، فسوف يتجنبها كل من يهمه الأمر (في ذلك الوقت الدول الغربية والمؤسسات المالية بشكل رئيسي)، وفقاً لليزل لو فودران، التي تعمل في مركز مجموعة الأزمات الدولية في جنوب أفريقيا، وهذا من شأنه أن يعزل هذه الدولة مالياً ودبلوماسياً. ومع ذلك منذ أن أصبحت روسيا والصين أكثر نفوذاً في أفريقيا على مدى العقد الماضي، أصبحت الطغمات العسكرية تتطلع إليهما للحصول على غطاء دبلوماسي، وهكذا أصبح فرض العقوبات رادعاً غير مكتمل.

القوى الكبرى منشغلة

يؤثر التنافس بين القوى العظمى أيضاً على كيفية استجابة الدول الغربية. منذ الانقلاب في النيجر في يوليو/تموز، تبدو أمريكا أكثر انشغالاً بالتمسك بقواعد الطائرات المسيَّرة وإبقاء المرتزقة الروس خارج البلاد، أكثر من انشغالها بإعادة محمد بازوم، الرئيس المخلوع، إلى السلطة. وهذا يضعها على خلاف مع دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وفرنسا، اللتين ضغطتا بقوة من أجل استعادته.

ومع زيادة عدد الحكومات العسكرية، يعرف دعاة الانقلابات الطامحون أنهم يستطيعون الاعتماد على دعم الطغمات العسكرية الأخرى، وهو ما من شأنه أن يضعف العقوبات بشكل أكبر. وهم يتعلمون أيضاً من بعضهم البعض، والدرس الأكبر هنا بسيط: الإفلات من العقاب أصبح هو السائد. منذ أن بدأت موجة الانقلابات الأخيرة في مالي عام 2020، لم تعد أي دولة إلى الحكم المدني.

تقول الإيكونومست، إنهم يتعلمون أيضاً كيفية التغلب على الضغوط الدولية. حاولت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إغلاق الحدود، وتجميد الأصول في البنك المركزي الإقليمي، وقطع إمدادات الكهرباء. وهذا يجعل الحياة أصعب بالنسبة لعامة السكان، لذا اكتسبت المجالس العسكرية مهارة أكبر في إلقاء اللوم على الدول الاقتصادية أو القوى الاستعمارية السابقة، مثل فرنسا. إن العقوبات التي تستهدف أعضاء المجلس العسكري وأسرهم من خلال تجميد الأصول وحظر السفر لَهي أكثر فاعلية، ولكنها ليست كافية، إذ التسوق في باريس أفضل من سان بطرسبورغ، ولكن ليس كثيراً.

النفعية والنفاق

تقول المجلة البريطانية إن هنا مشكلة أخرى حيال فكرة ردع الانقلابات العسكرية، موجودة لدى الاتحاد الأفريقي والمنظمات الأفريقية الأخرى، وهي "النفاق". صنفت منظمة فريدوم هاوس، وهي هيئة رقابية أمريكية، أقل من خُمس الدول أعضاء الاتحاد الأفريقي على أنها دول حرة. وتقود ساحل العاج ونيجيريا حملة منظمة التعاون الاقتصادي لإسقاط الانقلاب في النيجر، بالقوة إذا لزم الأمر.

ومع ذلك، قام الرئيس الإيفواري الحسن واتارا بتحريف الدستور للترشح لولاية ثالثة، كما شاب انتخاب بولا تينوبو رئيساً لنيجيريا الكثير من المخالفات. وقررت المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا هذا الأسبوع تعليق عضوية الغابون في اجتماع ترأسه تيودورو أوبيانغ، ديكتاتور غينيا الاستوائية المستمر في الحكم لمدة 44 عاماً.

تُعَد النفعية عاملاً آخر في الأمر. في تشاد انتُهِكَ الدستور بشكل واضح عندما تولى محمد إدريس ديبي السلطة بدعم من الجيش، بعد مقتل والده على يد المتمردين في عام 2021. ومع ذلك رفض الاتحاد الأفريقي وصف ما حدث بأنه انقلاب، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن تشاد تعتبر معقلاً للاستقرار في منطقةٍ مضطربة، بالنسبة للغرب.

الازدواجية الغربية

العكس صحيح أيضاً. في بعض الحالات، حيث كانت الحكومة المخلوعة خسيسة أو غير فعالة بشكل خاص، خفف الزعماء الأفارقة والزعماء الغربيون انتقاداتهم في مواجهة ما يبدو أنه "انقلاب جيد"، في نفاق واضح وصريح.

في مالي، أُطيحَ الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا، في أغسطس/آب 2020، بعد احتجاجات في الشوارع ضد فشله في إحراز تقدم في القتال ضد الجهاديين. وقال إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، إن التغيير في الحكومة قدم "نافذة فرصة لتحقيق تقدم عسكري ومدني وسياسي كبير".

كان ذلك خطأً ونفاق، بعد أشهر قليلة من كلماته المتوهجة، نظم المجلس العسكري انقلاباً ثانياً، وخلص نفسه من الزعماء المدنيين المزعجين الذين نصبهم تحت ضغط من منظمة التعاون الاقتصادي. ولم يمضِ وقت طويل حتى دعا المرتزقة الروس إلى البلاد.

بالنسبة للمؤسسات الأفريقية، فإن استعادة المصداقية اللازمة لردع الانقلابات تبدو صعبة للغاية، وكان تهديد منظمة التعاون الاقتصادي بالتدخل عسكرياً في النيجر بمثابة محاولة متهورة، لكن الأمر لا يبدو الآن أكثر من مجرد تهديد ووعيد، ما أدى إلى المزيد من الضرر لمصداقية الكتلة.

وحتى لو قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إرسال قوات، فإنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر، خاصةً إذا خرج السكان والجيش في النيجر للدفاع عن المجلس العسكري. وبينما تضعف أدوات ردع الانقلابات، ويصبح لدى الاتحاد الأفريقي والكتل الإقليمية الأفريقية أدوات قليلة للغاية لدحرها، نتوقع المزيد من ظهور الرجال ذوي الزي العسكري الفاخر على شاشات التلفاز.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي