فورين أفيرز: في انقلاب النيجر.. التسوية الأمريكية أفضل من المواجهة المدعومة فرنسيا وإفريقيا

2023-08-30

تعلق آرمسترونغ، أنه لا ينبغي والحالة هذه أن تكون الأزمة الحالية مفاجئة، مشيرة إلى دور الغرب في صناعتها (أ ف ب)نشرت دورية “فورين أفيرز” مقالا للكاتبة حنا راي آرمسترونغ قالت فيه إن الانقلابات في النيجر هي أمر روتيني نسبيا، وهي عبارة عن إعادة توزيع غير دموي للسلطة على نخب العاصمة. فقد شهدت البلاد وعلى مدى العقود الستة الماضية، خمسة انقلابات. إلا أن الانقلاب الأخير مختلف.

فهو يأتي بعد عامين فقط من أول عملية انتقال ديمقراطي للسلطة في بلد ينظر إليه الآن على نطاق واسع على أنه آخر حصن للغرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي. وفي زيارة للنيجر في آذار/مارس، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن البلاد هي “نموذج للديمقراطية”. ولكن الغرب، كما تقول آرمسترونغ، خدع نفسه حين تصور أن النيجر كانت تسير على مسار أكثر استقرارا مما كانت عليه في الحقيقة.

وتعلق آرمسترونغ، أنه لا ينبغي والحالة هذه أن تكون الأزمة الحالية مفاجئة، مشيرة إلى دور الغرب في صناعتها.

فعلى مدى العقد الماضي، أدت الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل، بقيادة فرنسا وبدعم من الولايات المتحدة، إلى إضعاف المؤسسات المدنية في المنطقة بشكل مستمر وفشلت في توفير الأمن. وأدى التدخل الغربي بالحكام العسكريين إلى الاستحواذ على السلطة في أربع من دول الساحل الخمس، وبعد أن سحب دعمه لتلك الأنظمة الجديدة، لجأ المجلس العسكري في مالي وبوركينا فاسو إلى روسيا طلبا للمساعدة الأمنية.

وترى الكاتبة أن تقدير الغرب لرئيس النيجر المخلوع محمد بازوم “كان منفصلا عن الواقع على الأرض في النيجر، حيث واجه استياء متزايدا منذ توليه منصبه في عام 2021″. وتقول إن الرهانات الحالية الناجمة عن الانقلاب الحالي هي أعلى سقفا من الانقلابات السابقة. ذلك أن الأزمة تواصل اكتساب أبعاد جديدة ومخيفة”.

فبعد الانقلاب مباشرة، ألغى المجلس العسكري النيجري اتفاقيات الدفاع الفرنسية واجتمع مع قادة شركة فاغنر لمناقشة أشكال التعاون الممكنة. وبالسرعة نفسها، تضاعفت الهجمات التي تشنها الجماعات المتحالفة مع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة على حدودها. في هذه الأثناء، أطلق اثنان من قادة المتمردين السابقين المتحالفين مع بازوم حركات مسلحة جديدة لإعادته إلى السلطة.

فشل الغرب

وتقول آرمسترونغ إن التوترات الداخلية هي الدافع المباشر للانقلاب. لكن الأزمة كانت أيضا تتويجا لعقد من سياسات تحقيق الاستقرار غير المدروسة التي قادتها القوى الخارجية في منطقة الساحل. وفي عام 2013، عندما بدا أن الجماعات الجهادية تستعد للاستيلاء على باماكو، أرسلت فرنسا عدة آلاف من القوات إلى مالي. وتسببت ملاحقتها لهم في انتشار الجهاديين عبر وسط مالي وإلى المنطقة الحدودية إلى جانب النيجر وبوركينا فاسو.

وفي أواخر عام 2010، وفي مواجهة حركات تمرد ريفية واسعة النطاق، أنشأت فرنسا شراكات لمكافحة الإرهاب مع الميليشيات العرقية المتحالفة مع الحكومة المالية. ومع تصاعد التوترات الطائفية، ذبح المقاتلون المدنيين، واضطرت المجتمعات التي كانت تعيش قبل ذلك في سلام نسبي إلى تسليح نفسها من أجل الدفاع عن النفس.

أدى انتشار العنف إلى تحول العديد من سكان الساحل العاديين ضد الأنظمة التي دخلت في شراكة مع فرنسا، وأصبح المدنيون ينظرون بشكل متزايد إلى قادتهم على أنهم وكلاء لباريس. وأدى العنف المتصاعد والارتفاع الحاد في المشاعر المعادية لفرنسا إلى انقلابات في مالي في عام 2020 وبوركينا فاسو في عام 2022. وفي آب/أغسطس من ذلك العام، مع تدهور علاقاتها مع باماكو، سحبت فرنسا قواتها بالكامل من مالي. لكن باريس لم ترسل جنودها إلى وطنهم، لقد شحنت الكثير إلى النيجر.

رئيس غير محبوب

وكانت الدول الغربية قد روجت لجولتي الانتخابات في النيجر أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021 على أنها معجزة متجاهلة عدد النيجريين الذين نظروا إلى الانتخابات على أنها مسرحية. وخرج بازوم، وهو وزير سابق في الحكومة، من الدائرة الداخلية لسلفه محمدو يوسوفو. وقد اختاره الأخير خلفا له، ولتسهيل طريقه إلى السلطة، أمر يوسوفو باعتقال مرشح المعارضة الرئيسي لبازوم بتهم كاذبة تتعلق بالاتجار بالأطفال. وفي شباط/فبراير 2021، عندما أعلنت وسائل الإعلام الحكومية فوز بازوم بفارق ضئيل، خرج المئات من أنصار المعارضة إلى الشوارع ليعلنوا أن النتائج مزورة. وسرعان ما ألقت شرطة يوسوفو القبض على ما يقرب من 500 شخص وأغلقت الإنترنت لأسابيع.

وحتى بعد وصول بازوم إلى السلطة، لم يتوقع السكان أي تغير في عهده. فقد تسامح مع الفساد وأبقى على السياسات القمعية التي تعود إلى عهد يوسوفو، مثل قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2019 المستخدم لمحاكمة الصحافيين والمدونين ونشطاء المجتمع المدني الذين احتجوا على القمع الحكومي وانتهاكات قوات الأمن.

ومع ذلك، فقد كان قرار بازوم السماح لفرنسا بجعل النيجر قاعدتها الجديدة لعملياتها العسكرية في منطقة الساحل، قاضيا، وأضرّ به أكثر من غيره.

ولتقوية مكانتها بمنطقة الساحل، قامت فرنسا في منتصف عام 2022، بنشر 1000 جندي في النيجر. ومنحت باريس بازوم 70 مليون يورو إضافية على شكل منح وقروض جديدة للأغذية والبنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها. وكانت هذه صفقة محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى بازوم، لكنه راهن على أنه يستطيع إبقاء الوجود الفرنسي سرا.

وشعر بازوم بالثقة في رهانه لأن الغرب يدعمه. وتريد أمريكا صديقا في النيجر المستقر، علاوة على بنائها مصالح أمنية لها فيه، من قاعدة عسكرية للمسيرات تستخدمها سي آي إيه لمراقبة الأجواء في جنوب ليبيا. كما واستثمرت أكثر من 100 مليون دولار في قاعدة جوية في العاصمة الإقليمية الشمالية، أغاديز، لتوسيع قدرات الاستخبارات الأمريكية في المنطقة. وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو 1000 من جنودها في قواعد هناك وفي العاصمة نيامي.

وتقول آرمسترونغ إن علاقة الحب بين بازوم والغرب جعلته معزولا عن شعبه. فقد استغلت فرنسا وجوده واستخدمت أحيانا طرقا فاسدة والحصول على اليورانيوم النيجري وبأسعار مخفضة لكي تغذي مفاعلات الطاقة النووية، بشكل حرم البلاد الاستفادة من ثروة قومية.

نجح وإن

ورغم كل الأخطاء، فقد حقق بازوم نجاحات، من ناحية البحث عن سياسة لمعالجة المخاطر الأمنية و”سياسة اليد” المفتوحة والحوار مع المتمردين والعفو عن المنشقين. وعزز الأمن على الحدود بدعم من الطيران الفرنسي والأمريكي. ونجح في تخفيض مستويات العنف بنسبة 80% بين 2021- 2022. كما وقام بازوم ببناء علاقات مع النخب الشمالية، المستبعدة تاريخيا من السلطة. لكن مدرس الفلسفة لم يمنح فرصة لتعزيز التعليم، والمرأة بالتحديد، في بلد ترتفع نسبة الخصوبة إلى 6.8 ولادة لكل امرأة وتزيد نسبة الأمية عن 63% ويعاني مشكلات أمن الغذاء.

والمشكلة في الرد الغربي وحتى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) أن الإنجازات هذه ربطت ببازوم ولا يمكن إنقاذ النيجر بدون إعادته للسلطة. فقد فرضت إيكواس عقوبات على النيجر وأعلنت عن استعدادها نشر قوات عسكرية وصرحت فرنسا بأنها ستدعم تلك الجهود العسكرية.

إلا أن واشنطن ميزت موقفها بالدعوة لتسوية سلمية، وجاء موقفها مفاجئا. وكانت الولايات المتحدة بشكل عام راضية باتباع خطى فرنسا في منطقة الساحل مقابل دعم المساعي الأمريكية في الشرق الأوسط. لكن الولايات المتحدة لم تصل إلى حد وصف الوضع بأنه “انقلاب”، وهو إعلان يتطلب منها، بموجب القانون الأمريكي، قطع المساعدات العسكرية عن النيجر. وبعد ثلاثة أسابيع كاملة من استيلاء المجلس العسكري على السلطة، كان البنتاغون لا يزال يصف الأزمة بأنها “محاولة انقلاب”. وقد صرح بلينكن بوضوح أن أزمة النيجر “ليس لها حل عسكري مقبول”. ودعا هو وغيره من القادة الأمريكيين مرارا إلى حل سلمي والإفراج عن الرئيس، وليس إعادته إلى منصبه. ويعترف هذا بأن المجلس العسكري قد أطاح ببازوم من السلطة.

مساران

وتقول آرمسترونغ إننا الآن أمام مسارين: واحد يدعو إلى استخدام القوة لإحباط الانقلاب في النيجر، من شأنه أن يعزز الأمن على المدى الطويل، وأولئك الذين يعتقدون أنه لا بد من تجنب التدخل العسكري.

وفي 9 أغسطس/آب، استضاف بلينكن في واشنطن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الجزائر هي أقوى دولة وسيط في منطقة الساحل. وأعلن عطاف في مقابلة أن هدف بلاده هو الحل السلمي للأزمة. كما نأى الاتحاد الإفريقي بنفسه عن التهديد الصريح الذي تمارسه الإيكواس.

وبحسب دبلوماسي إفريقي كبير، تحدث من دون الكشف عن هويته، فإن ذاكرة انهيار ليبيا أثرت بشكل كبير على حكم الاتحاد الإفريقي. وأضاف: “الآن، لديك حكومة سيئة في النيجر. لكن إذا قصفتهم فلن تحصل على حكومة. فقط الجهاديون والفصائل المسلحة”. وأشار إلى أنه بعد مرور 12 عاما على تدخل الناتو في الانتفاضة الليبية، لا توجد حتى الآن حكومة رسمية في طرابلس.

ومع أن أنصار التدخل العسكري يثيرون الخوف من احتمال زيادة النفوذ الروسي إلى النيجر، إلا أن المسار الحالي الذي تسلكه واشنطن صحيح، ويجب على صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة مقاومة الدعوات الداعمة للتدخل.

والمشكلة بمواصلة مسار التسوية، أنه قد يتطلب وعلى المدى القريب اعتراف الولايات المتحدة بالمجلس العسكري. وهو ما يتعارض مع السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن. ولكن سيكون من المفيد أيضا بالنسبة إلى النيجريين أن يروا قوة غربية تعترف أخيرا برغبتهم العميقة في رؤية نهج قائم على الدبلوماسية، وليس المزيد من القوات الأجنبية التي تجتاح قراهم.

ولكي يؤدي الحل السلمي إلى ثمار طويلة الأمد، فعلى الولايات المتحدة أن تحول انتباهها بشكل عاجل إلى تحديين محددين.

أولا، ينهار النهج الأمني الذكي الذي اتبعه بازوم في منطقة الحدود الثلاثية. ومع تحول انتباه الجنود نحو العاصمة، يستغل المتمردون الاختراق. وربما يرى القادة العسكريون الجدد في النيجر أن الإستراتيجية القائمة على الحوار متساهلة للغاية، فيتبعون خطى نظرائهم في بوركينا فاسو ومالي ويجندون متطوعين للميليشيات. ولأن الولايات المتحدة تدير برامج تدريب لضباط الجيش النيجري، فإن لديها بالفعل علاقات وثيقة مع بعض قادة المجلس العسكري. ومن خلال إقناعهم بمكاسب نهج بازوم، يجب على شركاء الولايات المتحدة تشجيع استمرارية السياسات الأمنية التي كانت تؤتي ثمارها.

ثانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تهتم بمخاطر التمردات في الشمال. تمتعت النخب الاقتصادية والسياسية والعسكرية الشمالية بعلاقات وثيقة مع بازوم وسلفه. ولكن من حيث الأساس، لم تف نيامي قط بمعظم تعهداتها في اتفاق السلام الذي أبرمته عام 1995 لإنهاء حرب دامت أربع سنوات مع المتمردين الشماليين، وخاصة تعهدها بمساعدة سكان شمال النيجر على تحقيق المزيد من الربح من موارد اليورانيوم لديهم. وبالفعل، فتح اثنان من الموالين لبازوم جبهات متمردة جديدة، سعيا للحصول على الأسلحة والمجندين والدعم الأجنبي لمقاومة المجلس العسكري.

وبالمحصلة، تحمل تحركات واشنطن وزنا كبيرا. وعلى عكس فرنسا، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بسمعة طيبة، وحسن نية في جميع أنحاء منطقة الساحل.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي