
موسكو - كسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صمته الخميس 24/08/2023 بشأن تحطم الطائرة الذي قضى فيه زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين وأعضاء كبار آخرين في المجموعة المسلحة.
في تصريحات متلفزة، قدم بوتين "تعازيه الصادقة لأسر جميع الضحايا"، واصفا الحادث بأنه "مأساة". إضافة إلى بريغوجين، قضى في تحطم الطائرة الأشخاص التسعة الآخرون الذين كانوا على متنها.
وتصريحات بوتين هي أول تأكيد رسمي لمقتل قائد فاغنر.
تحطمت الطائرة مساء الأربعاء بعد شهرين بالضبط من قيادة بريغوجين تمردا ضد كبار القادة العسكريين الروس، اعتبره مراقبون أكبر تهديد لحكم بوتين.
ورغم فتح موسكو تحقيقا في انتهاكات محتملة لقواعد الحركة الجوية، إلا أن لجنة التحقيق التزمت الصمت مع تزايد التكهنات باحتمال أن يكون تحطم الطائرة مدبرا بهدف اغتيال بريغوجين.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية الخميس عدم امتلاكها معطيات تدعم فرضية أنّ الطائرة التي بريغوجين على متنها قد أُسقطت بصاروخ أرض-جو.
وقال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر إنّ الجيش الأميركي لا يمتلك "معلومات تؤشّر إلى ارتباط صاروخ أرض-جو" بالحادث، مشيراً إلى أنّ التكهّنات بتحطّم الطائرة لهذا السبب "غير دقيقة".
من جهته، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن كييف ليس لها علاقة بالحادث، وقال "أعتقد أن الجميع يعرف من يهمه الأمر"، في إشارة على ما يبدو إلى نظيره الروسي.
"قضيّة مشتركة"
واكتفت موسكو في البداية بالقول إن بريغوجين البالغ 62 عاما كان مدرجا ضمن قائمة ركاب الطائرة، دون تأكيد مقتله.
لكن بوتين أشاد به في تصريحاته الخميس وبالمجموعة شبه العسكرية التي قادها.
وقال "عرفت بريغوجين لفترة طويلة جدا، منذ مطلع التسعينيات. لقد كان رجلاً ذو مصير معقّد، وارتكب أخطاء جسيمة في حياته، لكنه حقّق النتائج المرجوة".
وكان الرئيس الروسي قد وصف بريغوجين بـ"خائن" في خطاب وجهه إلى الروس خلال تمرد فاغنر يومي 23 و24 يونيو/حزيران وحذّر فيه من "حرب أهلية".
لكنه قال الخميس إن أعضاء فاغنر الذين لقوا حتفهم في الحادث قدموا "مساهمة كبيرة" في الهجوم الروسي في أوكرانيا.
وقال بوتين إنه تجمعه بهم "قضية مشتركة"، مضيفا "نحن نتذكر ذلك، ونعلم ذلك، ولن ننساه".
"شكوك معقولة"
وأعرب بعض الزعماء الغربيين عن شكوكهم في أن يكون سقوط الطائرة حادثا عرضيا.
وصرّح الرئيس الأميركي جو بايدن "لا حوادث تقع في روسيا دون أن يكون لبوتين علاقة بها".
ورأت فرنسا "شكوكا معقولة" في أن يكون الحادث عرضيا، بينما قالت ألمانيا إنه يشبه نمطا من الوفيات "غير الواضحة" في روسيا.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إنه من المثير للشكّ أن "يسقط أحد المقربين السابقين لبوتين من السماء فجأة بعد شهرين من محاولته تنفيذ تمرد".
وبلغ التشكيك شخصيات مؤثرة مؤيدة للكرملين، مثل الإعلامية في التلفزيون الحكومي وحليفة بوتين مارغريتا سيمونيان، التي أشارت إلى احتمال تعرض بريغوجين للاغتيال.
ونشرت هيئة الطيران الروسية أسماء الأشخاص الذين كانوا على متن الطائرة الخاصة من طراز إمبراير في وقت متأخر الأربعاء.
من بين الركاب بريغوجين وعضده الأيمن ديمتري أوتكين، وهو شخصية غامضة أدارت عمليات فاغنر وأوردت تقارير أنه عمل سابقا في الاستخبارات العسكرية الروسية.
وقامت الشرطة الروسية بدوريات في موقع الحادث قرب قرية كوجينكينو، على بعد حوالي 350 كيلومترا في منطقة تفير شمال موسكو.
وقالت امرأة تعيش قرب كوجينكينو إن جارتها سمعت هديراً ورأت "شرارات من الطائرة" مصحوبة بنيران.
وأضافت في مقطع فيديو نشرته وكالة أنباء ريا نوفوستي الحكومية "ركضت جارة نحوي ويداها ترتعشان وعندما ذهبنا إلى النافذة لم أر سوى سحابة، سحابة سوداء".
"وطني حقيقي"
ويظهر مقطع فيديو من مكان الحادث، تحققت منه وكالة فرانس برس، الطائرة وهي محاطة بعمود من الدخان الأبيض أثناء سقوطها.
وقال موقع "فلايت رادار" المتخصص في تتبع الحركة الجوية، إن الطائرة التي كانت في طريقها من موسكو إلى سان بطرسبورغ ظهرت على رادارهم حتى آخر 30 ثانية وهبطت "بشكل حاد" حوالى الساعة 15,20 بتوقيت غرينتش.
أشارت بعض قنوات تلغرام المرتبطة بمجموعة فاغنر في البداية إلى أن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت الطائرة، وذلك بعيد شنّ كييف مزيدا من الهجمات على موسكو بطائرات مسيّرة.
وأظهر تحطم الطائرة أن بريغوجين يتمتع ببعض الشعبية في روسيا.
وقد نال استحسان الروس ذوي الميول القومية - الذين شككوا أيضاً في قيادة الجيش أثناء الهجوم على أوكرانيا - وأعجبوا بأسلوبه الحازم.
حتى أن البعض توقع أنه سيشارك في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، والتي من المتوقع أن تمدد حكم بوتين حتى عام 2030 على الأقل.
وقال بافيل زاخاروف وهو يضع الزهور في مقر فاغنر في سان بطرسبورغ "لقد كان واحداً من الوطنيين الحقيقيين القلائل في بلادنا".
كان العديد من الروس ينتظرون بفارغ الصبر مقاطع الفيديو الصريحة التي ينشرها بريغوجين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غالبًا ما تكون محملة بألفاظ بذيئة وتقدم سرديات متناقضة مع رواية المسؤولين الروس بشأن مسار الحرب.
الأوكرانيون يأملون أن يكون موته "حقيقيا"
واصلت مكاتب فاغنر العمل والتجنيد في روسيا بعد تمرد بريغوجين الذي شهد استيلاء مقاتليه على مقر عسكري في مدينة روستوف أون دون الجنوبية وزحفهم نحو موسكو.
وفي سيبيريا، المنطقة التي تجند منها فاغنر بكثافة، وضع سكان أيضًا الزهور في مكتب المجموعة في نوفوسيبيرسك.
لكن في أوكرانيا، حيث كان مقاتلو فاغنر معروفين بشراستهم الاستثنائية - بما في ذلك عمليات إعدام للمقاتلين الأوكرانيين خارج نطاق القضاء - رحب الكثيرون بنبأ مقتل بريغوجين.
وجنّد بريغوجين عشرات الآلاف من المساجين الروس للقتال في أوكرانيا، كثر منهم دفع بهم إلى خطوط القتال الأمامية.
ويظل مستقبل فاغنر بدون بريغوجين - بما في ذلك مشاركتها في النزاعات الإفريقية - غير واضح.
كان مستقبل أمير الحرب غير مؤكد منذ الاتفاق مع بيلاروس الذي أنهى تمرده.
وبموجب الاتفاق مع مينسك، "ضمن" الكرملين لبريغوجين الإقامة في بيلاروس - جارة روسيا وحليفتها.
وسلطت مينسك الضوء على مدى أسابيع على وجود مقاتلي فاغنر في أراضيها، قائلة إنها أقامت معسكرات لهم.