لم يكن حلما!

2023-05-26

عُلا الفارس

«لم يكن حلما، حتما لم يكن حلما»، أقتبس هذه العبارة من صرخة أطلقها غريغور سامسا في رواية «المسخ» للكاتب التشيكي فرانز كافكا، حينما استيقظ على واقعٍ تحول إلى كابوس فعلي، لم يتمكن من الخلاص منه حتى فتك به، وهذا ما حدث مع كاتبة هذه السطور، مع اختلاف النهايات والإرادات، حينما استيقظت ذات صباح لأجد العالم الافتراضي في أنستغرام كبحر متلاطم يغوص في تعليقات غريبة حولي وحول أسرتي الصغيرة!

«حتما لم يكن حلما»، كان واقعا يتشكل لدى أحد مرضى النفوس، ممن استهدفني في نشر وبث آلاف التعليقات من حسابات وهمية، مضمونها التهديد والوعيد لي ولعائلتي بالانتقام إن لم أرضخ لـ»ابتزاز الرخيص» بعد ان قمنا بإغلاق صفحات وهمية باسم برنامج أقدمه.. يستغل صاحبها متابعيها لسرقة معلومات بطاقاتهم البنكية المسجلة في هواتفهم، بمجرد الضغط على رابط واحد، بينما هم يتصفحون محتوى الرابط يقوم هو بفعلته!

بيد أن هذا العبث تبدد بعد أن واجهت الجاني المختبئ خلف شاشة الكمبيوتر، قررت أن ألاحقه قضائيا عبر أكثر من مستوى دولي وإقليمي حتى سقط – كسقوط فعلته وأخلاقه – بيد القضاء، وبات اليوم في انتظار حكم القاضي الذي قدمت له لائحة اتهام طويلة ومفصلة بعد عناء استمر لأكثر من 3 شهور متتالية، أقدم فيها على تهديدي بكل السبل والطرق المتاحة في مواقع التواصل. لم يكن هذا الابتزاز الإلكتروني الأول الذي أتعرض له؛ فمثل هذا الصباح صباحات أخرى مماثلة، كانت أقلُّ مستوى في الهوسِ والجنون، بعضٌ منها تجاهلته، وأدرتُ ظهري غير مكترثة بما يحتوي من سقوط، والبعض الآخر كلفتُ نفسي بالردِّ عليه، إلا أن الجاني الأخير تفوق عن غيره في حجم الرسائل والتعليقات ومحتواها الحاد، الذي تقمص فيه ما تصدره السينما من بشاعة في أفلام الرعب؛ لقد حاول بشتى الوسائل أن يوقع الأذى بي، وتحديدا على الصعيد النفسي، حين توجه بالتهديد والوعيد لي ولأسرتي، مرفقا صورا لطفل مقتول وغيرها من التفاصيل المروعة.

وبعيداً عن دائرة الاستهداف الضيق للأفراد، الذي يمكن تطويقه بسهولة، فإن الجريمة الإلكترونية تستهدف بشكل أكثر تعقيداً الدول والمؤسسات، الأمر الذي يجعل خطرها يتسع، لتكون سلاح مواجهة بين بعض الدول، لتشمل التجسس وزرع الفيروسات الخبيثة القادرة على ضرب شبكة البنية التحتية للدول.

صحيح أن الجرائم الرقمية دائرتها تتسع اليوم أكثر وأكثر، لتشمل اختراق وقرصنة الهواتف والمواقع الإلكترونية، ودائرة الاستهداف تتسع أيضاً لتشملَ مختلف أفراد المجتمع والمؤسسات والحكومات، لاسيما وأن هذا العالم أصبح يفرض نفسه على الجميع بلا استثناء، إلا أن هذه الجرائم باتت محاصرة في نطاق «جرائم السوشيال ميديا»، وفي ظل وجود إرادة من المستهدفين، ووجود قوانين ناظمة ضابطة لدى الدول، والأهم تطور مجال الأمن السيبراني، الذي أخذ على عاتقه رفع مستوى التحدي في حربه ضد مجهولين لا يتقنون سوى إيقاع الضرر بالآخرين، في ظل كل هذا وأكثر، نعم ثمة أمل، أمل في ملاحقة هؤلاء والحد من عنجهيتهم، ظنا أنهم فوق القانون. ربما يكون ثمة عامل مهمٌ في هذه المعركة؛ «الوعي» الذي إن غاب في مواجهة القراصنة المجرمين رقميا على شبكات التواصل الاجتماعي، قد يتحول المستهدفُ إلى ضحية يسهلُ افتراسها، والخطير في الأمر، أن التطور التقني نحو الذكاء الاصطناعي أصبحَ أداة أيضاً في يد الجناة، فيسهل حينها توليف الصور والمقاطع المرئية والصوتيات للضحايا، حتى تقارب الواقع لدرجة تحير البعض الذي إن أحسن الظن سيقول «بيخلق من الشبه أربعين»، وفي هذه الحالة، سيكون أمام الضحية طوق نجاة وحيد، يتمثل في تحليل الخبراء التقنيين لهذه المقاطعُ المُوَلَّفة صوتيا ومرئيا، وبلغة بسيط نعني «المفبركة» معطيات قد تجعل أحدهم يرضخ هنا أو هناك.

وبعيداً عن دائرة الاستهداف الضيق للأفراد، الذي يمكن تطويقه بسهولة، فإن الجريمة الإلكترونية تستهدف بشكل أكثر تعقيداً الدول والمؤسسات، الأمر الذي يجعل خطرها يتسع، لتكون سلاح مواجهة بين بعض الدول، لتشمل التجسس وزرع الفيروسات الخبيثة القادرة على ضرب شبكة البنية التحتية للدول ـ مثل المصانع والكهرباء، إلخ. والغريب في الأمر أن بعض الشركات «العالمية» تتسابق في إنتاج «برمجيات الاستهداف»، وتعلنُ مفتخرة في تطوير برمجياتها الخبيثة، بطرق لا تخطر على بال بشر، في وقت يندد فيه العالم، بتشريعاته وقوانينه، وعلى لسان مسؤوليه، بالجريمة الإلكترونية، وهنا نقفُ في حيرةٍ إن كان هذا حلماً أو واقعاً بائسا وقعنا به دون أن ندرك مخاطره بحجة التطور!

إعلامية فلسطينية أردنية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي