هآرتس: "التناسب" و"مسطرة الدماء".. معايير إسرائيل الخاصة لقتل الأبرياء والأطفال

2023-05-22

خلافاً لقضية شحادة، لم تدع الجهات الأمنية بوجود خطأ في المعلومات أو في التقدير حول عدد المصابين المدنيين (ا ف ب)

في تموز 2002 في ذروة الانتفاضة الثانية التي جبت رقماً قياسياً من ضحايا الإرهاب، قامت إسرائيل بتصفية قائد الذراع العسكري في حماس صلاح شحادة في قصف جوي. قتل في هذه العملية 11 شخصاً آخر، من بينهم نساء وأطفال. لجنة الفحص التي عينتها الحكومة برئاسة قاضية المحكمة العليا السابق طوفا شترسبرغ كوهين، كتبت في تقريبها بأن الخطر الذي شكله شحادة في حينه كان مؤكداً وفورياً ومهماً. وبناء على ذلك، كانت تصفيته مبررة حسب قواعد القانون الإسرائيلي والقانون الدولي.

وحول الأشخاص الذين قتلوا عقب طريقة عملها، قررت لجنة شترسبرغ كوهين بأن هذه النتيجة كانت “غير متناسبة”، هذا حسب موقف الجهات الأمنية نفسها التي قدمت الشهادات في اللجنة. وقررت اللجنة بأن هذه الجهات الرفيعة في الجيش و”الشاباك” شهدت بأنها “لم تكن لتنفذ العملية لو توقعت النتائج الجانبية التي حدثت بالفعل”. إضافة إلى ذلك، قالت اللجنة إن “هناك مبدأ أساس قيمياً ومعيارياً لدولة إسرائيل وقوات الأمن فيها، كان وما يزال، وهو أنه إذا كان معروفاً بشكل إيجابي عن وجود أطفال في دائرة الضرر المتوقع من عملية عسكرية، التي يمكن أن تضر بهم، “لا نقوم بتنفيذ العملية”. هذا أمر واضح.

قبل أسبوعين تقريباً، شنت إسرائيل عملية “تصفية مركزة” في القطاع واغتالت ثلاثة قادة كبار في “الجهاد الإسلامي”، خليل البهتيني، قائد شمال القطاع، وعضوين آخرين هما جهاد غانم وطارق عز الدين. وهنا كانت طريقة العملية قصفاً جوياً في الليل. قتل في هذه العملية أيضاً عشرة أشخاص مدنيين من بينهم زوجة البهتيني وابنته (4 سنوات) واثنان من أولاد عز الدين. وقتل عدد من جيرانهم، طبيب وزوجته وابنه وشقيقتان أيضاً.

خلافاً لقضية شحادة، لم تدع الجهات الأمنية بوجود خطأ في المعلومات أو في التقدير حول عدد المصابين المدنيين. من هنا نفهم أن قتلهم في العملية كان متوقعاً وتم أخذه في الحسبان من قبل. بكلمات أخرى، المستوى الأمني والسياسي اللذان أمرا بتنفيذ العملية اعتقدا أن قتل أعضاء “الجهاد” في ذلك الوقت سواء من الناحية العملياتية أو الناحية القانونية والقيمية، يبرر موت المدنيين العشرة الذين قتلوا في الهجوم، ومن بينهم نساء وأطفال.

مسألة التناسب هي المعيار الذي يتم فيه فحص القرارات العسكرية. وهذا الفحص يتم حسب الوضع الذي كان معروفاً قبل اتخاذ القرار. ويتم الأخذ في الحسبان أيضاً الفائدة العسكرية والضرر المرافق لها. في الحقيقة، “التناسب” مفهوم متملص وليس سهلاً تعريفه، لكن عدم وجود قرار واضح حول مسألة مسطرة الدماء التي يجب على أساسها تحديد هذه القاعدة، لا يعني أنه لا توجد حدود هنا. في ذروة الانتفاضة الثانية، عندما كان القرار متعلقاً بأكبر قائد في حماس، تقرر عدم تنفيذ العملية إذا علم أن هناك أطفالاً قد يصابون بالأذى. لذا، فإن قتل الـ 13 شخصاً في العملية لو أنه كان متوقعاً من البداية فإنه لا يعتبر متناسباً. لذلك، فإن هذه العملية محظورة وغير قانونية.

كيف اختفت هذه المعايير تماماً عندما قام المستوى السياسي والأمني باتخاذ قرار العمل؟ في نهاية المطاف، تنحرف نتائج العملية بوضوح عن هذه المعايير. في ظل غياب الإجابات والتفسيرات المقنعة، ثمة شك يثور بوجود فجوة أخلاقية ما زالت مفتوحة بين المعايير التي وضعت في قضية شحادة وبين العملية ضد القادة الكبار من “الجهاد الإسلامي”.

سواء في قرار المحكمة العليا حول التصفية المركزة، الذي نص على الإطار القانوني الذي يسري في مثل هذه الحالات، أو في قضية شحادة، فقد كتب أنه يجب على دولة إسرائيل تشكيل لجنة فحص خارجية مستقلة، في كل مرة يتم فيها إصابة مدنيين غير مشاركين. وعلى شاكلة لجنة شحادة، عقب العملية ضد قادة “الجهاد الإسلامي”، فإنه مطلوب فحص اجتماعي وأخلاقي ومعياري عميق. يجب عدم ترك هذه الحادثة بدون فحص خارجي له وزن، الذي سيفحص الاعتبارات التي استخدمها المستوى السياسي والأمني، سواء الجيش أو “الشاباك”، مهما كانوا كباراً، وتقوم هذه اللجنة باستخلاص الدروس.

يجب على الدولة تشكيل لجنة فحص لهذا الأمر وبدون تأخير.

 

 إيلي بخر

 هآرتس 22/5/2023







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي