وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأسبوع الماضي إلى سوريا في زيارة. كانت المرة الأولى التي يزور فيها رئيس إيراني دمشق منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في آذار 2011. ولكن يجب ألا تضللنا الكلمات الجميلة التي قالها رئيسي لبشار الأسد: النظام الإيراني يشك في إخلاص الرئيس السوري لمصالح الجمهورية الإسلامية في سوريا.
قبل كل شيء، اسمحوا لي أن أشرح كيف وصلنا لهذا الوضع: قبل حوالي شهرين، وافقت إيران والسعودية، بوساطة صينية، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد انقطاع دام سبع سنوات. السبب الأهم لموافقة النظام الإيراني على ذلك هو الصين. الإيرانيون يعتمدون على بكين لأنها الزبون الأكبر لنفطهم وإحدى الدول المعدودة في العالم المستعدة لشرائه. باقي الدول تفضل عدم الخاطرة بفرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة. ومغزى القرار الصيني بوقف شراء النفط الإيراني يعني المخاطرة بالإفلاس.
بدون ضغط من الصين، ثمة شكوك أن يوافق الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي، على إعادة العلاقات مع السعودية نظراً لوجود سلبيات كبيرة لإيران إلى جانب أفضليات الاتفاق. إحدى السلبيات البارزة هي قدرة السعودية على تحسين علاقاتها مع حلفاء إيران في المنطقة، ومن بينهم النظام السوري. خامينئي لا يستطيع قول “لا” للصينيين، ولكن هذا لا يعني أنه لا يشك بالأسد، وهذا هو السبب الذي من أجله جاء رئيسي إلى دمشق. في طهران قلقون من إمكانية أن تسمح سوريا الآن لشركات سعودية وإماراتية بالدخول إلى السوق السوري. هذا سيأتي بالطبع على حساب شركات إيرانية.
للإيرانيين أسباب مبررة ليكونوا قلقين في هذا السياق، ولديهم تجربة. إيران هي الدولة التي استثمرت أكبر قدر من الأموال والموارد العسكرية في الدفاع عن نظام الأسد، ورغم ذلك، يذهب المستهلك السوري – على مر السنين – “للتسوق لدى آخرين”. هو يفضل منتجات تركية تتفوق على المنتجات الإيرانية سواء في الجودة أو في السعر. الولاء السياسي لا يلعب هنا دوراً، والأرقام تتحدث عن نفسها: في السنة الماضية، صدرت تركيا إلى سوريا بما يقدر بـ 2.2 مليار دولار، في حين بلغ التصدير الإيراني إلى سوريا 110 ملايين دولار فقط.
تركيا، إذن، تصدر لسوريا أكثر من إيران بعشرين ضعفاً. لكن حتى إذا تركز أساس الاستيراد السوري على منتجات استهلاك يومي حتى الآن، يمكن أن نتوقع الآن إنفاقات أكبر في فروع الطاقة والبناء. النظام في دمشق يريد ترميم الضرر الكبير الذي ألحقته الحرب الأهلية بهذه المجالات، ولدى السعودية والإمارات ما تعرضانه. شركة البناء الضخمة الإماراتية “EMAAR” على سبيل المثال، هي إحدى الشركات الكبرى في الشرق الأوسط. وللسعوديين شركات بناء تدير مشاريع بمبالغ عشرات المليارات من الدولارات. علاوة على ذلك، وخلافاً لخصومهم الإيرانية، فإن لشركات البناء في السعودية والإمارات سبيلاً للوصول إلى مهندسين وتقنيين من الغرب. كذلك، فإن كل مساعدة مالية تقدمها الرياض أو أبو ظبي لدمشق ستأتي بشروط إعادة استثمارها في مشاريع سعودية وإماراتية.
كل هذه من شأنها، من ناحية الإيرانيين، أن ترجح الكفة ضدهم وتمس بمصالحهم في سوريا، هذا في الوقت الذي تمر فيه الجمهورية الإسلامية بضائقة اقتصادية صعبة – الأصعب منذ الثورة في 1979 – وبحاجة لكل دولار تكسبه في السوق العالمية.
تسمع إيران الآن تساؤلات تخص الفائدة التي تجنيها من المساعدة المالية التي تقدمها لسوريا. حسب ما يقول د. حشمت فلاحت بيشه، رئيس لجنة الأمن القومي للبرلمان الإيراني السابق، نظام الأسد مدين بـ 30 مليار دولار لإيران بقروض حصل عليها منذ 2011. قبل يومين من وصول رئيسي إلى دمشق، قال فلاحت بيشه للصحيفة الإيرانية “تجارة نيوز” إنه يأمل أن يستوضح الرئيس هذا الموضوع. “السوريون دفعوا ديونهم لروسيا، ولكن ليس لإيران”، أضاف بخيبة أمل.
فلاحت بيشه ليس وحده في خيبة أمله، عدد الإيرانيين الذين يتدهورون كل عام إلى ما تحت خط الفقر آخذ في الازدياد. والدعارة وصلت إلى الطبقة الوسطى لأن أعداداً قليلة من العائلات قادرة على إعالة نفسها في هذا المناخ الاقتصادي. 30 مليار دولار، هذا مبلغ ضخم على دولة تعاني نقص الأدوية. الآن، يضاف إلى هذا أيضاً الخوف من مراكز مهمة ستشق طريقها نحو العدوان من الخليج، الأمر الذي سيزيد من ضعف سياسة طهران تجاه الاستثمار في سوريا وفي نظام الأسد.
ثمة تحدي آخر للإيرانيين: استثمار سعودي وإماراتي مكثف في الاقتصاد السوري سيأتي مع المطالبة بالهدوء والاستقرار من جانبها. بيد أن طهران ما دامت تستخدم أراضي سوريا لنقل سلاح إلى “حزب الله” وتهديد إسرائيل، فلن ترى سوريا الاستقرار والهدوء، وستتواصل الهجمات الإسرائيلية. كل هذا سيزيد التوتر في محور دمشق – طهران، ويؤدي إلى إضرار في العلاقات بين الدولتين.
مئير جابدنفر
هآرتس 10/5/2023