لبنان عاد كما كان!

2023-04-01

غادة السمان

وأخيراً تم حل مشكلة الكهرباء في لبنان ووداعاً للمولدات الكهربائية المنزلية، والتي قررت الدولة دفع تعويض مالي للذين اضطروا إلى استعمالها طوال أعوام بسبب انقطاع التيار الكهربائي في لبنان وصارت تلك الأيام من الذكريات الكابوسية للوطن. وبعد رمضان ستشع بيروت بكهرباء العيد في الشوارع وفي كل شارع وزقاق.. وأضحى قطع الكهرباء عن لبنان لأعوام ذكرى كابوسية أخرى.. ذكرى نيسان!

البنوك: أهلا بكم!

لم تعد البنوك مغلقة الأبواب، ولم يعد من له الكثير من النقود التي أودعها في البنك مضطراً لنسيانها أو حمل السلاح والدخول بالعنف إلى البنك لا لسرقة ماله، بل ليعيد له البنك ماله (مهما كان زهيداً) بعدما سرقها البنك منه. كانت تلك الأيام مرعبة.. حين يخاف المرء من سارق عادي ويودع في البنك ما جمعه من مال ليوم الشدة وإذا بالسارق هو البنك الذي لجأ إليه! ولن نسمع بعد اليوم عن إفلاس هذا البنك أو ذاك. هذه كلها ذكريات كابوسية مضت.

رئيس للجمهورية ووزارة جديدة

وبعد أزمة طالت عاش لبنان وقتها بلا رئيس للجمهورية، تم انتخاب الرئيس وتشكلت وزارة جديدة هاجسها خدمة المواطنين والتعويض على الأموال والمآسي التي طالت. أما الانفجار الرهيب الذي حدث منذ أعوام في المرفأ البيروتي فقد تم اعتقال المسؤولين عنه وسيحاكمون علناً وينالون العقاب العادل كما ستتولى الدولة إصلاح الخراب الذي سببه الانفجار وذلك على نفقتها ليعود الناس إلى بيوتهم كما كانت..

انتهى زمن انهيار العملة

في بعض الأيام، لا أعادها الله، صار ثمن البيضة الواحدة سبعة آلاف ليرة لبنانية!!.. وذلك مثال على مدى انهيار العملة الوطنية يومئذ. لماذا؟ من المسؤول؟ من هرب بأموال الناس إلى بنوك الغرب واغتصبها؟ ذلك كله صار ذكرى كئيبة من كوابيس بيروت 2، وانتهى الأمر وعاد لبنان كما كان أيام العز.. وعاد المصطاف الخليجي يفضل قضاء إجازة الصيف في لبنان، ففيه كل ما في أوروبا من رقي ثم إنه يتقن اللغة اللبنانية العربية وذلك يجعل إجازة الصيف متعة بين جمال جبال لبنان ومباهج الساحل كما المطاعم البيروتية على شاطئ البحر.

عاد لبنان وتعلم درساً

لقد عاد لبنان كما كان بهجة للعيش والصيف، وانتهت أيام قطع الكهرباء وانهيار الليرة ولم يعد السائح الخليجي مضطراً لتسديد الفاتورة بالدولار فالعملة المحلية عادت إلى عزها.. وبعد انتخاب رئيس جديد عاد الاستقرار الذي طال بحث اللبنانيين عنه في زمن إغلاق البنوك وإذلال المودعين ووداعاً كوابيس بيروت 2!

كذبة نيسان 2023!

لا أظن أن أي قارئ صدق كلمة مما سبق وكتبته، ولكنه سيطالع هذه السطور في اليوم الأول من نيسان إذ تصادف يوم صدور «لحظة حرية» هذه السبت (كالعادة) الأول من نيسان وقررت استغلال المناسبة والتاريخ وثمة ما حرضني على ذلك، وهو تحقيق تلفزيوني مؤلم شاهدته ليلة 10/3/2023 في نشرة الأخبار على القناة الثانية وقدمها المذيع الشهير لوران دو لاهوس وأعادت بثه القناة الخامسة.

تحقيق تلفزيوني عن لبنان

تصادف أن قدمت القناة الثانية في تلفزيون فرنسا برنامجاً محزناً عن لبنان. فالمراسل الذي ذهب إلى هناك تحدث إلى الناس واشتكى له الجميع من انهيار الليرة اللبنانية مما أدى إلى مآسي الفقر. ولعل الوضع اللبناني وانهياره الاقتصادي صار موضوعاً للتحقيقات التلفزيونية حيث سمعت كل ما أعرفه كلبنانية، وكان الذين يحاورونهم يتحدثون بلهجة بلدنا أي باللهجة اللبنانية لكن كل ما قالوه لا يجهله لبناني مما أحزنني حقاً.. ووداعاً للزمن الذي كانت فيه الليرة اللبنانية ونصف تعادل دولاراً ووداعاً للأيام التي كانت تستقبل المصطاف الخليجي الذي كان يجد في لبنان كل ما يجده في أوروبا من رفاهية بالإضافة إلى اللغة العربية وبينهم من اشترى بيوتاً لقضاء الصيف في لبنان..

وكان كما كان بكذبة

لماذا اخترت «كذبة نيسان» للكتابة اليوم؟ ربما لأن بعض صديقاتي لا يدركن أنني نسيت حكاية «كذبة نيسان» وأصدق ما يقال لي في الأيام كلها كعادتي إذا كان المصدر من الصديقات.

وهكذا اتصلت بي شابة وقالت لي إن أمها قد ماتت (وكانت صديقة عزيزة) وريثما اعترفت الابنة بأنها كذبة نيسان لم أعد أرد على الهاتف يوم 1 نيسان/ إبريل. وأحب تحذير القراء من ذلك الأذى السمج المدعو «كذبة نيسان».

مرة اتصلت بي قرب منتصف الليل بنت صديقتي العزيزة ايرين قائلة إن أمها في الطريق إلى بيتي في رفقة صديقة مشتركة وصلت من لندن حيث تقيم وتعمل. وبالطبع لم يكن بوسعي أن أقول لا. وهكذا نهضت وارتديت ثيابي حين اتصلت ابنة صديقتي ايرين لتقول إنها كذبة نيسان! ومن يومها لم أعد أرد على الهاتف يوم كذبة نيسان أي الأول من أبريل لحظة يطالع القارئ هذه السطور وأتمنى عليه أن يحلم بما سبق وكتبته عن لبنان من تفاؤل مبهج..

وأكرر: أن لا يرد على الهاتف اليوم إلا إذا كان مشتاقاً إلى خيبة ما!!

لكنني أكرر ما أتمنى أن يحدث في المستقبل: أظن أن لبنان سيعود كما كان وهذه ليست «كذبة نيسان!».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي