رغم الصراع والمنافسة بينهما.. لماذا لا تريد الصين أن تتخلف أمريكا عن سداد ديونها؟

متابعات الامة برس:
2023-01-28

   الرئيسان الأمريكي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ (ا ف ب)

 

واشنطن: ستتمحور الدراما السياسية الكبيرة في واشنطن خلال الأشهر القليلة المقبلة حول الصراع على سقف الدين الأمريكي. السيناريو الأسوأ هو أن يرفض الكونغرس السقف، وتتخلف وزارة الخزانة الأمريكية عن سداد ديونها.

ونظراً لأن ديون وزارة الخزانة الأمريكية هي التي تدعم النظام المالي العالمي بأكمله، فقد تكون النتيجة أزمة اقتصادية عالمية ضخمة. إذا حدث ذلك، فما مدى نجاح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الصين، في النجاة من الانهيار؟ وهل سيمنح التخلف عن السداد في الولايات المتحدة للصين فرصة لإنشاء نظام مالي عالمي جديد، أقل اعتماداً على الدولار؟

تداعيات خطيرة إذا لم يُرفع سقف الدين

يقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية، إن النبأ السار هو أن التخلف عن السداد في الولايات المتحدة أمر غير محتمل. على الأرجح، سيتوصل الكونغرس إلى اتفاق يُرفَع بموجبه سقف الديون الآن مقابل وعود بخفض الإنفاق الفيدرالي في وقت لاحق. هذا ما فعله مؤتمر "حزب الشاي" في عام 2011 والنتيجة التي توقعها زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل.

إذا فشلت المفاوضات، ستظل لدى إدارة بايدن الكثير من الخيارات لمنع التخلف عن السداد، بدءاً من الحيل المحاسبية إلى قرار تجاهل سقف الديون تماماً، على أساس أنه ينتهك متطلبات دستور الولايات المتحدة لسداد جميع الديون الفيدرالية في الوقت المناسب.

لكن أشياءً غريبة تحدث أحياناً في واشنطن. إذا كانت الولايات المتحدة قد تخلفت عن السداد، فما مدى الضرر الذي قد يكون؟ ما من أحدٍ يعرف بالتأكيد، فالاقتصاد العالمي معقد للغاية.

أحد الاحتمالات الحقيقية هو حدوث أزمة مالية عالمية وكساد اقتصادي أسوأ حتى من أزمة 2008-2009. هذا لأن سوق الخزينة الأمريكية الضخم يدعم النظام المالي العالمي بطريقتين. يُسعَّر الكثير من الائتمان حول العالم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في ارتباطٍ بأسعار الفائدة على الخزانة الأمريكية. وتعتمد العديد من القروض في كل من الولايات المتحدة وبقية العالم على سندات الخزانة الأمريكية كضمان.

وفي حالة التخلف عن السداد، سترتفع أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية بشكل كبير (لأن المستثمرين سيطالبون بسعر أعلى مقابل المخاطرة بعدم سدادهم)، وقد لا تكون الخزانة الأمريكية قابلة للاستخدام كضمان (لأن قيمتها الأساسية لن تكون واضحةً).

يمكن ببساطة أن يتجمد النظام المالي العالمي بأكمله. علاوة على ذلك، قد لا تنجح إحدى الأدوات الرئيسية المستخدمة لاحتواء أزمة 2008-2009 (وهي إنشاء الأموال الهائلة من قبل الاحتياطي الفيدرالي لتمويل مشتريات الخزينة الأمريكية) إذا توقف سوق الخزانة.

كيف ستتضرر الصين من هذه الأزمة؟

كما حدث في 2008-2009، فإن الانهيار الاقتصادي العالمي سيضر الصين كثيراً. سيكون أداؤه أفضل قليلاً من معظم البلدان الأخرى؛ لأنه يدير نظاماً مالياً مغلقاً يعتمد بشكل أساسي على المدخرات المحلية ومحمي من تقلبات عدم الاستقرار المالي العالمي من خلال ضوابط رأس المال. لكن تأثير التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة سيظل مدمراً. في 2008-2009، أدى فقدان تمويل التجارة وانهيار الطلب العالمي إلى انخفاض الصادرات الصينية بنحو 20%، وقد فقد ما يزيد على 20 مليون عامل وظائفهم.

قبل 15 عاماً، كان بوسع حكومة الصين الاستجابة بإطلاق برنامج تحفيز اقتصادي ضخم ممول بالديون لأن مستوى ديون البلاد، عند 140% من الناتج المحلي الإجمالي، كان منخفضاً نسبياً، ولا تزال لديها احتياجات كبيرة للبنية التحتية والإسكان. واليوم، فإن مساحة المناورة أضيق بكثير: فقد ارتفع الدين إلى ما يقرب من 300% من الناتج المحلي الإجمالي، والبنية التحتية والإسكان مثقلان بشكل خطير.

ورغم خطورة الأمر، فإن العواقب الاقتصادية المترتبة على تخلف الولايات المتحدة عن التخلف عن السداد على الصين لن تهدد على الأرجح سلطة الحزب الشيوعي. أياً كان الذي أُجبر الشعب الصيني على معاناته يمكن أن يُلقى اللوم فيه بحق على قوى خارجية. وفي حالة الضرورة، لا يزال بإمكان الحكومة دعم حد أدنى من النمو من خلال زيادة كومة ديونها، حيث إنها ستقترض من مستقبلها، وليس من الدائنين الأجانب.

هل تستطيع الصين النجاة وحدها؟

هذا يقودنا إلى السؤال الثاني.. إذا تخلفت الولايات المتحدة عن السداد، فهل تستطيع الصين إنشاء نظام بديل مبني على الرنمينبي؟ الجواب القصير هو لا.

سوق الخزينة الأمريكية ضخم ومتشابك بشدة مع بقية العالم (وهذا هو السبب في أن التخلف عن السداد سيكون سيئاً للغاية). هناك 23.9 تريليون دولار من سندات الخزانة المستحقة، ويمتلك الأجانب 7.5 تريليون دولار (31%) من تلك الكومة. وبلغ متوسط التداول اليومي العام الماضي 600 مليار دولار. من الناحية العملية، هذا يعني أنه من السهل على الشركات الكبيرة والحكومات الاحتفاظ بأموال الخزينة بأي مبلغ، والتداول بكميةٍ كبيرة بسرعة، والحصول بسهولة على الضمانات التي تحتاجها للاقتراض أو التخلص منها.

ليست سوق السندات الحكومية الصينية كبيرة بما يكفي، ولا تتمتع بالسيولة الكافية، وليست متكاملةً بما يكفي مع بقية العالم لتحل محل سندات الخزينة الأمريكية. وفقاً لبعض الحسابات، فإن القيمة الإجمالية لسندات الحكومة الصينية المصدرة (3.3 تريليون دولار) أقل من نصف قيمة سندات الخزانة الأمريكية التي يحتفظ بها الأجانب.

تبلغ الحيازات الأجنبية من السندات الحكومية الصينية 340 مليار دولار فقط، أي 1 على 20 من حيازات الخزانة في البلاد. يبلغ حجم التداول اليومي لسوق السندات الحكومية الصينية 30 مليار دولار، أي حوالي 5% من متوسط سوق سندات الخزينة.

تدويل الرنمينبي

بعد أزمة 2008-2009، ولأن الصين قررت أنها تعتمد بشكل كبير على النظام المالي العالمي الذي يحركه الدولار، فقد حاولت جاهدةً تدويل الرنمينبي. لقد أسفرت جهودها عن القليل من الثمار. يمثل الرنمينبي 2.8% فقط من احتياطيات البنك المركزي الرسمي العالمي (مقارنة بـ60% للدولار الأمريكي و20% لليورو)، وهو رقم لم يتغير كثيراً في السنوات العديدة الماضية. وبالمثل، فهي لا تشكل سوى 2.4% من التجارة العالمية في العملات الأجنبية.

لقد فشلت الصين في تدويل الرنمينبي لنفس السبب الذي جعلها معزولة نسبياً عن الصدمات المالية العالمية: ضوابط رأس المال. لا يزال جلب الأموال من وإلى الصين يتطلب إذناً من بكين. من وجهة نظر الحكومة الصينية، هذا جيد. عندما تسوء الظروف الاقتصادية في الصين، يصعب على المواطنين الصينيين إخراج أموالهم ونقلها إلى الخارج. ومن خلال الحد من كمية الأموال التي يمكن للأجانب جلبها إلى الصين والتحكم في الظروف التي يمكنهم بموجبها إخراجها، تقلل بكين من خطر أن يؤدي الذعر المالي العالمي إلى تدفق ضار لرأس مال المستثمرين الأجانب. نتيجة لذلك، لا يتعين على بكين العمل بجد للحفاظ على الاستقرار المالي المحلي.

تكمن المشكلة في أنك إذا كنت ترغب في إنشاء بديل لسوق الخزينة الأمريكية -وللعملة الأساسية في العالم، الدولار الأمريكي- فعليك قبول هذه المخاطر. يحتاج المستثمرون الدوليون إلى الشعور بالثقة في قدرتهم على استثمار المبلغ الذي يريدون في سنداتك، وأن قيمة هذه الحيازات ستبقى مستقرة نسبياً، وأن بإمكانهم صرف النقود وقتما يريدون دون أي عقوبة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي