من المستفيد من إطالة الحرب في أوكرانيا.. موسكو أم كييف وحلفاؤها؟

متابعات الامة برس:
2023-01-23

يرى كثير من الخبراء الغربيين أن التهديدات الروسية بالتصعيد والحرب النووية مبالغ فيها، ويزعم بعضهم أن هذه التهديدات فقدت مصداقيتها (ا ف ب)

مع الضغط الأمريكي على ألمانيا لتوريد دبابات ليوبارد لأوكرانيا بينما تتجنب واشنطن تزويدها بدبابات أبرامز، تبدو الحرب مرشحة لأن تطول وتتسع، الأمر الذي يثير تساؤلاً، مفاده: من المستفيد من إطالة الحرب الأوكرانية، هل هي روسيا أم أوكرانيا وحلفاؤها، أم أن هناك أطرافاً بعينها ترى في ذلك مصلحة لها؟

يرى تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، أن من مصلحة الغرب ومصلحة الأوكرانيين أن يتجنبوا مسار الحرب طويلة الأمد في أوكرانيا. فهناك خط بارز يفصل بين مساعدة الغرب لأوكرانيا في الدفاع عن نفسها، من جهة، وتصعيد الحرب إلى حدٍّ يجعلها حرب استنزاف طويلة الأمد، من جهة أخرى؛ والواقع أن إطالة أمد الحرب تجعل الروس أقرب إلى الانتصار فيها.

وذلك بالنظر إلى التكلفة الباهظة للغزو الروسي إنسانياً واقتصادياً وسياسياً، وبالنظر إلى أن المدافعين عن الاستمرار في تسليح أوكرانيا هم أنفسهم من يقولون إن نتيجة الحرب غير واضحة، بل إن بعضهم يرى أن الفوز بها متعذِّر، لكلِّ ذلك فإن الولايات المتحدة يجب أن تقرن مساعدتها العسكرية لأوكرانيا بخطوات ملموسة نحو إرساء الأسس اللازمة لإنهاء الحرب نهاية سلمية. ولعل هذا هو الوقت المناسب، لأن المساعدات الغربية والنجاحات الأوكرانية في ساحة المعركة وضعت كييف في موقف ملائم لبدء المفاوضات.

بعض الساسة الأمريكيين يريدون تزويد كييف بأسلحة بعيدة المدى بهدف إطالة الحرب الأوكرانية

ويقرُّ بعض الخبراء، مثل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، التي تعد خبيرة في الشؤون الروسية، ووزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس، المسؤولين السابقين عن الأمن القومي بإدارة جورج دبليو بوش، بوجاهة الأسباب الداعية إلى إنهاء الحرب، ومع ذلك فإنهما يريان أن السبيل لذلك هو تسليح أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى وغيرها من الأسلحة الهجومية التي يزعمان أنها ستكتب للأوكرانيين الانتصار الشامل على روسيا.

في الوقت نفسه، فإن بعض الخبراء، مثل إيفو دالدر السفير السابق للولايات المتحدة بحلف الناتو؛ وجيمس غولدغير الخبير بمعهد بروكينغز، وإن كان الظاهر أنهما أوعى بعض الشيء بالمخاطر المتصاعدة لاستراتيجية "الهزيمة الكاملة" لروسيا، فإنهما مع ذلك لا يريان أن مسار الحرب الطويلة ينبغي تجنبه بأي ثمن، بل يزعمان أن هذا المسار هو أقرب المسارات للحدوث، وأن على الغرب أن يبذل قصارى جهده لدعم أوكرانيا خلال ذلك.

كييف قد لا تستطيع حكم القرم لو استعادته لأن أغلب سكانه موالون لروسيا

كلا النهجين عواقبه غير محمودة، فنهج "الانتصار الشامل" الذي تحدث عنه غيتس ورايس يستلزم هجوماً واسعاً لاستعادة جميع الأراضي وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2014، وهما مع ذلك لا يريان أن التصعيد عقبة جديرة بأن توقف السعي إلى هذا النصر المشكوك فيه>

فضلاً عن تجاهلهما للصعوبات التي يُتوقع أن تكابدها أوكرانيا في حكم القرم إن تمكنت من استعادة السيطرة عليه، فمعظم سكان القرم مؤيدون للضم الروسي، وغالبية الروس يساندون الدفاع عن شبه الجزيرة مهما كان الثمن.

وقبل ضم القرم من قبل موسكو، كان نسبة الناطقين باللغة الروسية في شبه جزيرة القرم نحو 77 % من السكان.

ومن الخطأ استبعاد احتمال استخدام موسكو للأسلحة النووية

ويملك الكرملين تحت تصرفه كميات كبيرة من العتاد العسكري التقليدي غير المستغل، وأكبر ترسانة نووية في العالم. ولم يستبعد دِميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، استخدام الأسلحة النووية إذا واجهت البلاد تهديداً وجودياً، وحذّر فلاديمير بوتين نفسه مراراً من أن الهجوم على روسيا قد يؤدي إلى رد نووي.

ويرى كثير من الخبراء الغربيين أن التهديدات الروسية بالتصعيد والحرب النووية مبالغ فيها، ويزعم بعضهم أن هذه التهديدات فقدت مصداقيتها.

إلا أن المراهنة على احتمال عدم استخدام روسيا للأسلحة النووية أمر بعيد كل البعد عن الحكمة، لا سيما أن خسارة الرهان ستكون باهظة التكلفة ولا رجعة فيها. ولا يعني ذلك "الاستسلام للابتزاز النووي" الروسي، وإنما توخي الحذر. ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتفق مع هذا المنطق، ولذلك ترددت في تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى.

ويجادل دالدر وغولدغير بأنَّ الغرب يجب عليه الدفع إلى صراع طويل الأمد في أوكرانيا، لأن أياً من الطرفين لن يرضى بالجلوس إلى طاولة المفاوضات قريباً. ويحث الخبيران على استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا، واحتواء طموحات روسيا بإبقاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وعزل موسكو دبلوماسياً، والعمل في الوقت نفسه على عدم تصاعد الصراع.

خسائر البلدين بلغت 100 ألف قتيل، ولكن روسيا لديها موارد بشرية وعسكرية أكبر

على الرغم من المزاعم بأن الحرب الطويلة مع روسيا صفقة رابحة، لأنها تعني إضعاف موسكو دون تكلفة كبيرة على الغرب، فإن الصراع طويل الأمد له عواقب خطيرة واسعة النطاق وجديرة بأن تُبذل المساعي لتُجنبها. فالبيانات العسكرية الأوروبية والأمريكية تشير إلى أن كلاً من روسيا وأوكرانيا قد بلغ عدد قتلاها 100 ألف جندي على الأقل. وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، إن أوكرانيا فقدت ما يقدر بنحو 40 ألف مدني.

تشير هذه الخسائر الكبيرة إلى أن أوكرانيا تعاني تحت وطأة اقتصادها المنهك، وتعتمد اعتماداً كاملاً على الغرب لاستمرار الحياة فيها. وقد تجاوز الضرر الذي لحق بالاقتصاد الأوكراني ما وقع بالاقتصاد الروسي من أضرار.

كما أنها تقصف البنية التحتية الأوكرانية

ويزيد على ذلك أن روسيا تبدو قادرة على مواصلة قصف البنية التحتية الأوكرانية بلا هوادة. ومن ثم، فإن استمرار الحرب يمنع أوكرانيا من إعادة إنشاء البنية التحتية للبلاد، ويحول دون جذب الاستثمار، والتحول إلى ديمقراطية كاملة. وكل ذلك من شأنه أن يعوق بشدةٍ قدرة البلاد على اتخاذ خطوات حقيقية نحو الاندماج في الاتحاد الأوروبي.

علاوة على ذلك، فإن إطالة أمد الصراع بين روسيا وأوكرانيا تستدعي استمرار الاضطرابات الأمنية بين روسيا والغرب، وتفاقم الخلافات بشأن توسيع حلف الناتو ومقتضيات الأمن القومي الروسي، وهو ما يعني انعدام الأمن على المدى الطويل في جميع أنحاء القارة الأوروبية.

العزلة المفروضة على روسيا قد تؤدي لاشتعال الروح القومية مع تفاقم الأزمات بأوروبا

كذلك فإن العزلة المفروضة على روسيا ستزيد من حدة القومية المتصاعدة فيها، وهو مسار لن ينتفع منه إلا رواية الكرملين المناهضة للغرب.

في غضون ذلك، تتعرض أوروبا لأزمة اقتصادية شديدة الوطأة، وتشهد كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا اضطرابات عمالية وموجات احتجاج تعترض على قصور الأجور عن مواكبة الزيادة السريعة في تكلفة المعيشة. وقد اضطرت كثير من المصانع في جميع أنحاء القارة إلى الإغلاق أو إيقاف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.

ويتخوف مسؤولون في الاتحاد الأوروبي من هجرة الشركات إلى الولايات المتحدة، وتراجع التصنيع في الدول الصناعية الكبرى بأوروبا.

ويخشى مسؤولون أوروبيون أن تزيد هذه الضغوط من حدة التفاوت الاقتصادي بين السكان، وتأجيج الشعبوية والاضطرابات السياسية، على نحو ما حدث في بريطانيا والولايات المتحدة. ويمكن أن تؤدي هذه التطورات إلى تفاقم الخلافات بين جانبي الأطلسي، لا سيما أن الولايات المتحدة تضغط في الوقت نفسه على الاتحاد الأوروبي لتقليل تعاونه الاقتصادي مع الصين، وهو أمر لا يستطيع الاتحاد تحمّله في ظل هذه الظروف.

الأمريكيون أقل معاناة من الأوروبيين ورغم ذلك بدأ بعضهم يطالب بتوجه أوكرانيا للتفاوض

من جهة أخرى، يعاني الأمريكيون وطأة التضخم، وإن لم يكن بالحدة التي بلغتها معدلاته في أوروبا. لكن شكوك الناس تتزايد في جدوى استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، لا سيما إذا كان ذلك يعني زيادة تكلفة الغذاء والوقود. وقد كشف استطلاع أجراه "مجلس شيكاغو لدراسات الشؤون العالمية" في ديسمبر/كانون الأول، أن 47% من الأمريكيين يرون أن واشنطن يجب أن تحث كييف على التفاوض من أجل السلام في أقرب وقت ممكن، حتى لو تضمن ذلك فقدانها لأراضيها.

ويختم الموقع الأمريكي تقريره قائلاً: "في غالب الظن ستكون إطالة الحرب الأوكرانية في مصلحة بوتين، لأن روسيا لديها ثلاثة أمثال القوة البشرية لدى أوكرانيا، وشعبها اعتاد التعايش مع هذه المحن الاقتصادية الصعبة، على خلاف كثير من دول العالم الغربي".

ولذلك كله، فإن من مصلحة الغرب إنهاء هذه الحرب، واتخاذ خطوات حقيقية نحو التسوية السلمية في أوكرانيا. والولايات المتحدة هي المخولة بتولي هذا الدور، لأنها أكبر داعم مالي وعسكري لأوكرانيا. وينبغي أن ننتبه خلال ذلك إلى أن مسار السلام يتوقف عليه حياة كثير من الناس ومعايشهم، وكذلك مستقبل الأمن الأوروبي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي