
واشنطن:عكف الأفغان الذين استفادوا من الوجود الأمريكي في أفغانستان على شن هجوم على زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي الخاص السابق للمصالحة في أفغانستان، منذ أن وقع اتفاق الدوحة مع حركة طالبان في 29 شباط/فبراير 2020، والذي مهد الطريق للانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وانهارت حكومة الرئيس أشرف غني بعد أقل من 18 شهرا بعد توقيع الاتفاق ويتهم المواطنون الأفغان خليل زاد، الذي كان يتصرف بالنيابة عن الحكومة الأمريكية- بخيانة الحكومة الأفغانية السابقة ، وتسهيل عودة طالبان للسلطة، ويعتبرون أنه لو لم توقع الولايات المتحدة اتفاق الدوحة، لكانت حكومة غني لا تزال في السلطة الآن.
واعتبر اروين راحي، المستشار السابق لحاكم ولاية بروان الأفغانية، في تحليل نشرته مجلة "ناشونال انتريست" الأمريكية، إن الغضب الموجه صوب الولايات المتحدة بسبب عودة طالبان إلى السلطة غير مبرر وإن كان مفهوما، نظرا لاستفادة شريحة صغيرة من الشعب الأفغاني – وبشكل أساسي المقيمين في العاصمة كابول- من الوجود الأمريكي. وقد تم بالفعل إجلاء العديد من الأشخاص الأفغان الموالين للولايات المتحدة والمقيمين في كابول الذين سهلوا الوجود الأمريكي في أفغانستان - مثل أمراء الحرب السابقين والمسؤولين الحكوميين، والأفغان الذين يحملون جنسية مزدوجة أو خبرة العمل مع الأجانب- بالفعل من البلاد. وهؤلاء الأفغان السابق ذكرهم هم الذين يحاولون صياغة رواية أن الولايات المتحدة بشكل عام وخليل زاد، بشكل خاص، مسؤولان عن عودة طالبان السريعة إلى السلطة.
ورأى راحي أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن الوضع الاقتصادي الإجمالي لأفغانستان قد ازداد سوءا تحت حكم طالبان، الذين لم يتعلموا سوى القليل من دروس أسلوبهم المتشدد في تسعينيات القرن الماضي. وفي الوقت الحالي، يتعرض الأفغان لضغوط العقوبات المالية الأمريكية كما أن بنوكهم أصبحت معزولة عن النظام المالي الدولي. بالإضافة إلى ذلك، بدأ مسؤولو طالبان- في تناقض مع تأكيداتهم السابقة- في فرض قيود صارمة على الفتيات والنساء في مختلف أنحاء أفغانستان. على سبيل المثال، تم منع الفتيات من التعليم الثانوي في معظم الولايات، وتم إجبار مذيعات التليفزيون على تغطية وجوههن على الهواء.
ولا يشعر أي أفغاني عاقل بالسعادة إزاء تفسير طالبان المتشدد للإسلام ومدى القيود التي تفرضها الحركة على الفتيات والنساء الأفغانيات. وقد أعربت هؤلاء الفتيات والسيدات عن معارضتهن للقيود من خلال الخروج إلى شوارع كابول للاحتجاج ضد حركة طالبان. وبالمثل، دعا علماء الدين وزعماء القبائل من مختلف أنحاء أفغانستان طالبان إلى السماح بحصول الفتيات على التعليم الثانوي.
وأكد راحي أن انهيار حكومة غني كان عملية تدريجية، حيث تسببت فيه عوامل خارجية وداخلية وليس مجرد حدث عجلت الولايات المتحدة بحدوثه بشكل مفاجئ في آب/ أغسطس عام 2021. لقد بدأت عملية الانهيار في اليوم الذي غزت فيه الولايات المتحدة أفغانستان وأعادت أمراء حرب فاسدين لديهم سمعة سيئة ومواطنين أفغان لا يتمتعون بالكفاءة أو الأمانة ويعيشون في الغرب لتولي السلطة. وأولئك الذين تابعوا تطورات الأحداث في أفغانستان منذ البداية كانوا يعرفون أن المشروع الأمريكي في أفغانستان سيفشل. وكانت المسألة فقط هي إلى أى مدى سوف يستمر المشروع قبل أن يفشل.
وفيما يتعلق بالعوامل الداخلية التي أدت إلى الانهيار، منذ اليوم الأول، كان هناك قدر ضئيل من الالتزام والأمانة من الجانب الأفغاني. لم يكن للولايات المتحدة حلفاء أو شركاء يعتمد عليهم في أفغانستان. فقد عمل كل من أمراء الحرب ومن يسمون بالليبراليين الذين عادوا من الغرب من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية ومصالح عائلاتهم. على سبيل المثال، بعد انهيار حركة طالبان مباشرة في عام 2001، بدلا من الاتفاق على إطار دستوري لنقل السلطة من كابول إلى حكومات محلية، لضمان المشاركة المدنية على المستوى الشعبي، اتفق أمراء الحرب- على الورق- على وجود حكومة قوية في كابول مقابل حقائب وزارية في الحكومة أو مناصب الحكام. وفي وقت لاحق، ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وحتى نهايته، عندما عزز الرئيس السابق حامد كرزاي قبضته على السلطة، قام بطرد العديد من أمراء الحرب الذين كان يعتمد عليهم في السابق.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الحكومة في كابول مقيدة بالفساد والمحسوبية وقصر النظر. فقد افتقر الحكام في كابول- الذين حصروا انفسهم في حصونهم الصغيرة وسياراتهم المصفحة- إلى الاتصال بالناس العاديين في القرى التي يعيش فيها أغلبية الأفغان. وحاول المسؤولون في كابول معالجة هذه المشكلات بطريقتين. أولا، من خلال مطالبة الولايات المتحدة بالمزيد من الأموال. وثانيا، من خلال إلقاء اللوم على دول الجوار في الفوضى التي تعاني منها أفغانستان. وقد كان انتقاد دول الجوار ، الموجه بشكل خاص صوب باكستان، أداة يستخدمها المسؤولون الأفغان الذين يسعون إلى صرف الانتباه عن عدم كفاءتهم وحشد الدعم المحلي، لعقود.
وفيما يتعلق بالعوامل الخارجية، فهي إما أن الولايات المتحدة كانت تعرف القليل عن أفغانستان أو اختارت عن عمد تجاهل الحساسيات العرقية والقبلية واللغوية هناك. وفي دولة تعاني من الانقسام، أقامت الولايات المتحدة شراكة مع طرف واحد- وهو التحالف الشمالي المناهض لطالبان - الذي سعى قادته إلى تحقيق مصالحهم الشخصية والعائلية في الحرب الأهلية التي استهدفت الإطاحة بالطرف الآخر ، وهو طالبان. زاد الطين بلة، رفض الولايات المتحدة لرغبة طالبان في إلقاء أسلحتها مقابل خروج آمن ومشرف من الساحة السياسية والعسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت معظم المشروعات، المدنية والعسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة والمقاولون المتعاونون معها إما قصيرة الأجل (مثل بناء مدارس بمواد بناء منخفضة الجودة وعدد قليل من المعلمين) أو تفتقر إلى نتائج ملموسة (إخفاق الجيش الوطني الأفغاني). فقد اعتمد الجيش الوطني الأفغاني، منذ تأسيسه وحتى نهايته، على الدعم الأمريكي المستمر للحصول على الوقود والذخيرة وقطع الغيار والرواتب. وكان الإنجاز الوحيد للجيش الوطني الأفغاني هو تقديم عدة مئات من الجنرالات الذين يعانون من البدانة والذين بدورهم تورطوا في فساد أخلاقي ومالي على كل المستويات.
وقال راحي، إن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية لأنها عينت حكومة عاجزة وفاسدة، كان مصيرها الفشل منذ البداية، ودعمتها بوسائل وممارسات مشكوك فيها لمدة عشرين عاما. إلا أن القول إن الولايات المتحدة سلمت السلطة مباشرة إلى حركة طالبان وأن طالبان نفسها لم تقاتل لاستعادة السيطرة على أفغانستان هو خطأ فادح في قراءة الإخفاق التام الذي حدث.
ورأى راحي أن حكومة الرئيس غني، سواء باتفاق الدوحة أو بدونه، كانت في طريقها للانهيار بمجرد انسحاب الولايات المتحدة. ولم تكن هناك مقاومة عسكرية يمكن أن تمنع طالبان من استعادة السيطرة على أفغانستان بقوة السلاح. كما أن المجموعة الأخرى من الادعاءات أن غني سمح، بالتواطؤ مع الولايات المتحدة، لطالبان بالسيطرة على أفغانستان فلا أساس لها، مثلها مثل إلقاء اللوم على الولايات المتحدة لتسليمها أفغانستان إلى طالبان. وإذا كانت طالبان قد سيطرت على أفغانستان نتيجة لمؤامرة بين الولايات المتحدة وغني، وليس بسبب قوتها العسكرية، فلن يكون من الصعب على الخصوم المسلحين لطالبان – مثل ما يسمى بجبهة المقاومة الوطنية- إن يطيحوا بها من السلطة بسهولة، إذا كانت طالبان تفتقر إلى القوة العسكرية التي تسمح لها بالتمسك بالسلطة. وعلى أي حال، فشلت جبهة المقاومة الوطنية حتى في السيطرة على مقاطعة واحدة.
واختتم راحي تحليله بالقول إن أفغانستان اليوم ليست في وضع مثالي أيضا، معتبرا أن أفغانستان أصبحت سجنا مفتوحا بالنسبة للفتيات والنساء، اللائي لديهن أهداف ويرغبن في التميز في حياتهن. وربما يعاني العديد من الفتيات الأفغانيات الصغيرات، اللائي حرمتهن طالبان من الذهاب إلى المدرسة وفرضت عليهن قيودا لأغراض العمل، من الاكتئاب. والمواطنون الأفغان، أنفسهم أكثر من أي جهة أخرى، يتحملون المسؤولية عن الوضع الحالي المحزن للبلاد. وأضاف راحي" نحن الأفغان لم نكن أمناء مع أفغانستان أومخلصين لها وأردنا أن تقوم قوة غازية أجنبية بإصلاحها وبنائها لنا".