تقرير: فرنسا تنزلق نحو الهمجية والفوضى

د ب أ- الأمة برس
2022-11-10

تعتبر الحدود بين فرنسا والدول الأوروبية الأخرى مفتوحة، مما يسهل التسلل من خلالها، كما هو الحال مع باقي الحدود الأوروبية (أ ف ب)

باريس: أثارت الجريمة المروعة التي وقعت في فرنسا الشهر الماضي للطفلة "لولا"، ورد فعل المسؤولين وزعماء الأحزاب عليها، الجدل بقوة في البلاد بشأن المهاجرين، الشرعيين وغير الشرعيين، في البلاد، وتأثيرهم على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وموقف الحكومة الفرنسية منهم.

وقال الدكتور جاي ميلييه، الأستاذ بجامعة باريس، ومؤلف 27 كتابا عن فرنسا وأوروبا، في تحليل نشره معهد جيتستون الأمريكي إنه جرى العثور الشهر الماضي على جثة "لولا"، التي تبلغ من العمر 12 عاما، داخل صندوق بلاستيك على رصيف أحد شوارع شرقي باريس. وسرعان ما قاد الشهود والبصمات وكاميرات المراقبة إلى القبض على فتاة مهاجرة، اعترفت بجريمتها، التي تقشعر لها الأبدان، وقالت إنها لا تشعر بالندم على الإطلاق.

وأشار ميلييه إلى أن الفتاة/ 24 عاما/قدمت إلى فرنسا بتأشيرة طالبة، ولم تغادر بعد انتهائها عام 2018. وألقت الشرطة القبض عليها فعلا في آب/أغسطس الماضي، وصدر أمر بمغادرتها- ثم تم إطلاق سراحها. ويقول ميلييه لو كان قد تم ترحيلها، لما كانت لولا فارقت الحياة.

وقالت ماري لوبان، زعيمة التجمع الوطني، اليميني المتطرف: "ما كان يجب أن تكون المشتبه بها في هذا الفعل الهمجي على أراضينا... كثير من الجرائم والاعتداءات يرتكبها المهاجرون غير الشرعيين، الذين لا نريد، ولا نستطيع، إعادتهم إلى أوطانهم."

وقال إريك سيوتي، المسؤول البارز بحزب الجمهوريين:" هذا التراخي ضد الهجرة يثير حفيظتي."

وبدلا من أن تقر الحكومة الفرنسية بأوجه النقص في إجراءات الشرطة والتعهد بتعزيز الأمن، أعربت عن عزائها لوالدي الضحية. والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوالدي الطفلة في لقاء قصير، ولم يتفوه بكلمة علنا، ولم يتم الإعلان عن أي قرارات سياسية تتعلق بالهجرة غير الشرعية وعلاقتها بتنامي الجريمة في فرنسا، ولن يحدث ذلك.

وقال محام يدعى جيلز-ويليام جولدنادل، إن الحكومة الفرنسية فضلت الصمت حتى لا يتطرق أحد إلى سياستها المتراخية تجاه الهجرة، وتداعيات ذلك. وأضاف أنه كان من الضروري مواجهة الموقف بشكل عاجل، وعدم تجاهله.

وتعتبر الحدود بين فرنسا والدول الأوروبية الأخرى مفتوحة، مما يسهل التسلل من خلالها، كما هو الحال مع باقي الحدود الأوروبية، ولذلك يتمكن مئات الآلاف من الدخول سنويا، ويذهب كثير منهم إلى فرنسا ليبقوا هناك. ويستفيد هؤلاء بمساعدات مالية وخدمات صحية مجانية، لا يتمكن الفرنسيون الفقراء من الحصول عليها.

وفي عام 2020، صدر حوالي 107 آلاف و500 أمر لمهاجرين غير شرعيين بالمغادرة، وتم تنفيذ أقل من 7% منها فقط.

وأشار ميلييه إلى أن المهاجرين غير الشرعيين، يقترفون حوالي نصف الجرائم التي تقع في فرنسا، مستشهدا بكتاب "النظام الضروري"، الذي نشره مؤخرا قائد شرطة باريس السابق ديدييه لالمان، والذي أكد أن المهاجرين غير الشرعيين ارتكبوا حوالي 48% من الجرائم التي شهدتها باريس في 2021. وهي جرائم مروعة، تماما كما في حالة "لولا"، وتقع بصفة شبه يومية.

ويعيش الفرنسيون الآن مناخا من العنف العام، ويتحدث طبيب نفسي يدعى موريس برجر عن "عنف غير مبرر"، أي عنف لمجرد الاستمتاع بالعنف، ويقول إن في فرنسا، يقع حادث عنف غير مبرر، تنجم عنه إصابة أو قتل، كل دقيقتين، في المتوسط. والضحايا دائما من أصحاب البشرة البيضاء، والمعتدون من المهاجرين.

وتعتقد أغلبية كاسحة من الفرنسيين أن المستقبل سيكون أسوأ من الحاضر. وأظهرت نتائج استطلاع في نيسان/أبريل 2022 أن 77% من الفرنسيين على يقين من أن بلادهم لن تستطيع التغلب على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية. وكشف استطلاع آخر في أيلول/سبتمبر 2022 أن 67% من الفرنسيين يعتقدون أن الظروف العالمية سوف تسوء بسبب التغير المناخي، وأن لا مستقبل لكوكب الأرض.

وكتب عالم الاجتماع جيروم فوركيه، في كتابه " الأرخبيل الفرنسي" الصادر في 2019 عن "انهيار عصبي جماعي" في فرنسا، وعن "انهيار" المجتمع الفرنسي، حيث يرى أن الثوابت التاريخية والدينية للفرنسيين في طريقها للزوال: فالكنائس خاوية، ولا يتم تدريس المراحل المهمة من تاريخ البلاد في المدارس. وأضاف فوركيه أن المسلمين الفرنسيين، على النقيض من ذلك، يحتفظون بثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما يتراجع معدل اندماجهم في المجتمع الفرنسي.

ومن الناحية الاقتصادية، تشهد فرنسا تراجعا، حيث كان إجمالي الناتج المحلي للبلاد الخامس عالميا في 1980، واليوم صار العاشر. كما تراجع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي من الخامس على المستوى العالمي إلى الثاني والثلاثين. وانخفض ثقل فرنسا في الاقتصاد العالمي من 4ر4% في 1980 إلى 3ر2% حاليا. وفرنسا ضمن الدول الأوروبية التي تفرض المعدلات الأعلى من الضرائب على سكانها، والتي شكلت 2ر45% من إجمالي الناتج المحلي في 2022. كما أنها صاحبة أعلى معدل للإنفاق العام في العالم المتقدم (9ر57% من الناتج المحلي في 2022)، ويذهب جزء متزايد من الإنفاق العام لتقديم مساعدات للمهاجرين، شرعيين وغير شرعيين.

ورغم ذلك، فإن الضرائب غير كافية لدفع النفقات العامة، ولذلك تتزايد الديون الداخلية في فرنسا على نحو سريع. واندلعت احتجاجات أصحاب السترات الصفراء في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، ضد ارتفاع أسعار الوقود، واستمر الحال حتى اندلاع جائحة كورونا. وكان في فرنسا في ذلك الحين 3ر9 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر (أي على دخل أقل من 1063 يورو شهريا)، وأظهرت استطلاعات أن مئات الآلاف من الأسر تعاني من سوء التغذية.

وأعلنت الحكومة الفرنسية الإغلاق لمكافحة الجائحة، مما ساعد في القضاء على احتجاجات "السترات الصفراء". واستمر الإغلاق، والذي كان ضمن الأشد صرامة في أوروبا، حتى أيام قليلة قبل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، في شهر نيسان/أبريل 2022. وقد عانى الاقتصاد الفرنسي بقوة جراء الإغلاق، حيث زاد عدد الفقراء إلى 12 مليونا (46ر18% من السكان). وأغلقت حوالي تسعة آلاف شركة أبوابها في الربع الثالث من 2022، وأعلنت 160 ألف شركة إفلاسها خلال النصف الأول من العام.

وفي كتابه "الانتحار الفرنسي"، الصادر في عام 2014، كتب إريك زمور، عندما كان لا يزال صحفيا، أن فرنسا تحتضر، ودعا على نحو عاجل إلى اتخاذ قرارات شجاعة وجوهرية. وقال إن هذه القرارات مسألة حياة أو موت لفرنسا، وقد خاض الانتخابات الرئاسية في 2022، وفاز، بـ 3ر7% من الأصوات، فحسب.

وتقول الكاتبة سيلين بينا إن جريمة الصبية "لولا"، وردود فعل قاتلتها عقب ارتكاب الجريمة، ومحاولة الحكومة فرض حالة من الصمت على الحدث، كل هذا يمثل خطوة أخرى على طريق انزلاق فرنسا نحو الانهيار، والوحشية والفوضى.

وكتبت بينا: "إن الشعور بأن قادتنا يعيشون حالة من الانكار، ولا يستطيعون اتخاذ قرارات قوية وفعالة، وهي ضرورية لضمان حماية السكان، أسوأ من تصاعد الهمجية، التي تتفشى عندما لا تدرك السلطات كيف تصبح ضامنة للقانون والنظام."










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي