
واشنطن: إذا كان تحالف كواد (الحوار الأمني الرباعي) بين الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابانأن يريد أن يمضي قدما ويتطور كحوار استراتيجي أو ربما أكثر من ذلك، فقد حان الوقت لأن يدعم كل أعضائه الهند بشكل لا لبس فيه.
وقال الدكتور مايكل روبين، الباحث المقيم بمعهد "أمريكان انتربرايز" في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إنه لمدة عقود طويلة وخلال حكم عدد من الإدارات الأمريكية، أهملت الولايات المتحدة الدبلوماسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد كشف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عن هذه الحقيقة عندما سعى إلى إعادة تحديد"محور إلى آسيا"، وهي مبادرة انطوت على حدوث إهمال سابق. كما تظهر إعادة إطلاق الرئيس الحالي جو بايدن للمحور عدم نجاح أوباما في مسعاه. إن الأمر الذي أنقذ الولايات المتحدة أكثر من مرة رغم إهمالها الاستراتيجي في آسيا والمحيط الهادئ هو سلوك الصين المتغطرس في المنطقة، سواء كان ذلك تعدي بكين على الحدود الهندية والبوتانية والنيبالية، والاستيلاء على شعاب مرجانية وجزر مرجانية تنتمي إلى الفلبين ودول أخرى في بحر الصين الجنوبي، أو تنمرها على سريلانكا في جنوب شرق آسيا.
ورأى روبين أن السلوك العدواني للرئيس الصيني شي جين بينج في الوقت الحالي لم ينه فحسب النقاش في واشنطن بشأن ما إذا كانت الصين يمكن أن تكون شريكا، لكنه ساعد أيضا في تعزيز الشراكات القائمة وتقوية شراكات جديدة. وقد كان هذا هو الوضع بالتأكيد في تحالف "أوكوس" العسكري (الذي يتكون من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا) والحوار الأمني الرباعي الذي يعرف باسم "كواد" وهي شراكة استشارية تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.
واعتبر روبين أن هناك حماسا واسع النطاق داخل الولايات المتحدة لحوار كواد. وبينما كانت أستراليا واليابان من الحلفاء الأقوياء للولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند تشهد توترات. وقد رفض أول رئيس وزراء للهند جواهر لال نهرو طلب الرئيس الأمريكي هاري ترومان لإبرام تحالف وفضل أن تلتزم الهند بسياسة عدم الانحياز.
وفي عام 1950، قامت جمهورية الصين الشعبية بقيادة ماو تسي تونج بغزو التبت. وبينما لم تطالب السلطات الصينية، سواء الجمهوريين أو الشيوعيين، من قبل بأحقيتها في السيادة على أراضي هندية، عكست حكومة ماو مسارها. وباستخدام أسلوب أصبح شائعا بعد ذلك بعقود، شيد الصينيون طريقا عبر أراض ليست تابعة لهم بوضوح من أجل استغلال الطريق كجزء من مطالبتهم بالسيادة على المنطقة وأيضا لتسريع حركة القوات. وفي عام 1962، غزت جمهورية الصين الشعبية الهند من أجل الاستيلاء على منطقة أكساي تشين، وهي من الناحية السياسية، كانت جزءا من الشطر الهندي من إقليم كشمير لمدة قرن.
وقد اختار ماو وقت الهجوم بشكل ممتاز، حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في وسط أزمة الصواريخ الكوبية، لذلك لم تتمكن الهند من الاستفادة من علاقاتها الجيدة تقليديا مع الاتحاد السوفيتي. كما هيمنت الصين على الهند لوجيستيا، حيث هاجمتها من جبهتين يفصل بينهما أكثر من 600 ميل. وعندما انتهى القتال كانت الصين قد احتلت منطقة تبلغ مساحتها 15 ألف متر مربع، تتجاوز مساحة ولاية ماريلاند الأمريكية.
واعترفت إدارة الرئيس كينيدي بالصين كطرف معتدي وأكدت ذلك صراحة إلا أنها لم تترجم خطابها إلى أفعال. وتراجعت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والهند في أعقاب تواصل الرئيس ريتشارد نيكسون مع الصين. وخلال رحلة سرية قام بها مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر إلى الصين ثم قيامه بزيارة أخرى بعدها في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1971، عمل هو ورئيس الوزراء الصيني آنذاك شواين لاي على تحسين العلاقات بسبب استيائهما المشترك من أنديرا غاندي ، رئيسة وزراء الهند، أكبر دولة ديمقراطية في العالم. كما تسبب عدد من الحوادث الأخرى في زيادة توتر العلاقات، واعتبرت الهند الجهود الأمريكية لتعزيز العلاقات مع باكستان إهانة لها.
وبعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية، بذلت إدارة الرئيس جورج بوش جهودا منسقة لإصلاح وتعزيز العلاقات الثنائية مع الهند. وعلى عكس مبادرات أخرى، حظيت الرغبة في تحسين العلاقات بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي واستمرت إلى ما بعد ولايتي بوش. كما عمل أوباما على تنمية العلاقات، وهو جهد استمر رغم مخاوف الكونجرس ووزارة الخارجية والجالية الأمريكية الهندية إزاء السياسة الشعبوية التي ينتهجها رئيس الوزراء ناريندرا مودي وعدم التسامح الديني بين بعض الفصائل في حزبه. ثم جاء الرئيس دونالد ترامب، وهو نفسه رئيس شعبوي، حيث تقرب من مودي وأحبه. ويواصل الرئيس بايدن حاليا تعزيز العلاقات، في الوقت الذي تثير جهوده لاسترضاء باكستان الدهشة.
وأوضح الباحث الأمريكي روبين أنه اتيحت له فرصة في الأسابيع الأخيرة للتحدث إلى كبار مسوؤلي الدفاع في الهند والتجول في مناطق بالقرب من "خط السيطرة الفعلي" بين الهند والصين في لاداخ. وبينما يركز المجتمع الدولي على عدوان صيني محتمل عبر مضيق تايوان ، فإن تحركات الصين تجاه الهند يمكن أن تكون بنفس الخطورة، حيث تنازع بكين السيادة الهندية أيضا في ولاية أروناتشال براديش.
ورأى روبين أن علم السكان أمر مهم، مشيرا إلى قول زميله نيكولاس إبرستادت، الباحث أيضا بمعهد "أمريكان انتربرايز" إن جيش التحرير الشعبي الصيني هو جيش من جنود كل منهم كان ولدا وحيدا، أما الجيش الهندي، في المقابل، يضم مجندين من عائلات ربما يكون لديهم ثلاثة أو أربعة أبناء. ومع تجاوز الصين ذروة الزيادة السكانية، أصبح الوقت لصالح الهند. وتدرك بكين هذا وتسعى للتحرك قبل أن تتآكل الأفضلية العددية التي تمتلكها.
وبالتأكيد، تدرس نيودلهي مثل هذه الحسابات أثناء تفكيرها الجماعي في وضعها الدبلوماسي ومستقبل حوار "كواد". وبينما يرى الأمريكيون وربما أعضاء آخرين الحوار كأساس لتعاون عسكري في المستقبل، فإن الخبراء الاستراتيجيين الهنود أقل ثقة في هذا. وربما يرجع جزء من هذا إلى عدم الثقة منذ الحرب الباردة، ولكن بعض التحفظ ربما يكون بسبب عدم الاحترام الذي يشعر به البعض في نيودلهي من جانب عضوي كواد، أستراليا واليابان.
وعند دراسة خرائط الهند التي تستخدمها كل دولة من الأعضاء في حوار كواد، يتضح أن خرائط الهند لدى الولايات المتحدة، مثل خريطة تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية، توضح سيادة الهند على أكساي تشين، ولا تظهر السيادة الصينية عليها على الرغم من أنها تظهر الحدود وخط السيطرة الفعلي بشكل منفصل. من جهة أخرى، تظهر خرائط نشرتها الحكومة الاسترالية أن أكساي تشين جزء من الصين بالفعل. وهذا هو نفس الوضع بالنسبة لوزارة الخارجية اليابانية. وربما يفكر عدد قليل من الدبلوماسيين في واشنطن أو كانبيرا أو طوكيو بشأن مثل هذه الخرائط. ولن يساعد الرفض المتعجرف للمخاوف الهندية، في تقدم حوار كواد، لكنه بدلا من ذلك، سيعزز التصور بأن الولايات المتحدة وأستراليا واليابان لا تقدر بشكل كامل المخاوف الأمنية للهند أو وقوعها ضحية في السابق للصين (وأتباعها).
واختتم روبين تقريره بالتأكيد على أنه لكي يتقدم حوار كواد الرباعي ويتحول إلى حوار استراتيجي، وربما ما هو أكثر من ذلك، فقد حان الوقت ليس للولايات المتحدة فحسب ولكن أيضا لأستراليا واليابان أن تؤكد دعمها للهند بشكل في غاية الوضوح. وهذا يعني، عمليا، الاعتراف المشترك أن منطقة أكساي تشين أرض هندية محتلة وكذلك جزء من لاداخ مثل مدينتي كارجيل ولياه. ولا يجب أن تظهر خرائط كل دول كواد هذه الحقيقة فحسب ولكن يجب أن تظهرها سياساتها أيضا. ويجب أن تنتهي الأيام التي يمكن أن يتعامل فيها رجل مثل كيسنجر مع أكبر ديمقراطية في العالم كشريك أصغر.