هل قضت حرب روسيا في أوكرانيا على منظمة معاهدة الأمن الجماعي؟

د ب أ- الأمة برس
2022-10-25

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

واشنطن: يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن وضع روسيا كدولة كبرى يعتمد على مقدرتها على العمل كدولة مهيمنة في المنطقة بالنسبة لدول أوراسيا ما بعد العهد السوفيتي. وقوة روسيا الرئيسية في المنطقة هي في كونها ضامنة للأمن.

ويقول المحلل السياسي اليكسندر جيل، المتخصص في شؤون الأمن والعلاقات الدولية، إن منظمة معاهدة الأمن الجماعي )CSTO) تؤكد ذلك الدور وتتيح لموسكو الحفاظ على نفوذها الإقليمي من خلال توفيرالضمانات لأعضائها ضد مختلف التهديدات. وعلاوة على ذلك، تطمح موسكو إلى أن يكون التحالف حلفا مساويا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تقوده روسيا.

ويضيف جيل في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية أنه مع ذلك فإن دول التحالف الأعضاء الست، أرمينيا، وبيلاروس، وكازاخستان، وقيرغزستان، وطاجيكستان، وروسيا، تواجه مشكلات تهدد بجعله عديم الفعالية تماما. فبينما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى دعم حلف الناتو، كان له تأثير معاكس تماما بالنسبة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي امتنع معظم أعضائها عن دعم روسيا بأي طريقة مجدية.

وهناك قضايا أخرى كثيرة، فقد أسفرت مواجهة أرمينيا الشديدة الأخيرة مع أذربيجان عن رد فعل فاتر من جانب أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي ليس لديها استعداد لتقديم الدعم العسكري لأي دولة حليفة تتعرض لهجوم. وفي الوقت نفسه، تعتبر طاجيكستان وقيرغزستان، وهما دولتان من أعضاء المنظمة، كل منهما عدوا للأخرى، وتصارعتا بعنف بشأن الحدود غير المحددة جيدا بينهما.

ويقول جيل إن التفضيل الجغرافي الاستراتيجي لموسكو هو أن تعترف الدول السوفيتية السابقة في محيطها بأن روسيا هي الدولة المهيمنة في المنطقة. ومع ذلك، فإن الدول أعضاء المنظمة، باستثناء بيلاروس، لم تعمل كدول عازلة متوافقة، كما اتضح من عدم دعمها لروسيا بالنسبة لأوكرانيا.

وفي أثناء قمة في أيار/ مايو الماضي، دعا رئيس بيلاروس اليكسندر لوكاشينكو، وهو حليف مقرب لبوتين، منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى العمل كـ" جبهة موحدة" لتكون قوة شرقية موازنة للناتو. ولاشك أن هذا يعكس رغبة بوتين في أن يكون هناك" ناتو أوراسيا"، أو إحياء متواضع لتحالف على غرار حلف وارسو. ولكن أعضاء المنظمة استطاعوا البقاء بعيدا عن موسكو فيما يتعلق بقضية أوكرانيا، رغم أن هناك درجات متفاوتة من الاعتماد على البنود الأمنية والعلاقات الاقتصادية الروسية.

وأوضح جيل أنه لم تعترف أي دولة من دول المنظمة بجمهوريتي لوهانسك، ودونيتسك الانفصاليتين اللتين ضمتهما روسيا إليها. وحتى بيلاروس لم تعترف بهما رسميا ولكنها أصدرت بيانا يدعم قرار روسيا.

وبخلاف الرغبة في تجنب أي انتهاك للعقوبات الغربية، تمتنع دول المنظمة إلى حد كبير عن دعم الغزو الروسي بسبب المخاطر بالنسبة لسيادتها. فمثل أوكرانيا، كانت كل دولة عضو في المنظمة دولة سوفيتية سابقة. وتجاهل روسيا التام لاستقلال كييف لا يجعلها تشعر بالاطمئنان بأن بوتين قد لا يحاول أيضا تقليص استقلالها. ومن ثم فإن إعلانها عن دعمها للعمليات العسكرية الروسية يتناقض مع مصالحها الأمنية.

وأثبتت منظمة معاهدة الأمن الجماعي عدم فعاليتها مما دفع إلى تجمع متظاهرين في عاصمة أرمينيا للمطالبة بانسحاب بلادهم منها. ومن الأمثلة القليلة التي تصرفت فيها المنظمة بحسم إرسالها قوات إلى كازاخستان في مطلع العام الحالي عندما شهدت اضطرابات داخلية وطلب رئيسها المساعدة من المنظمة للتصدي للمتظاهرين ومثيري الشغب الذين وصفهم بأنهم" رجال عصابات وإرهابيين."

وعلى أية حال، تعاني منظمة معاهدة الأمن الجماعي عموما من الافتقار إلى هدف واضح. والخطأ الرئيسي بالنسبة لها هو أن المصالح الاستراتيجية لاعضائها متباعدة كثيرا للغاية مما يحول دون تصرفها بطريقة موحدة. ويعتبرعدم قيام تحالف بالتصدي للدفاع عن أحد أعضائه- وهو أرمينيا في هذه الحالة- أوضح دلالة على عدم كفاءة المنظمة. ومن المحتمل أن تفاقم الخلافات بين الدول الأعضاء والتي أسفرت عن مواجهات مسلحة يمكن أن تؤدي لاندلاع حرب، الشلل الاستراتيجي للمنظمة. كما فشل التحالف في أن يكون وسيلة لاستعراض قوة روسيا. ولم يستطع بوتين، مع بعض الدعم من جانب لوكاشينكو اجتذاب أي دعم دبلوماسي لحربه في اوكرانيا.

وقال جيل في ختام تقريره إنه رغم هذه القضايا التي تزداد عمقا ليس من المحتمل أن يتفكك التحالف. فوضع روسيا كضامن للأمن مازال يحظى بتقدير بالغ من جانب الدول الأعضاء الأخرى في منظمة معاهدة الأمن الجماعي رغم أن أداء روسيا العسكري السيىء في أوكرانيا يقوض سمعتها. فقد أظهر تدخل المنظمة في كازاخستان إمكانية كامنة لسحق أي معارضة داخلية وهو ما سيحظى بالتقدير من جانب القادة الأكثر ميلا للسلطوية في دول التحالف. ومع ذلك، هناك احتمال بأن تظل منظمة معاهدة الأمن الجماعي منقسمة للغاية مما يحول دون الوفاء بأي مهام خارج حدود الدول الأعضاء فيها. ومما يصيب موسكو كثيرا بالإحباط هو أن احتمالات قيام المنظمة بدور موازن للناتو ضئيلة للغاية.

 










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي