كان للزهرة عقل وللمرأة شمس

2022-10-04

حمزة كوتي

لا أحد يعرف من أين جاءت هذه الفتاة إلى بلدة البلّور؛ عزَفَ لها الجنُّ ورقصت في ساحة مستديرة تحت القمر. قال فتى من حديقة التفّاح إنه سليلُ تلك الفتاة الجميلة؛ جاءت في ليلة مقمرة على سِجّادٍ من قصّة للأطفال.

هنا طاولة. هنا نافذة. من أنت؟ أنا جسد المرآة. فلنتحدّث عن زمن الحصاد. هناك من تقف على حافة الهاوية وتقول هذه رَحِمي. التحية لك أيتها الأغصان العارية. تتألّم فتاة تحت النخلة وتقول النجدة. فلنتحدّث عن حافة الهاوية.

الحياة الجميلة وحدها في قصص التراث. تلك الحياة التي انفصلنا عنها وسقطنا إلى الأبد. الحياة المليئة بالأمل والنهايات الجميلة. لا أحد يعرف كيف تتم سرقة الأحلام ويؤتى بأحلام مزوّرة.

يا عذراء العالم يا فريدا كاهلو. أيتها الإلهة التي تفسِّرُ نفسها بنفسها. أيتها المرأة التي وجهها نقشٌ على زجاج أو جدار الكهف. العالم وجهك متكاثرًا في الجماد والنبات، في الإنسان والغزلان. فريدا. فريدا كاهلو.

سأقيمُ طقوسًا للأيدي المقطوعة والجثث المعلّقة. تمضي هذه السنوات وتدور بنفسها وتديرني؛ وكان للزهرة عقلٌ وللمرأة شمسٌ؛ وعندما نظرتُ من الجسر نسيتُ صورتي في الماء.

لو كانت السماء معي كنتُ أحوّل أرضي إلى كرة حمراء. لكن الجذور التي تؤدّي إلى بيت الخداع كانت مرايا نصعد منها على السلالم ونغرس مكانها نواقيس للعشاء الأخير.

القميص الذي أرتدي قميصُ يوسف؛ والجمال الذي قهرني جمالُ نرسيس؛ وهذه النافذة تخبرني بما حدث في تاريخ العصافير. لقد فقدتُ المعجم وفقدتُ توازني في العالم؛ وأولئك الذين يأتون إلى زيارتي أرواحٌ يريدونني أن أكون همزة وصل بينهم وبين الماء.

يغطّي الضبابُ المدينة. تعبر سيارة. ليس هذا السكون وليس في مرمى البصر شيء غير جدار ينهار وحلم يهرب إلى مهرّبِين يعبرون جسرًا وسدرة في هذا الضباب.

التقيتُ بك في التين والزيتون وأنت تشير إلى الحدائق وتقول هذه لوحاتي التي رسمتُها. التقيتُ بك وكنتُ أريد أن أتعلّم الكتابة باللغة العربية. التقيتُ بك وأنت شقائقُ النعمان.

هناك مدنٌ فيها بيتٌ أحاول أن أدخل فيه. البيت الذي كان لي وما زال يضحك فيه الحجر. هل تريد أن أشمَّ زهرة وأموت من سُمِّها القاتل؛ وإذا كانت الحروب تتكوّن من عشبة وخبزٍ لأصبحت لي مدنٌ من قصف النحل وحنجرة الهاتف.

كان الصوفيون رجالًا سودًا. إنهم رسلُ البحار والسوادُ العظيم. كانوا ينتظرونني في قاربٍ في ليلة مليئة بالدخان؛ وعندما وصلتُ هناك وجدتُ أنهم ذهبوا. أمشي بجسدٍ من الهفوات إلى شاطئٍ مستحيلٍ فيه كتابٌ عن خروج الروح من جسد فتاة قتلها شقيقُها في ليلة مليئة بالدخان.

كان العباقرة يذوبون في كلمة أو حرف النون. الشمسُ حبّة قمحٍ في انفطار الروح وأنت السلامُ والأخبارُ الجديدة. أنت الرياحُ والأمواجُ؛ أنت الكلامُ والصمتُ؛ وتقطعُ الخيولُ الطريقَ إلى قلعة الحشاشين.

صانع الأكواب، المتداخل في متاهات روحه العميقة، وجدناه ميتاً تلقاء المرآة وفي قبضته سكينٌ باردة. طوينا فاصلة صمت حتى تمكّنا من رؤيته. كان طيبًا مثل السكين حين يسنُّها تحت الشمس وتلمع في قبضته القوية. صانع النور، العائم في مياه لم يبلغها بحّارٌ، وجدناه ميتًا تلقاء المرآة.

وجدتُ مقابر جماعية تحت أرضية المنزل، والأخرى تحت أرضية الشارع؛ وعندما وصلتُ إلى الحديقة العامة كانت الأغصانُ عظامًا. أنا محاطٌ بالمقابر الجماعية وكنتُ في الطفولة أقرأ أزهار الياسمين في أنقاض الغجر.

هؤلاء معدومون منذ أربعين سنة وما زالوا معلّقين على الجسر الهلالي. هنا مجنونٌ يطعم الطيور حتى لا تأكل أجسادهم؛ وعندما تأتين معي سأخبرُك عن البغي العجوز. كانت طيبة كالأزهار تحمل تاريخ المقاهي واستطاعت أن توازن بين كَونها أمًّا وبغيًّا. بغيًّا تخون طفلَها الميت في بطنها؛ وأُمًّا تنعى أجساد المعدومين تحت الجسر الهلالي.

عادت إلينا الدنيا تستهين بشأننا؛ الدنيا تستهين بشأننا دائمًا. الدنيا التي لم تعلم عن عالمٍ قيد الإعداد وقد يظهر قريبًا وبقوة. سيكون نَصبٌ للحرية هنا؛ وهنا منصَّة لحرية التعبير.

سأخبرك عن رجل تنبت في سُرّته الحراب. سأخبرك عن ملحِّنٍ يسأل عصفورًا عن سلالم الموسيقى. سأخبرك عن طريق أسلكه كل يوم بين لعنة الطقس وقتل النفس. سأخبرك عن خطاياي التي كانت وشومًا على يد امرأة يرفرف وشاحُها الأسودُ في الهواء.

يمر القطار؛ ويشطر الليل نصفين. يأتي ساعي البريد ويبكي على الرسائل التي فقدها عندما التقى بحبيبته الجميلة. أفتح الباب لجميع السعاة على الأرض، وفي غرفتي متّسعٌ لرسائل ضائعة تبكي مثل العجائز في المقابر العربية.

لا يوجد شيء للبقاء. لا خمرٌ ولا كلمات؛ وكلُّ الشوارع التي تتقاسمها الأفواه لا تقدّم أي شيء جديد؛ سوى رجلٍ يسير عارياً وطفلٍ كفيفٍ وامرأة عجوزٍ تحمل نهرًا جافًا في صدريتها. أنت قادمٌ من الملك والملكوت. أنت شخص يذهب للمقابر.

شاعر من الأهواز








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي