منجز مفعم بالابهار : جمال المجوهر في أعمال المغربي هشام الفقير

2022-08-17

من أعمال الخطاط هشام الفقيرمحمد البندوري *

 

تشكل تجربة الخطاط هشام الفقير محطة مائزة في مجال فن الخط المغربي، وخاصة منه المجوهر الجليل، ليقدم منجزا مفعما بالجماليات التي يتأسس عليها الخط المغربي المجوهر، وهو منجز يتوق من خلاله إلى بعث مفردات فنية، وتكليل رسمه بأبهى الصور الخطية، التي تنبثق أولا من تصميم هندسي ثم يخضعها ثانيا للزوميات أسلوبه، الذي يتناغم مع كل مقومات المجوهر الجليل، ومع كل المفردات الفنية والجمالية من إيقاعات وأشكال وتركيب ونقاط وألوان. ويمزج الفنان هشام الفقير بين أشكال الخط المغربي المجوهر، وأساليبه المتعددة في الوضع والتركيب، وهو المتضلع بفنيات هذا الخط الجميل وضوابطه التي رسخها حميد الخربوشي، من خلال هندسته للمجوهر الجليل، الشيء الذي يساعد الخطاط هشام الفقير على أن يجعل منه إحداثات وصيغا فنية خطية بأسلوب مجوهري متفرد، خاضع لتصاميم هندسية مسبقة.
أعماله في مجملها تحكمها الصيغ الجمالية التي يتحلى بها الخط المغربي، ويحكمها الالتزام بالضوابط التي يحملها كتاب «التجليل في الخط المغربي المجوهر الجليل» لحميد الخربوشي. إذ تعتبر عمليات التركيب الخطي وتركيب الأشكال المدمجة في الفضاء نسيجا كليا مركبا في عمقه تركيبا جماليا مخففا، لا يجهز على المساحات؛ بل يترك للفراغ حيزا لبعث الجمال، وهو ما يؤشر إلى أن الخطاط هشام الفقير لا يحد من حرية الشكل واللون داخل الفضاء، بل إنه يطوع الخط ليتلاءم مع كل مقومات التشكيل المعاصر طبقا لشكل الفضاء وتماشيا مع مختلف الأشكال. فيطوع اللون المناسب للحرف المناسب، ويرسم مساحة جمالية من التناسق بين الأشكال المتنوعة، والخط المجوهر. فيجدد في هذا المجال على قدر ما تطرحه أعماله الخطية من سياقات في التعبير بالثنائيات: التعبير بالخط المجوهر وما يحمله من جماليات ومضامين روحية، والتعبير بالشكل الفني المعاصر، فيضع المادة كليا في مفارقة رائقة تنتهي إلى توليفة لائقة.

 

كما أن الحس الأمازيغي يحضر بحمولته في هذه التركيبة المجوهرية، باعتبار أن المبدع هو أمازيغي فيوظف الحرف الأمازيغي بطريقة مجوهرية صرفة. وهذا ينم عن تجربة المبدع هشام الفقير وعن ثقافته الواسعة التي تعنى بالتصاميم الهندسية والرقمية والخطية، وبالثقافة الخطية والأمازيغية، لذلك فهو يتجه نحو التعبير بهذه الخاصية التي تحدث حركات وتبعث سمفونية رائقة. فهو يبدع في الشكل، وينوع في الكثافة والتموضع داخل الفضاء، وهي مكونات تخصب أسلوب الخط المغربي المجوهر. وهذا من مميزاته وإحداثاته في هذا النوع من الخط، الذي يتجه لا محالة نحو الحروفية المعاصرة إذا تم الاجتهاد فيه أكثر. إنه يتقصد العلاقة بين جماليات الخط المجوهر من داخله، وجمالياته التعبيرية. وفي هذا المنحى نجد نوعا كبيرا من التوازن الإبداعي، حيث يتبدى الانسجام والتوليف بين مختلف العناصر المكونة لأعماله عن طريق انصهار الحروف في الشكل العام، وفي التركيب الدقيق. وهو ما ينم عن بلاغة الخطاط هشام الفقير وعن قدرته الفنية والإبداعية، ومرونته في التفاعل مع الأنماط التعبيرية الحرفية واللونية، وينم كذلك عما قادته إليه تجربته في بعث القيم الجمالية.
إن أعماله في هذا المنحى تحمل خصائص فنية وقيمة نوعية، وذلك ناتج عن استلهامه من عناصر الخط المغربي المجوهر ومن مفردات الفن كل الغايات الإبداعية المفيدة، فهو يتفاعل مع هذا الخط في حركياته وتركيباته واسترسالاته وتدويراته، وفي كل أساليبه التي تتوالف مع المجال الفني. لذلك فهو يدرك عن جدارة عملية توظيف الحرف والنقطة والمساحة واللون في الفضاء بدقة وعناية وضوابط، لينسج الإبداع الفني الرائق، فتتبدى جماليات هذا الخط في أنساق بديعة.
إن تجربة الخطاط هشام الفقير تتحقق في نسيج خطي مغربي له مقوماته الخاصة وأسلوبه المتميز الدال على مرامي جمالية ملأى بالتعابير والمعاني والدلالات، فيضحى قوة رمزية تنعش المجال الفني والثقافي المغربي، وتبرز المجال الحضاري في أبهى صوره. وبذلك فإن أعماله تحمل أبعادا فنية وحضارية ورؤيوية خصبة تشكل في عمقها قيمة جمالية قوامها الخط المغربي المجوهر.

*كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي