السرير… شكرا لهذا الموت

2022-07-16

منصف الوهايبي

إلى رشيدة

مِنْ بيتِنا الريفيّ «بيتِ الماءِ».. لي

هذا المُسجّى.. كنتُ قد أسمَيْتُه يوما سريرا.. تَذْكُرينَ سريرَنا؟

لم تسألي يومًا.. ولا أنا..

إنْ يكنْ من قَيْقبٍ.. من سَوْحَرٍ.. خَشَبٍ.. ومن سَرْوٍ.. وساجٍ..

أو حجرْ

مُتسلّقَيْنِ به عناقيدَ البروق مُبلّليْنِ.. أتَذْكُرينَ؟

كأنّهُ أضلاعُنا.. كبداً وقلباً طائراً..

أرضاً.. ولحماً..

كنتُ أولدُ فيه طفلاً، ثمّ زوجاً؛ ثمّ شيخاً..

والسريرُ صديقُنا الأوفى، نُسِرُّ له المحبّةَ أو نُسِرُّ له الندامةَ..

والسريرُ سريرتي..

ليلي معا..

ليلي معي..

ليلي معكْ

بيتي وتابوتي السريرُ؛ وما أنا اسْتودعْتُه من سرّنا، (اسْتودعتِهِ) واسْتودَعَكْ

والبيتُ؟

هل كنّا بنينا البيتَ من أجل المطرْ؟

٭ ٭ ٭

كنّا كما الأسماك تقفزُ في الرمالِ.. أو المياهِ..

بنا من الأسماكِ بهجتُها..

من الأسماك خفّتُها..

على هذا السريرِ.. أتَذْكُرينَ؟ اليومَ .. مُطّرحٌ به.. من حيثُ أبدأُ.. أنتهي..

اليومَ أقرأ في السرير يديّ طفلا..

ثمّ قلباً طاعناً..

هل صارَ كالصندوقِ لي هذا المُسَجّى؟ صرْتُ أَدْفُنني بهِ؟ أم صرْتُ أُحْرَزُ فيه؟

أحيانًا أقولُ لعلّه فرحٌ كقبركِ.. حيث لا موتٌ، فَيحضرَ مرّة أخرى..

وأحيانًا أقولُ سريرُنا هذا.. حزين مثل عشّ الطير؛ إذ زُغبُ الحواصل طِرْنَ..

كيف تركتني وحدي؟

ولا ماءٌ يُرشُّ عليه.. لا ظلٌّ ولا فيءٌ.. سِوَى

مُتَمَاطِرٍ في النومِ أو في الحلمِ.. مِن حزني عليك تُراهُ؟ أم حزني عليّ؟

له أنينُ مَحارةٍ ورنينُها.. نسْجُ العناكب والطحالبِ؛

وهو يُمطرُ ليلةً.. ويكفُّ أخرَى..

خيطُ ذكرًى من تنهّدِ عاشقينِ.. على سريرِ الماءِ.. أيْبسهُ الجليدُ بياضيَ الأعمى..

وأنتِ بعيدةٌ فقريبةٌ فبعيدةٌ.. جسداً ضباباً..

في رذاذٍ.. في بياضٍ.. في ضبابٍ من شجرْ

٭ ٭ ٭

لوْ تخرجينَ الآن من جَدثِ القصيدةْ

ويدورُ لي هذا الفلكْ

ويدورُ بي

فأقولَ لكْ:

شكرًا لهذا الموتِ علّمني أراكِ إذنْ

وعَلّمني أحبّك أنت أكثرَ

يا رشيدةْ

كاتب وشاعر تونسي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي