لولوة المنصوري تكتب: إنها رحلتنا الخاصة

زهرة الخليج
2022-07-06

لولوة المنصوري تكتب: إنها رحلتنا الخاصة(زهرة الخليج)

بعيداً بعيداً.. أدخلُ كهفَ الخفاء عميقاً، وبشكل سرّيّ، نحو رحلتي وشعاعي والمحبة العظيمة لكل شيء، تبدو رحلتي الخاصة خارجية، غير أنها ذوبان في النور السحيق، والترسبات الجمالية المجهولة لتكويني.. تكوين الأرض.. تكوين الذرّة. 

رحلة فردية خاصة بكل أشكالها؛ لنيل الحكمة والصفاء والانجذاب إلى الإشارات.. رحلة تحرير لرواسب الضجيج، وتخلّص من المشتتات.. رحلة لؤلؤية في رحم الأصداف المنسية والمهمشة والغائبة.. رحلة في المركب الفارغ من النهر اللامتناهي في الحياة.

أحاول تتبُّع رحلتي بتوازن؛ كي لا تذرني بلاد الرّياح نحو الانبهار الشّكليّ بالصورة، أُبعد هاتفي المحمول؛ كي لا أنشغل بالآخرين خارج عالمي.. داخل قائمة الأسماء، الساكنون كالجيران في تفاصيل حياتنا الآنية، المتتبعون لاستعراضنا الزائف للرحلات، والمتلصصون على نموّ أرواحنا أيام الغياب والبحث عن المعنى، لقد اعتدنا وجودهم؛ كأنهم سببٌ للتدفق نحو الرّحلة، ونيل المتعة. 

رحلتي تجربة سريّة أمتلئ من نعيمها في الخلوة.. رحلتي في جذرها هروب من عالم الشكل والصور والاستعراض، فكيف بي وأنا في غمرة نشوة الرّوح أعود إلى ذلك النّبض المعاكس لوريدي النَّهريّ. 

خُلِقت لنا الرَّحلات الروحية لننمو داخلياً بها، وتنمو بداخلنا، وتنساب للآخرين بالتدوين الممزوج بالخيال، تولدُ في كتاب رَحَليّ عميق وممتع، سينتمي بلاشك إلى أدب الرحلات. 

أُفكّر.. لماذا اضمحلَّت كتابات الرحلات، وتسطّح بعضها؟

هذا الأدب الذي هو في حقيقته اكتشاف وكشف متفرّد، وانثيال نحو المجهول والغامض والغائب، بات اليوم يُختَزَل في صور مباشرة لأمكنة سهلة، ومزارات متعارف عليها عالمياً. 

لماذا لم يعد رحّالة اليوم يخزّنون أفكار رحلاتهم بالمدونات التأملية البحثية، والاكتشافات التي تُغْني منابع كتابة الرّحلة في صلادة مضمونها، وأصالة وجودها بين أشكال الأدب الأخرى؟.. لماذا يكتفون بتخزينها فقط، وفق صور في صفحات التواصل الاجتماعي، هل نضبت الكلمة الرّحلية؟ 

هل نتهافت على السفر لأجل أن نُوثّق الرّحلة بصورة وعبارة عُجالية، وفي نقلٍ استعراضيّ مباشر، وبتلاحق ولهاث؛ كأننا مراسلو الأخبار التلفزيونية من موقع الحدث؟

ثم أين تكمن فرادة التجربة والانجذاب والتخلُّص من الخارج؟

أفكّر، أخيراً، بمحاولة التخلي عن ابتذال الرّحلة، التخلص من الإدمان على المادة الإلكترونية في حقيبة يدي، التي في واقعها مصدر استلاب واستنزاف، ليتني تناسيتُ عمداً هاتفي المحمول في الفندق، وخرجتُ لاحتضان الشمس والكائنات وحدي، لن أؤذي الأمكنة بالنشر الفوري عنها، وإنما سأحفظها في ذاكرتي، وأوثق ملاحظات عبوري ريثما أعود إلى البيت، نعم سأخلّد رحلتي في الإبداع والتأليف، إما بفصل روائي أو بجمل شعرية.. لا أدري، أو ربما أترك ما رأيتُ من دهشة، تأخذ مداها «الجوّانيّ» البعيد والمُطلق في مجرى الخيال والتكوين والرحلة اللؤلؤية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي