يروّجون لهم "المثلية الجنسية" في المناهج ويرفعون عَلَمها بالمدارس! أعيش في أوروبا وهذا ما أعانيه في تربية أطفالي

2022-06-20

ترويج للمثلية في اوروبا تتخذ طابعا رسميا (ا ف ب)

أسماء بركات*

تخبرني صديقتي الألمانية أن ابنتها المراهقة، ذات الأعوام الأربعة عشر، قد وقعت في الحب، تقول لي: إن السؤال الذي سألته مباشرة لها: هل بنت أم ولد؟! عندما أخبرَتْها أنه ولد شعرتْ بالارتياح الشديد، حتى إنها لم تنتبه إلى ما قالته ابنتها بعد ذلك. ربما يعكس ذلك الموقف ما وصلنا له كأهالٍ لأطفال صغار ومراهقين من حالة الترقب والخوف من الأفكار التي تحيط بأبنائنا من كل اتجاه.

تفاجأت اليوم بأن إحدى المدارس الثانوية المحيطة بنا، تقيم هذا الشهر فعاليات لدعم المثليين جنسياً، تخيل أن يدخل طفلك المدرسة يومياً لمدة شهر فيرى ذلك العلم وتلك الألوان في كل مكان، لنفترض أن أحداً لن يتحدث عن ذلك، ما سيحدث هو أن طفلك سيعتاد على تلك المظاهر الاحتفالية في الشارع، وفي الأماكن العامة، حتى إن بعض الماركات وسلاسل المحلات المشهورة تضيف تلك الألوان على جميع منتجاتها، وكأنما تجاوزنا جميعاً حق الرفض أو الاختلاف مع ذلك في معتقداتنا وأفكارنا الخاصة، لكن يبدو كأن هناك إجباراً أن تصرح بموافقتك على ذلك التوجه وإلا ستتعرض للانتقاد والاتهام بالعنصرية والرهاب المثلي، كما حدث مع لاعب كرة القدم السنغالي، إدريسا جاي، منذ أسابيع في فرنسا.

"المثلية" في المناهج

في ألمانيا يبدأ الطلاب في الصف الرابع الابتدائي دراسة التربية الجنسية كمقرر دراسي، بشكل علمي وتربوي في المدرسة، وذلك منذ سنوات عديدة، يتم إعلامنا كآباء بتلك المحاور خلال اجتماع الآباء، ونتسلم كتباً ودليلاً عما سيتعلم الأولاد خلال تلك الدورة. يتعلمون الفروق الفسيولوجية بين الذكر والأنثى، وكيف يعتنون بأجسادهم، وما هو البلوغ وكيفيته في الجنسين، وكيف يحمون أنفسهم من التحرش أو اقتراب الآخرين منهم دون إذن مسبق، وكيف تتكون الأسرة وكيف يأتي الطفل إلى عالمنا.

يتم شرح ذلك بأسس تربوية، ويتم التطرق حسب درجة تفهم المعلمة إلى الاختلافات الدينية والتقاليد في طرق الزواج وتكوين أسرة، وفى أثناء ذلك في إحدى مدارس أبنائي تحدثت المعلمة عن الأسرة وقيمة الأسرة، وبينما كانت المعلمة مجبرة على شرح أن الأسرة يمكن أن تتكون من أم وأب، أو أم وأم، أو أب وأب، تركت للأطفال سؤالاً مفتوحاً: ما الذي يحدث إذا تزوج رجلان أو امرأتان؟ كيف سينجبان الأطفال؟ وكيف ستستمر دورة الحياة؟! وأضافت أن الأسرة الطبيعية يكون لديها أطفال.

مع الأسف حتى السؤال الفطري البديهي: كيف ستحصل أسر المثليين على أطفال؟ صارت إجابته موجودة ومكررة، فإذا كانت الأسرة من أُمَّين فيمكنهما الحصول على ذلك من بنك النطف، أو من أب بيولوجي تدور مناقشات حول أهليته كأب تجاه طفله البيولوجى، وهل سيسمح له بممارسة حقوقه كأب لاحقاً في حضانته أم لا، ومناقشة إقرار قوانين تدور حول ذلك، أما في حالة أن الأسرة تتكون من أب وأب فيمكنهما تبني طفل، هكذا وببساطة تجاب الآن على الأسئلة!!

يظن معظم الناس في دولنا العربية أن معظم الأوروبيين يدعمون تلك الدعوات اللا متناهية للمثلية الجنسية، لكن على العكس تماماً؛ معظم من قابلتهم وأتيح لنا الحديث بشكلٍ شخصي بعيد عن أروقة العمل الرسمية، والحديث الرسمي، عبروا عن قلقهم الشديد على أبنائهم من تلك الدعوات، بل إن المدرسين والمدرسات المحافظين يخبرون الطلبة أثناء الدروس عن وجهة نظرهم تلك بشكل ما، ويؤكدون على أنها وجهة نظر شخصية، وأنهم ليسوا ضد اختيار الطلاب الذين يريدون ذلك التوجه.

منذ بدأ الحديث عن إقرار قوانين تسمح بالمثلية الجنسية، ومن ثم إدخال ذلك في مناهج التعليم في سن مبكرة للأطفال، كنت حينها أعيش في باريس، وكانت هناك مظاهرات معارضة لذلك التوجه، ليس فقط من المسلمين أو العرب، لكن من أطياف متنوعة في المجتمع، وأن ذلك يهدد الأسرة التي هي نواة المجتمع، فتاريخ الكنيسة كان رافضاً لتلك العلاقات، وكانت علاقات موصومة.

بين التجريم والترويج

ومن مقال على موقع أثارة أنقل لكم هذه الفقرات عن تاريخ تجريم المثلية في أوروبا.

"قبل القرن العشرين كانت المسيحية تقف بالمرصاد ضد العلاقات الجنسية بين الأفراد من الجنس نفسه (خاصة الرجال)، ولطالما وصمت هذا السلوك، لكن من الناحية القانونية فإن معظم قوانين أوروبا لم تتعرض للمثلية الجنسية في بادئ الأمر. ولئن كان التجريم القانوني ضعيفاً، فالوصم الاجتماعي في البلدان المسيحية كان شديداً ضد العديد من الممارسات الجنسية بين أشخاص من الجنس نفسه، وفي الوقت الذي كانت فيه المسيحية مهيمنة على التشريع، كانت عقوبة المثلية: الإعدام[١].

بريطانيا كانت تصنف السلوك المثلي على أنه سلوك إجرامي وليس مجرد سلوك غير أخلاقي. وفي ثلاثينيات القرن الخامس عشر، في عهد هنري الثامن، أصدرت إنجلترا قانون اللواط، الذي جعل العلاقات الجنسية بين الرجال جريمة عقوبتها الإعدام. ظل اللواط في بريطانيا جريمة يعاقب عليها بالإعدام شنقاً حتى عام 1861. وبعد عقدين، في عام 1885، أقر البرلمان تعديلاً برعاية هنري دو بري لابوشير، والذي أقر جريمة "الفحش الفادح" للعلاقات الجنسية بين الذكور، وذلك من أجل استدماج أي شكل من أشكال السلوك الجنسي بين الرجال داخل طائلة المقاضاة القانونية، وليس فقط العلاقة الجنسية الكاملة. وبالمثل، في ألمانيا في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر، تضمن قانون العقوبات الألماني الأخير الفقرة 175، التي تجرم العلاقات بين الذكور من الجنس نفسه، مع عقوبة السجن والحرمان من الحقوق المدنية.

على سبيل المثال يقول مارتن لوثر: إن رذيلة السدوميين [قرية لوط عليه السلام حسب الكتاب المقدس] هي فداحة لا مثيل لها؛ إنها أبعد ما تكون عن العاطفة والرغبة الطبيعية التي فطر الله الناس عليها؛ والتي بموجبها يكون لدى الذكر رغبة عاطفية تجاه الأنثى. يرغب اللوطيون فيما يتعارض تماماً مع الفطرة؛ فمن أين يأتي هذا الانحراف؟ إنه بلا شك يأتي من الشيطان، فعندما يموت الخوف من الله في قلب الإنسان، يمارس الشيطان ضغطاً كبيراً على طبيعته؛ لدرجة أنه يطفئ نور الرغبة الطبيعية، ويثير نار الشهوة التي تتعارض مع الفطرة.

موقف الكنيسة الحديث

في 2007، وقبل أن يتولى منصب البابا، اعتُبر الكاردينال برجيليو، الذي أصبح البابا فرنسيس الآن، بابا الكنيسة الكاثوليكية، مدافعاً عن تعاليم الكنيسة الكاثوليكية بخصوص المثلية الجنسية، حيث قال: "إنّ الله خلق الإنسان، رجلاً وامرأة، وأعدهما جسدياً الواحد للآخر، في نظام قائم على العلاقة المتبادلة، يثمر في وهب الحياة للأولاد، لهذا السبب لا توافق الكنيسة على الممارسات المثلية. لكنّ المسيحيين مدينون لجميع البشر بالاحترام والمحبة، بغض النظر عن توجههم الجنسي؛ لأنّ جميع البشر هم موضع اهتمام الله ومحبته".

ولكن، بعد توليه منصب البابا، قال للصحفيين أثناء رحلة العودة إلى روما من ريو دي جانيرو، بعد يوم الشباب العالمي في يوليو 2013: "من أنا لأحكم على المثليين؟".

لكنه عاد في الفيلم الوثائقي الذي وثق حياته بعنوان Francesco وقال: "المثليون لهم الحق في أن يكوِّنوا أسرة؛ إنهم أبناء الله، ولهم الحق في تكوين عائلة. لا ينبغي طرد أحد من عالم الله أو جعله بائساً بسبب ميوله الجنسية". انتهى.

درس لن أنساه

كأم أعيش في دولة أوروبية، وأعتقد أنه لم يعد هناك فرق كبير في زمن الإنترنت والعولمة والهواتف الذكية أين تعيش، لا يمكنني عزل أبنائي عن ذلك الانتكاس في الفطرة الذي يحدث حولهم بشكل متسارع، والأفكار التي تتكرر على مسامعهم في أفلام الكارتون وألعاب الفيديو جيم والإعلانات المنتشرة في وسائل المواصلات، أعترف أنه لا يمكنني مواجهة هذا بمجرد الحديث عن الأفكار والحريات، بينما تعلن شركة ديزني مثلاً عن أن سياساتها المستقبلية ستدعم مجتمع الميم.

من وجهة نظري الطفل الذي يستطيع فهم قواعد المدرسة، والممنوع والمسموح، دون الحصول على تفسير مقنع من معلمته، حتى لو كان هذا الممنوع غير مضر له ولا لصحته، ولكن ربما يخل بالنظام العام للفصل، ويلتزم بذلك؛ يستطيع أن يسمع معنى الحلال والحرام، سواء استطاع فهم الحكمة أم لا.

وعلى ذكر فهم الطفل الحلال والحرام؛ كنت كتبت تجربتي مع ابني الأكبر عندما كان في الثالثة من عمره، وتجنبت ذكر كلمة حرام لأنى ظننتها صعبة الفهم عليه، كتبت: "تذكرت أني فعلت الخطأ نفسه مع ابني ذات يوم حين أخبرته وهو في الثالثة من عمره ألّا يأكل اللحم الذي يقدم له في المدرسة؛ لأن بطنه ستؤلمه، فعاد بعد أسبوع وقال لي ربما لا أعرف اللحم المقدم له؛ لأنه رأى زميلته (لارا) تأكل ولم تعانِ من مغص، وتأكد منها أن هذا لم يحدث في البيت أيضاً، فرددت مرة أخرى بسذاجة قائلة له: إنه حرام، وإن ربنا (هيوديك) النار إذا أكلته. عاد بعد شهرين ليقول إنه يأكل اللحم، وإنه لا يخاف من النار لأن معلمته وزملاءه سيذهبون معه!! أدركت فداحة ما قلت له، فهو لم يكن يعرف الله حتى يسمع أوامره.

قررت حينها أن أتوقف عن الكلام في هذا الأمر، وعملت على أن أعرفه على الله؛ الله بصفاته وأسمائه، الله بنعمه وأفضاله علينا، الله الذي يعلم ما لا نعلم ولا يختار لنا إلا الأصلح، الله اللطيف، الذي رأيت لطفه مرات ومرات، الله مغدق علينا بنعمه، ما منع عنا إلا ليعطينا، وما أغلق في وجهنا باباً إلا لنذهب إلى باب أوسع، الله الجبار الذي رأيت جبره وهو يجبر كسري ويمنحني قوة أواجه بها أقداري، ويحيطني بعنايته. وتعلمت أن أعلمه حب الله قبل أن أعلمه فرائضه، وحب دين الله.

بعد 4 سنوات لم أعد مضطرة لأقول لابني، كاذبة، ألا يأكل اللحم الحرام لأن به دودة، جاء وحده ليقول إنه اليوم قرر ألا يأكل اللحم، وإنه وقف في مطعم المدرسة وقال لهم أنا لم أعد آكل اللحم في المدرسة إلا إذا أحضرتم لحماً حلالاً، حينها علمت أني على الطريق.

هذا ما سأخبرهم به

سأخبر أبنائي أني لا أعرف كل شيء، وأننا في دار اختبار، وأن الله يحرم علينا أشياء ليختبر حبنا وصدقنا واستسلامنا، فإن نجحنا فزنا برؤية وجهه الكريم وجنته، ولن يفهموا هذا إلا إذا أحبوا الله ملء قلوبهم، وأحبوا الله لما يغمرهم به من النعم.

وأما بالنسبة لذلك الغزو الفكري فإننا بصفتنا آباءً وأمهاتٍ علينا أن تكون لنا أدوار واضحة في حياة الطفل، فالطفل يفهم مسؤولية الأب في الإنفاق على الأسرة، وتوفير المسكن الآمن، واصطحاب أولاده إلى المسجد، والقيام بدوره التربوي بصفته أباً، وأن الأم هي من تنجب الأطفال، وتعتني بالمنزل، وأنها أضعف بنية في الجسم من الأب، وأنه حال اضطرت الأم للقيام بواجبات الأب في حالات الوفاة أو الانفصال أو غياب الأب لأسباب قهرية؛ فهذا ليس دورها الطبيعي. فهم الطفل أن الله خلقنا ذكوراً وإناثاً لحكمة.

وكنا نحكي، كعادتنا، قصص الأنبياء، وكانت قصة الأسبوع عن نبي الله نوح، وجاء ذكر السفينة، وطلب الله، عز وجل، منه أن يحمل على السفينة من كل زوجين اثنين وأهله، ثم تحدثنا لماذا طلب الله من نوح، عليه السلام، أن يحمل زوجين اثنين من كل نوع، أجاب الأولاد ليتكاثروا؛ لأن سنة الله في الأرض التكاثر بشكل طبيعي.

في رأيي الشخصي، كأم مسلمة أعتز بهويتي المسلمة ومع كل حق للإنسان في الحرية مادامت لا تتعارض مع هويتي تلك، أنه قبل الحديث عن المثلية وحرمتها في الأديان، علينا أن نعيد تربية الأولاد على فهم قيمة الأسرة، وكيف تتكون الأسرة التي هي نواة المجتمع، وكيفية احترام الأم والأب، كيف تكون الطفلة ذات السنوات العشر أمّاً صالحة في المستقبل، وكيف يتحمل المراهق ذو الأعوام الأربعة عشر مسؤوليته في أسرته الخاصة بعد بضعة أعوام، ما هو هدف تكوين الأسرة؟ هل فقط تحقيق المتعة أو إن ذلك ما وجدنا عليه آباءنا يتزوجون وينجبون أطفالاً؟

في ذلك العالم الذي يختلط فيه كل شيء، الحق والباطل، العدل والظلم، العالم الذي نرى ازدواجية معاييره كل يوم، علينا أن نعيد تأسيس قيم الحق والحلال والحرام والفخر بالهوية، والأصعب أن يفهم الأطفال لاحقاً أن ذلك سيكون له ثمن يدفع، يدفعه آباؤهم الآن من حريتهم وإنكارهم، ولو بالصمت، وربما سيتوجب عليهم دفع ثمن لذلك لاحقاً.

 

*طبيبة اسنان مقيمة في المانيا







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي