تخصصت في الزجاج : جماليات التركيب في منجز التونسية سنياء فارسي

2022-06-18

من أعمال الفنانة سنياء فارسيمحمد البندوري *

تشتغل الفنانة سنياء فارسي وفق تجارب فنية تخصصية قوامها المادة الزجاجية، اقترانا بما تسوغه من مواد زجاجية الوسائط لتنتج منها موضوعات بنائية صرفة، ترتكز على الهياكل المتنوعة، إذ تركز بأسلوبها المتفرد على رصد مناحي كثيرة من التصورات الفنية والجمالية المرتبطة بجهاز مضاميني له دلالاته ومعانيه الخاصة، فهي مثقفة ودكتورة في علوم وتقنيات الفنون، ما يؤهلها لبسط رؤاها الفنية بوازع إبداعي صرف، ولها من الكفاءة والقدرات الفنية ما جعلها تنتج مواد نحتية ضخمة في شكلها ومضامينها.
إنها تشتغل في المنحى التعبيري بأشكال جمالية مثيرة، وتسعى في الآن نفسه إلى العناية الدقيقة بالقيم الفنية، والاهتمام بقيم السطح ونقاء الملمس، ما يمنح أعمالها مجالا واسعا لمقاربة مضامينها المركزية بالتركيب الجمالي، فتسخر لذلك مختلف الوسائل والمواد الفنية بحركات تبسط أشكالها بكميات مخففة في صلب أعمالها، وبذلك فهي تعبر بمفردات فنية تستقي من المادة الزجاجية مختلف التراكيب الجمالية المتفردة. بتدرجات في اللون وفي الأشكال التي تشتغل عليها لإعادة تركيبها وفق الإبداعات ذات الصلة بالمادة الزجاجية، التي تنسجها وفق بناء فضائي مبهج بإضفاء عناصر جديدة مما تحمله تقنياتها العالية من تغيرات، تجعل من القطع البنائية فنا، وشكلا منظما في تواشج عميق الدلالات، عن طريق التعبير بها في نطاق مجموعة من المفردات التي تمتح مقوماتها من الفنيات الزجاجية التي تنتج عن الانصهار الحراري، خاصة أن المبدعة تشتغل وفق تقنيات التشكيل الحراري، فاستخداماتها الفنية والدلالية بتشكيلها لعنصر الزجاج يعكسه المزج بين ملامح القطع التي تنتقيها بعناية والألوان التي توظفها بدقة فائقة، في انصهار تام، تبعا لنسق المادة الفنية الكلية.

سنياء فارسي
فتجسيد المادة الزجاجية عن طريق إعادة تركيبها تتم بموتيفات شكلية، تعيد صياغتها بطرق جمالية قوامها الاستدلال على واقع معين يتم أحيانا في منجز ثلاثي الأبعاد رغبة في تشكيل مساحة فنية غنية بالجماليات وبالحركة التي تبعث نبراتها عبر قوة الشكل. ويأتي هذا التأطير في سياق التجربة الفنية الغنية للمبدعة التي تصيغ مادتها الفنية بتقنياتها العالية وتركيباتها الدقيقة التي تولف بين المنحى الجمالي والتعبيري بأسلوب تقني تركيبي معاصر. فيتجلى حسها الفني في مختلف التقاطعات أحيانا، والوصل بين مختلف المفردات أحيانا أخرى، فيتحقق في أعمالها التجاور والتنوع، وتسعى من خلال كل قطعة تحقيق تواشج مع شكل آخر رغبة في تقديم رمزية العمل الفني، عبر وحدة الشكل والبناء والرؤية والأسلوب، فيفضي ذلك إلى حوار جمالي يميز خطابها الفني، ترسي به التخصص في أسلوب نحتي وتشكيلي مبني على قاعدة من القطع الزجاجية والألوان المبهجة، تقارب بها بين المبنى والمعنى، والتقاسيم الفنية. فاتخاذ التنغيم والتباين والتكامل والانسجام في التنفيذ؛ يجعل من أعمالها رمزا ناطقا بأبعاد قيمية متنوعة تروم التشكيلات المختلفة شكلا ومضمونا، لتحرك سكون الزجاج وتضيئه بكل محتوياته الإيجابية.
إنها وظائف بنائية ودلالية مغايرة في أعمالها الفنية، إذ تعتمد الاشتغال في المنحى التعبيري بكتل وركامات كثيفة تجعل أعمالها لا تقف عند حد معين، بل تتعدى حدود النحت وحدود الزجاج إلى نسج مساحة من الجمال بالمعايير الفنية الدقيقة التي تعالج من خلالها مختلف القضايا الفنية، وبذلك فإن أعمال الفنانة سنياء فارسي تتبدى فيها الاجتهادات المتنوعة، والابتكارات الممنهجة التي تقارب أعمالها بالواقع من منطلق التصورات والرؤى التي أنتجتها مخيلتها في ارتباط بالنسيج الفني الذي تُنتج عليه أعمالها ككل، بتسويغ جمالي يخاطب الرؤية البصرية التي تستجلي دلالات إضافية. وهذا يحيل إلى أن المبدعة تبني منجزاتها على ميزان فني معرفي ثقافي مركّب، مليء بالطاقة الجمالية والتعبيرية، ليظهر مثقلا بالإيحاءات والإشارات الرمزية الدالة على جملة من المعاني.

 من أعمال الفنانة سنياء فارسي

إن القاعدة الفنية لديها هي صورة نحتية تشكيلية متعددة الدلالات، تتحقق فيها أشكال ومضامين هادفة بتقنيات عالية. وهي وإن كانت في المنظور النقدي تشكل لغزا حين تتداخل المادة الزجاجية مع اللون في الشكل الواحد؛ فالمبدعة بتجربتها الكبيرة وموهبتها الراسخة وقدراتها المعرفية الهائلة تقارب بين مكونات أعمالها والمادة الشكلية المكتملة بنوع من التدقيق والانتقاء، خصوصا أن كل السياقات المشكلة لأعمالها تتسم بوجود وشائج قائمة بين المادة الفنية والعناصر والموضوع. وهو ما يُنتج مادة فنية قوية، بل يجعل أعمالها أيقونات مرتبطة باستدراجات يتحكم فيها الخطاب الفني الذي يوجه الشكل نحو التأويلات والقراءات الممكنة التي يحكمها المنطق الفني.

*كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي