الغرب يحتاج إلى فهم صحيح لدروس الماضي لإنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا

د ب أ – الأمة برس
2022-06-18

من آثار الحرب في أوكرانيا (ا ف ب)

برلين - مع اقتراب الحرب الروسية ضد أوكرانيا من اتمام شهرها الرابع دون أن تلوح في الأفق أي بوادر للنهاية، في ظل فشل الآلة العسكرية الروسية العملاقة في تحقيق أهدافها، قدم المحلل السياسي الألماني أندرياس كلوث رؤية تاريخية لهذه الحرب، محذرا من الانسياق وراء ما تسمى بـ "دروس التاريخ" التي يقدمها الجهلاء أو الدجالون أو الطغاة، لأنها ستكون سخيفة وخطأ وربما كارثية.

ويرى كلوث في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن النظرة التاريخية غير المهنية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نموذجا لمثل هذه الدروس التي يقدمها الطغاة.

ففي العام الماضي  اخترع الرئيس بوتين روايته عن "الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين" والتي أصبحت فيما بعد أساسا لقراره غزو أوكرانيا يوم 24 شباط/فبراير الماضي. وفي يوم آخر شبه بوتين نفسه بالقيصر الروسي الراحل بطرس الأكبر وقال "يبدو أنه وقع علينا عبء  استعادة المجد الروسي وتقويته". وترجم المراقبون هذه الكلمات باعتبارها إشارة لاعتزامه غزو السويد  (كما فعل بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر) والاستيلاء على أراض تابعة حاليا لدولة إستونيا المجاورة وعضو حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ويقول كلوث رئيس التحرير السابق لصحيفة هاندلسبلات جلوبال الألمانية  إن المخاطر التي تنطوي عليها رؤى بوتين تفوق بشدة تلك التي ارتبطت بالقيصر بطرس، الذي كان مثل بوتين وحشيا واستعماريا لكنه كان منفتحا على الغرب وتقدميا. في المقابل فإن بوتين الديكتاتور يتباهي بامتلاكه الشفرة الخاصة بأكبر ترسانة نووية في العالم وهو ما يجعل  هذيانه وأخطأءه مروعة.

ومع ذلك فإن أخطاء البعض في قراءة التاريخ واستخلاص دروسه لا يجب أن تمنع بيقتنا من التعامل مع التاريخ بنظرة أكثر تعقيدا. وكما يقول الماوريون وهم سكان نيوزيلندا الأصليون "نحن نسير إلى المستقبل وعيوننا مثبتة على الماضي" فنحن نحتاج إلى الأمس لكي نفهم اليوم ويكون العالم مفهوما لدينا.

 وتقتضي الحكمة في التعامل مع التاريخ وأحداثه أن يكون المرء انتقائيا ودقيقا ومركزا. فلا أحد اليوم يشبه هانيبال ولا بوذا ولا شارلمان ولا جانكيز خان ولا الإمبراطورة كارتين االعظيمة ولا أي شخصية تاريخية أخرى. لكن هناك جوانب محددة في هذه الشخصيات والأحداث يتردد صداها في مختلف العصور. وكل ما علينا هو التحلي بالوضوح بشأن سياق حياة كل شخصية أو حدث في التاريخ.

وعندما حاول المحللون مقارنة حرب بوتين الحالية ضد أوكرانيا، بحروب تاريخية أخرى ظهرت احتمالات عديدة. ففي حين قارنها أندرياس كلوث بنتائج الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن العشرين وحرب الشتاء بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا والتي استمرت حوالي ثلاثة أشهر ونصف في بدايات الحرب العالمية الثانية، تحدث آخرون عن الحرب الروسية اليابانية عامي 1904 و1905 وحروب آخرى.

 لكن أغلب الناس يميلون إلى مقارنة حرب بوتين ضد أوكرانيا بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ربما بسبب الخوف من أن يؤدي تصعيد بوتين لعدوانه إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. لكن هاتين الحربين السابقتين كانتا مختلفتين تماما وتقدمان دروسا متباينة.

فالبولنديون والإستونيون واللاتفيون والليتوانيون وغيرهم من شعوب أوروبا الشرقية يرون في العدوان الروسي على أوكرانيا تكرارا لسيناريو هجوم ألمانيا النازية على تشيكوسلوفاكيا وبولندا عامي 1938 و1939 قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية.

في المقابل يفضل المفكرون والسياسيون الألمان والفرنسيون مقارنة حرب أوكرانيا بالحرب العالمية الأولى، على الأقل لآن هناك "تابو" ألماني يمنع أي مقارنة مع هتلر، على أساس أن مثل هذه المقارنة يمكن أن تثير الشكوك حول التفرد التاريخي لجرائم  هتلر وعلى رأسها المحرقة أو الهولوكوست.

 ويشير المراقبون الذين يتحدثون عن الحرب العالمية الأولى، إلى الخوف من أن ينزلق الغرب كما فعلت أوروبا في 2014 نحو كارثة أكبر دون قصد. وأشار المستشار الألماني أولف شولتس إلى كتاب "السائرون نياما"  للمؤلف كريستوفر كلارك والذي يصف بالتفصيل كيف أن رجال الدولة في أوروبا قادوا القارة إلى حرب دامية  ردا على اغتيال ولي عهد النمسا على يد مواطن صربي بوسني.  وفي ضوء هذه السابقة التي مر عليها أكثر من 100 عام، يميل قادة أوروبا الآن للنظر إلى محاولة بوتين الاستيلاء على إقليم دونباس شرق أوكرانيا باعتبارها تشبه حادث اغتيال  ولي عهد النمسا، وأن الاندفاع  في التصدي لعدوان بوتين يمكن أن يدفع حلف الناتو إلى الدخول في حرب غير معروفة العواقب ضد روسيا.

كما أن النظر إلى الحرب العالمية الأولى هو ما يجعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قلقا من انتهاء الحرب الأوكرانية بطريقة مذلة للرئيس بوتين، لآن معاهدة فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى أذلت ألمانيا المهزومة لكنها فتحت الباب واسعا أمام صعود النازيين إلى الحكم في برلين ونشوب الحرب العالمية الثانية بعد ذلك بنحو 20 عاما.

أما الذين يشبهون حرب أوكرانيا بالحرب العالمية الثانية فإنهم يقولون  إنه في حين كانت الحرب الأولى مسؤولية مشتركة للعديد من قادة أوروبا، فإن الحرب الثانية كانت نتيجة قرارات شخص واحد وهو هتلر عندما هاجم دون أي مبرر جيران ألمانيا الأضعف انطلاقا مع نزعة توسعية شوفينية عدوانية، وهو ما ينطبق بشدة على بوتين عام 2022.

 في الوقت نفسه فإنه لا يجب مد خط تشبيه حرب أوكرانيا بالحرب العالمية الثانية إلى نهايته لآن بوتين لا يخطط لارتكاب محرقة ولن ينهي حياته بالانتحار كما فعل هتلر، كما أن الأمر لا يحتاج إلى احتلال روسيا وتقسيمها في نهاية الحرب كما حدث مع ألمانيا النازية.

وينهي المحلل الألماني كلوث تحليله بالقول إنه لمعرفة الطريقة التي يمكن أن تنتهي بها حرب بوتين، فإننا نحتاج إلى معرفة كيف تطورت المأساة الحالية، مع الوصول مرات ومرات إلى أفضل دروس الماضي التي تنطبق على حالة اليوم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي