يوم في سوريا

2022-06-13

آزاد عنز

آزاد عنزتتدحرج أسطوانة الغاز الفارغة تماماً من الغاز والممتلئة بالهواء مترنّحةً في الطريق الأعمى الفارغ تماماً من الضوء، حيث لا نور يُبصر عماه، لا إنارة تضيء ظلامه لتقود سواده الدائم إلى البياض المؤقت، تترنّح في الطريق الوعر والمُمتلئ بالحُفر، بين كلّ حُفرتين واضحتين حُفرة لا مرئية تصطادك كفخٍ ينتظرك على عجل ليأخذك بعيداً وعُنقك مقيّدٌ بين أنيابه، تتدحرج الأسطوانة الفارغة كثّملٍ أفرط في الجُرعة وتاه في الوصول إلى صوابه، لا صواب ينتظرها لا نار تنتظرها ليتعانقا، تسير وتقود خلفها أرغفة الخبز المُحترقة، كلُّ رغيفٍ مُحترق يجرُّ خلفه شقيقه الرغيف المشارك معه في النكبة، كلّ رغيف مُحترق هو الابن المُشوّه لحبة القمح الهاربة من خُبز الجياع، الجنين المتواري في بطن السنبلة الجليلة الواقفة بشموخ على أرضٍ لم يبخل الله عليها بالارتواء، كلّ قطرة مطرٍ هي إحدى آيات الله الوافدة بحياء على شكل دمعة، خجِل الله من ذرفها وسيلانها فأوكل الغيمة بالبكاء مصحوباً بالصُراخ، تقود الأرغفة المُشوّهة بعضها بعضا إلى حيث تنتظرهم البُطون الخاوية من الطعام تماماً والممتلئة بالذّل والجوع، بطونٌ لا تملك إلا الصراخ داخل جدرانٍ تعتقل الجوع، بطونٌ يئس الجوع من فراغها.

بلدٌ يفترش أبناؤه سنابل القمح وأفواههم مفتوحة للسماء تنتظر سلوى الله ومَنّه ليسعفهم من جوعهم في وطنٍ شوّهت ملامحه وبات من الاستحالة تعرّفه على نفسه أو التعرّف عليه في مرآة الأوطان، أبناءٌ ينتظرون صواب الله ليسعفهم من تيههم الذي فاق تيه ملّة موسى في صحراءٍ معلومة الملامح ومجهولة الجهات. أرضٌ عائمة على بحيرات البترول الواسعة كقطعة خشب صغيرة طافية فوق الماء ترقص بكامل جذعها ليموت أبناؤها غرقاً في أحد بحوره، وطنٌ يحمله الوقود على باطن يده اليمنى كدُمية صغيرة ليموت أبناؤه حرقاً في الصيف وبرداً في الشتاء حيث لا نار تقود برودة عظامهم إلى الدفء، يا لِصغرِ حجمك أيها الوطن أمام كلّ هذا الكَرم الواسع! بلدٌ في الظهيرة يسترخي بذراعيه على أنهارٍ لم تبخل الينابيع على جريانها ليبقى النهر مُهرولاً يُقهقه في مجراه وليموت أبناؤه عطشاً دون ماءٍ تبلل حناجرهم المُتصحرة، أرضٌ مزدحمة بالثروات والأزمات كلّ ثروة تجرّ خلفها عدة أزمات وكلّ أزمة تجرّ خلفها جمهورا من الجياع والتائهين عن يقينهم، أزمة غاز، أزمة وقود، أزمة كهرباء، أزمة خبز، أزمة ماء، أزمة فساد، أزمة لصوص، أزمة جياع، أزمة قتل، أزمة شهداء وأزمة قُبور، لا أزمة للخدمات لااااااااا خدمات لتزاحم بعضهاٍ .

كاتب سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي