على نحو من الغمو : حرية الإنجاز الشكلي في أعمال المغربي ياسين إنوس

2022-06-09

فنان التشكيلي ياسين إنوسمحمد البندوري *


يعتمد الفنان التشكيلي ياسين إنوس على بعض المقومات الفنية بخيارات في الألوان وحرية في الأسلوب، على نحو من الغموض الذي يقارب به التجريد بوسائط لونية مختلفة وبقدر وافر من الأشكال كوحدات بنائية تمتح بعض مقومات الاتجاه السيريالي لتثبيت الفضاء، فعملية البناء لديه تقوم على الشكل الشخوصي الرامز إلى معنى باطني، وعلى العلامات المباشرة التي تنتج تعدد الدلالات.
وهو يوفر لذلك جملة من المواد برؤيته المخالفة للمألوف، عن طريق إنشاء نظام طبقات صباغية، تتداخل مع الأشكال والعلامات المثبتة بتقنية عالية، تروم التوليف والانسجام بين كل العناصر. إنه تطبيق عملي وفق رؤى وتخييلات المبدع، حيث تتخذ عملية التوظيف أشكالا جمالية تتيح للبناء البصري صياغة تصويرات تتفاعل مع مقومات العمل، وتستنطق مخزوناته الإبداعية، ونحت أسلوب ممنهج يختزل قيما جمالية بأبعاد غير محدودة. إنه بذلك يصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف الأشكال التعبيرية المُستخدمة في العملية الإنتاجية. ليشغل حيّزاً من الفراغ دون حدود للمكان، لكن القيمة الزمنية حاضرة تؤكدها حركية العناصر المكونة لأعماله والمتناغمة في ما بينها، وأيضا ارتباط الواقع الغامض بالحاضر والمستقبل في سياق توليفي يمتزج فيه التعبير الرؤيوي التصوري والتعبير الحسي بالمجال السيميائي المعتمد على الرؤية البصرية، ليصنع مجالا تعبيريا رمزيا علاماتيا أيقونيا دلاليا، بأشكال شخوصية يعيد من خلالها الواقع إلى الخيال، بمهارات فنية وأداء عالي الجودة، قوامه الشكل الحر في التعبير المعتمد على التبسيط، والتقنية العالية، وكلاهما يرومان هدفا يجعل النص التشكيلي قابلا لتعدد التأويلات، ما يجعله ينطق بقيم فلسفية وفكرية وجمالية، خاصة أنه يتجول في بواطن النفس والعقل بعيدا عن الرقابة، فضلا عن تعدد الاحتمالات والتأويلات التي يصنعها اللون بالطلاء الخفيف بمعية مختلف العناصر والمفردات الفنية الأخرى، والانزياح عن الشكل الشخوصي الواقعي بتسلسلات لونية، في نطاق مفاهيمي قائم على إشراك القارئ في الموضوع، وتأسيس النموذج المنفتح على الواقع بحرية وتلقائية في كل ما يخص الشكل الشخوصي ومجال التناسق المورفولوجي كنسق جمالي يمنحه القوة التعبيرية اللازمة.

 

وهو ما يفسر ذاك التوظيف الشكلي المنزاح عن المعتاد، بما فيه الأشكال الشخوصية التي تتمثل ما فوق الواقع، والبعد عن الشكل الحقيقي، بتصريف لوني، وحركة تلقائية تتقصد التعبير والرموز والعلامات ذات القوة الإيحائية، ليدجج المساحة بمزيج من العناصر التي تتقارب أحيانا وتتفارق أحيانا أخرى في ما بينها، وهي تشكل جهازا مفاهيميا تؤطره السيولة اللونية والشخوصية، باعتمادات فنية وتشكيلية وانفعالية ذات مغزى عميق الدلالة. تستحوذ على معظم الفضاء أحيانا، لتغلق كل منافذه، يغلب عليها التنوع، والتركيب الفني والجمالي الذي يوحي بالحركة، ويبعث صدى سمفونيته في شكل إبداعي جديد، يتمظهر بعمق في الرؤية التشكيلية المعاصرة، ويضع مختلف العناصر الفنية في بؤر تشكيلية ذات صياغة جمالية ونظْم فني منسجم مع كل المكونات الجوهرية، وتحريك الكتل عبر مساحات متقاطعة بكتل أخرى. وبذلك تتبدى لوحات المبدع ياسين إنوس انعكاسا لتصوره وإحساسه وانفعالاته الداخلية وخواطره المتتابعة دون اعتراض، ليشكل مساحات إبداعية بمظهر خارجي له مضامينه المضمرة في صلب الشكل واللون، ما يزج بالقارئ عبر تلك المساحات في حجب وألغاز تعبيرية، إنه أسلوبه في التعبير، وفي رصد القيمة التشكيلية كملمس فني يوحي بمضامين ودلالات قوية.


واستنادا إلى قاعدة النقد التشكيلي، فإن هذا الأسلوب يروم سياقا جماليا وتعبيريا، ببسط مجموعة من العلاقات التحاورية، والأشكال التعبيرية، والتداخلات الرمزية والعلاماتية، والاستعمالات اللونية التلقائية، التي يسعى من خلالها إلى بناء مجال تشكيلي يتجاوز الشكل الجاهز، بأبعاد رؤيوية، وإحداثات شكلية، توحي بتغيير في الشكل وفي القيم الجمالية دون تقييد. ما يجعل هذه التجربة الإبداعية تنزاح عن المألوف، وتتوق مجالا فنيا أكثر حرية في التعبير، وهو ما يعد دافعا آخر، وعاملا قويا نحو التجديد والابتكار.

*كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي