تدبير الجمال في بورتريهات اللبنانية لبنى العريضي

2022-05-27

الفنانة لبنى العريضيمحمد البندوري *

تهدف الفنانة لبنى العريضي من خلال منجزها الفني إلى التأصيل لأسلوب فني بورتريهي يأخذ بعين الاعتبار الحس الجمالي الذي يتناسب مع الرؤى والتصورات المعاصرة، ويتماشى مع الأشكال المختلفة التي تكشف حجب المضامين وتبدي التمثلات الفنية التشكيلية المعاصرة، وهي بذلك تتجاوز المحدودية وتتفاعل مع جمال البورتريه بخاصيات تروم الارتقاء بالألوان إلى مستوى فني لصناعة التأويل، فمعظم البورتريهات والرسوم الواقعية تروم إنتاج مفردات تشكيلية واقعية تستقي مادتها من الواقع بكل ما يحمله من أشكال وشخوصات.
لذلك تقوم بتدبير المجال الجمالي وفق خصوصيات لونية تتقصد بها البورتريه المعاصر في بناء فضائي منظم، مع إضافة عناصر جديدة مما يحمله الواقع من مستجدات تترسخ في ذهن المبدعة لتبلورها وفق تصوراتها وتقنياتها العالية، ما يجعل من المادة اللونية بناء فنيا دقيقا في تواشج عميقة الدلالات تعبّر عن الواقع، وعما يستبطنه البورتريه من مضامين موجودة بمفردات فنية، فالتعبير بمفردات البورتريه والشكل الواقعي يعتبر جوهر أعمالها التي تنفذ باستخدامات لونية مباشرة، وصناعة التلميح والإشارة عبر استخدامات شكلية ولونية وعلاماتية منسجمة مع مختلف العناصر التي تعكس المزج بين ملامح الوجوه والصيغ الجمالية والفنية، التي تستهدف نسق الحياة بحمولتها الاجتماعية.

 

وهي في عمقها استعمالات تجسد الأشكال المختلفة بموتيفات شكلية تعيد صياغتها بتقاطعات لونية فارقية أحيانا قوامها الحركة وبعث الإشارة إلى وجود دلالات ومعانٍ، لأنها تمزج بين العلامات والأشكال والبقع اللونية التي تنتج الإيحاء، بتقنيات تركب بين المنحى الجمالي والتعبير بأسلوب معاصر. فيتجلى حسها الفني في تدبير الجمال وفق هذه المفردات التشكيلية، وهو ما يشكل نوعية في الأداء الفني الواقعي، ويؤكد مركزية التدبير الجمالي في المنجز التشكيلي الذي يتمتع فيه البورتريه بتحويل فني ينسجم مع كل العناصر المكونة للفضاء عن طريق التجاور والتنوع، وتسعى المبدعة من خلال الألوان تحقيق تواشج مع العلامات عبر وحدة الشكل والتكوين، فيفضي ذلك إلى حوارات فنية رائقة تميز الخطاب التشكيلي لديها، فترسي من خلال ذلك التخصص في أسلوب واقعي مبني على قاعدة من الألوان المتجاورة، والأشكال البورتريهية التي تقارب بها بين المبنى والمعنى. فاتخاذ هذا المسلك من التجانس والانسجام في التنفيذ، يحرك سكون الفضاء بكل محتوياته التشكيلية. إنها وظائف بنائية ودلالية مغايرة في لوحاتها، تعتمد الاشتغال في المنحى البورتريهي بتنويع في الإشارة والتلميح لإنتاج معانٍ متنوعة، وحري في هذه التجربة الغنية هذا النوع من الإيحاء المفضي إلى دلالات قوية، بل إن أعمالها لا تنتهي عند حدود الواقع أو البورتريه الإيحائي؛ وإنما تتجاوزه إلى إبداء التصورات الفنية الدقيقة، وبذلك فإن أعمالها الإبداعية تتبدى فيها اجتهادات وابتكارات محملة بمضامين عميقة، تستمد وجودها من الواقع.
ويتضح أن القاعدة التشكيلية لدى العريضي هي فن واقعي يتقصد البورتريه الإيحائي على نحو يفضي بأعمالها إلى منحى ينطق بالأبعاد الفنية المتنوعة، وبالإيحاءات المنتجة للدلالات، لتحقق مرامي تشكيلية قوامها الانسجام والمقاربة الفنية الواقعية التي تستهدف البورتريه المعاصر بحمولته الإيحائية والجمالية، لأن كل سياقات المادة التشكيلية المشكلة للفضاء تتسم بوجود وشائج قائمة بين التشكيل والواقع الذي تعضده الخطابات المخفية وراء حجب البورتريه المعاصر، لتفتح الباب الواسع للتأويل والقراءة على عدة مستويات.

*كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي