مُرافعة عن الحياة

2022-04-20

سليم النفار

إلى صديقي الشاعر منذر مصري

متكئاً على جذعِ غيمةٍ، صباحنا. ذاكَ الذي لم نُبصرْطريقاً بَعْدُ؛ نحوهُ.

هلْ أخبرَ الترابُ المُعفَّرُ بالدماءِ، عن موعدٍ لوصولهِ؟

هلْ مرَّ على شوكِ البراري، أم تُراهُ تعثَّرَ في خليطِ الأساطير وسنابكِ الغُزاة؟

كنعانيون، فينيقيون، سلوقيون، آراميون يونانيون، ورومان وغيرهم كثرُ.

تَنَازَعَتهُ الحدودُ والسيوف والخيول، والطائرات المُعاصرة، والرؤى المُحاصرة بأفقٍ ضرير؛ هلْ كان حقاً هنا؟

ربَّما سهماً غليظاً مرَّ بكوَّتهِ، فتسرَّبَ نحو البحر مُحدثاً مدَّاً مُعاكساً.

ربَّما… لكنَّ مكانهُ الأثيرُ لم يُغادرْ بحرنا، ولو ضاقتْ خُطاهُ.

على حواف الأزقة والشواطئ، وامتداد الحقول، كان يلهو بوقتٍ وفيرْ.

يفركُ زندَهُ، كلما طال النهار على زهر اللوز، ليدنو الربيع صافياً صاخباً بالغلالْ.

هلْ لنا تلكَ المساحاتُ، التي كشطَ عتمتها، أمْ تُراهُ لغيرنا تدنو مطالعَهُ؟!

هلْ هنا كانَ، وهلْ ما زال يحملُ جنسيةَ المكان؟

هذا الصَّباح ابن المكان الذي؛ سرقهُ الغُزاةُ والطُغاةُ في فتنةٍ كانت، ولم تنتهِ.

حشدنا كلَّ الرياحينِ فتوَّةً ونضارةً، كي يستقيمَ سطوعهُ فوق النوافذ الشاسعة، لكنهم أقفلوا كلَّ الممراتِ المُفضيةَ نحو قلوبنا.

هلْ نُألفُ صبحاً جديداً، وطناً جديداً… أم تُرانا نخون الذكرياتِ العالقة في هُدبِ المساء؟!

ضجرنا يا منذر من رداءتنا، ومن أحلامنا الكبيرة، فهلْ من متسعٍ صغير للحياة؟

الحياة البسيطة، كما عاشتها جداتنا في ساحل البلاد الممتدّ، بعضُ أشياء صغيرة، وكرامة لا يفتقدها الطامحون… لا نريد دولاً يقودها الجنرالات العتيدة، قساةٌ علينا، صغارٌ في حضرة أربابهم.

ضجرنا يا صديقي من لوثة الحداثة الفرنسية والأمريكية والروسية… نريد أصالتنا، صبحنا العتيق؛ فهلْ يأتي من غياهب هذا الجنون؟

هنا لا شيءَ قبل ولادتهِ.

ما زال يحملُ لوننا، من طَللِ الحكاياتِ الطاعنة في التاريخْ، هو هو.

ابنُ المواويل الكنعانيةِ، يفتقُ سرَّ اللغاتِ من خطوهِ، المرسومِ في تفاصيل الرواية.

هنا شكله، هنا حلمه، هنا:

الماءُ والهواءُ والنَّارُ الصَّاعدةْ، كلَّها من سطوعهِ، من حنينهِ؛ من شُرفةِ امرأةٍ أولمت لحضورهِ شراشفَ زاهيةْ وأطباقاً من القرنفلِ.

لم نكن وحدنا هنا، نستخلص المكان من حزنهِ، قبلنا كُثرٌ، من سلالتنا حاولوا.

لكن أينهم الآنَ من عجافٍ لا تكفُّ عن وصلها المحموم؟

لم نكن وحدنا يا منذر نحرث الهواء، كي يبدو أجمل مما هو منثورعلى شاهدة القهر.

لُكْنا آلامنا، لكن لم نستسلم للوجع، دائماً كنّا يقظين إلى أهميةِ، أن تكون مزهرية الليل ضاجةً بالورد… ربَّما لا نستمتع بشذا قرنفلة، ربَّما الخصمُ اللدود، قاهر الوقت، يسطو على المزهرية كلّها، غير أننا لم نرَ فيهِ ما يُحيك لنا… لأننا ما زلنا مؤمنين بحقِّ البشر، كلَّ البشر في حصَّةٍ من الفرح، فهل فعلوا هم كذلك؟

كاتب فلسطيني









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي