حقائق جيوسياسية في الحرب على أوكرانيا

كتب المحلل العسكري - الشرق الأوسط
2022-03-09

أسس المعضلة الجيوسياسيّة الروسيّة، هي: جغرافيا، ديموغرافيا وطوبوغرافيا (ا ف ب)من الخطأ في المنظومة الجيوسياسيّة أن تُطلق الأحكام على القيادات السياسيّة وسلوكياتها استناد إلى طباعها الشخصيَة وأخلاقها، كأن يصف مثلا الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس فلاديمير بوتين بأنه «قاتل».

والأصح، أن تؤخذ بالاعتبار الظروف والعوامل الجيوسياسية المتكررة من دون هوادة، التي تلقي بثقلها على عملية اتخاذ القرار من دون القدرة على تفاديها.

هذه حال بوتين. هو «قيصر» بلباس القرن الواحد والعشرين. هو رئيس روسيا، لكن بعقلية «ايفان الرهيب» و«بطرس الأكبر» و«كاترين العظمى». هاجس بوتين أمن روسيا وعظمتها ومقامها بين القوى العظمى. سبقته «كاترين العظمى» القائلة «لو عشت مائة سنة، لأخضعت أوروبا، وضربت عنجهيّة الصين، وفتحت الباب واسعاً للتجارة مع الهند». وتسترسل لتخلص إلى «أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على الأمن القومي الروسي، هي في التوسّع».

وإذا كان كلّ من سبق بوتين من القياصرة اعتمد التوسّع لضمان الأمن القومي الروسيّ، فلماذا تُكسر القاعدة معه؟

ويأخذنا هذا الأمر إلى ما ورد في كتاب تيم مارشال «أسرى الجغرافيا»، عن أن روسيا تحتلّ المركز الأول في حقد الجغرافيا عليها. فما تفسير ذلك؟

تحتلّ روسيا 11 منطقة زمنيّة في الكرة الأرضيّة. وإذا كانت سيبيريا تحميها من الشرق، فإن السهل الشمالي الأوروبي يعتبر المقتل لكونه ممرّ الغزوات. فمن جبال البيرينيه إلى موسكو لا يوجد حاجز طبيعي واحد. ومن هذا السهل، أتى ملك السويد تشارلز الثاني عشر ليهدّد الأمن القوي الروسي. تبعه على المسار نفسه نابوليون، وبعده هتلر الذي أضاف المسار الأوكراني عبر كييف، ليخوض أكبر معارك الحصار في التاريخ: ستالينغراد.

هذا من الغرب، أما من الشرق، فإن الخطر المغولي دام لأربعة قرون متتالية ليُقال «إذا حككت جلد شخص روسيّ، ستجد حتماً مغولياً».

إذن أسس المعضلة الجيوسياسيّة الروسيّة، هي: جغرافيا، ديموغرافيا وطوبوغرافيا. حتى أن الآيديولوجيا تمرّ مرور الكرام في العقل - الوعي الروسي الجيوسياسيّ. الآيديولوجيا في روسيا هي فقط لخدمة الأمن القومي الروسي. وإلا فما معنى تخلّي جوزيف ستالين عن مبدأ «الثورة المُستدامة للفكر الشيوعي»، والاكتفاء بمناطق نفوذ وعوازل مع الغرب إبان الحرب الباردة؟

فما هي إذن المسلمّات الجيوسياسيّة لروسيا؟

1 - مسك الأرض الروسيّة بمركزيّة قويّة جداً من قبل موسكو. من هنا أهميّة أجهزة الاستخبارات، القديمة كما الجديدة. ومن هنا نوعيّة النظام السياسي في روسيا المتأرجح بين الإمبراطوريّة والاشتراكيّة ومن ثمّ الجمهوريّة، لكن المشترك بين الكلّ هو حكم الفرد الواحد؟

2 - تأمين عوازل جنوباً في القوقاز. من هنا دمويّة حرب الشيشان، ومن هنا التدخّل الأخير في ناغورنو قره باغ – أرمينيا؛ الأمر الذي يقودنا إلى التدخّل العسكري في جورجيا.

3 - الحفاظ على مناطق نفوذ في جنوب - شرق روسيا. من هنا التدخّل الأخير في كازاخستان.

4 - الحفاظ على منطقة نفوذ، أو مناطق عازلة بين أوروبا الغربيّة وروسيا. هنا تأتي دول أوروبا الشرقيّة، حيث شكّلت الحرب الباردة التوسّع الأكبر لروسيا جغرافياً باتجاه أوروبا الغربيّة. خسرت روسيا هذه العوازل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وتوسّع حلف شمال الأطلسي (ناتو) شرقاً.

5 - حالياً، تحاول روسيا استرداد المثلّث التاريخيّ: روسيا الكبرى وروسيا الصغرى (أوكرانيا) وروسيا البيضاء (بيلاروسيا). وإذا تعذّر، فالدب جاهز للانقضاض والعبث بالخطوط الجغرافيّة، وهذا فعلاً ما يحصل الآن مع أوكرانيا بعد تطويع بيلاروسيا.

6 - يُضاف إلى كلّ ما سبق، سعي روسيا الدائم لتكون لاعباً دولياً محترماً ومُعترفاً بدورها. وإذا لم يقبل الغرب، ستكون روسيا العنصر المشاغب كونها غير قادرة على لعب دور القوّة المُديرة على غرار أميركا قائدة الغرب.

وعليه، إلى اللقاء مع: ساحة الحرب الأوكرانية، الاستراتيجيات المستعملة، التكتيكات، ردّ فعل الغرب وإلى أين ستقود الحرب وتأثيرها على النظام العالميّ؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي