أهدرت مجتمعات عربية وإسلامية كثيرة حق المرأة في التعليم، ورفع البعض شعار «زواج البنت أولى من تعليمها»؛ ولذلك سجلت الإحصاءات أعلى نسب الأمية بين النساء، وحرمت هذه الأقطار العربية والإسلامية من عقول وجهود نسائها في مجالات تنموية كثيرة، كانت تتطلب وجودها؛ لتقوم بواجباتها إلى جانب الرجل.
يحدث هذا - للأسف - في الوقت الذي كفلت فيه شريعة الإسلام للمرأة كل حقوقها في التعليم والتثقيف، والحصول على العلوم والمعارف التي تجعلها عنصراً صالحاً في المجتمع، وتؤهلها لتكون قادرة على العمل والإنتاج، فطلب العلم في المنظور الإسلامي فريضة على كل مسلم ومسلمة، وتعليم الإناث واجب على الدولة مثله مثل تعليم الذكور وعليها تأمين سبله، وضمان تنوعه وكفاءته، بما يحقق مصلحة المجتمع، ويتيح للإنسان معرفة دينه، ويؤهله لكل عمل نافع ومفيد له وللمجتمع الذي يعيش فيه.
في البداية يستنكر العالم الأزهري د. محمد أبو زيد الأمير، ارتفاع معدلات الأمية بين النساء في العديد من البلاد العربية والإسلامية، ويؤكد أن حرمان الفتيات من حقهن في التعليم في أي بلد عربي أو إسلامي يمثل مخالفة صارخة لتعاليم وتوجيهات الإسلام الذي منح المرأة حق تلقي كل العلوم والمعارف؛ بل جعل ذلك واجباً عليها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه، ويقول: شريعة الإسلام جعلت الحق في التعليم والثقافة من أهم الحقوق التي ينبغي على الإنسان - رجلاً كان أو امرأة - أن يحرص عليها وأن يطالب بها في كل وقت، فالتعليم والثقافة ليسا منحة من الدولة؛ بل هما واجب عليها، وتعاليم الإسلام تلزم كل مؤسسات التربية والتوجيه المختلفة من الأسرة والمدرسة والجامعة وأجهزة الإعلام وغيرها بالعمل على تهيئة المناخ المناسب للمرأة؛ لكي تتعلم وتتثقف دينياً ودنيوياً وتنمية شخصيتها، وتعزيز إيمانها بالله، واحترامها لحقوق الآخرين والوفاء بها، وبما يؤهلها للعمل والإنتاج.
دين ودنيا
ويضيف الأمير: استقراء النصوص الدينية يؤكد اهتمام الإسلام الكبير بالتعلم والتعليم، والإسلام لا يحث المسلم أو المسلمة على طلب العلم؛ بل يحث العلماء على تعليم غيرهم، ويجعل من يقصر في تعليم غيره مع قدرته على ذلك من العاصين والآثمين، والنصوص التي تحض على التعلم والتعليم كثيرة ومتنوعة، فالله سبحانه وتعالى يقول: «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات»، وهو يرفض تسوية الذين يعلمون بالذين لا يعلمون، قال تعالى: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، ويجعل للعلماء مكانة كبيرة عند الله وعند الناس؛ لأنهم أكثر الناس إدراكاً لواجباتهم، وحرصاً على حقوقهم.
والتعليم الذي يستهدفه الإسلام للمرأة ليس مقصوراً - كما يقول د. الأمير- على تعلم أمور الدين ومعرفة الأحكام الشرعية؛ بل يتعدى ذلك إلى كل ما هو نافع لها وللمجتمع الذي تعيش فيه، فهناك من تتخصص في أمور الدين؛ لنشر هداية الإسلام بين النساء والرجال أيضاً؛ حيث لا يوجد ما يمنع المرأة من أن تعمل داعية بين الرجال ما دامت تلتزم بالآداب والأخلاقيات الإسلامية في لباسها وسلوكها العام، وهناك من تتخصص في العلوم العصرية من طب وهندسة وتجارة وتدريس وغير ذلك؛ لتفيد نفسها وأسرتها من عائد هذا العمل، كما تفيد المجتمع الذي تعيش فيه.. وما أحوج مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى جهود فتياتها المتعلمات المثقفات المؤهلات؛ لممارسة كل الأعمال التي تناسب طبيعة المرأة، وهي كثيرة ومتنوعة وتشمل كل مجالات الحياة.
وأوضح رئيس قطاع التعليم الأزهري: إن الأزهر لا يفرق في التعليم بين الفتى والفتاة، ويقول: نحن نهتم بتعليم الإناث كما نهتم بتعليم الذكور، ومعاهد الفتيات تنتشر في كل محافظات مصر إلى جانب معاهد البنين، كما أن كليات البنات بجامعة الأزهر انتشرت في معظم المحافظات المصرية، وتخرج كل عام عشرات الآلاف في مختلف التخصصات.
نصوص واضحة
ويؤكد الشيخ سعد الفقي، وكيل وزارة الأوقاف المصرية، أن انتشار الأمية بين النساء في بلادنا العربية والإسلامية جريمة في حق ديننا، وفي حق مجتمعاتنا، ولا علاقة للإسلام بذلك من قريب أو بعيد، فالإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة في حق تلقي العلم والثقافة؛ حيث لم يفرق بين ذكر وأنثى في طلب العلم؛ بل أمرهما بالتسلح بالعلم النافع، وبالثقافة المفيدة، وبالمعرفة التي تعود عليهما وعلى أمتهما بالخير والرخاء. ويضيف: الله سبحانه وتعالى شرّف أهل العلم، سواء كانوا من الذكور أم من الإناث تشريفاً عظيماً، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة الواضحة التي تحث على العلم وتجعله حقاً وفريضة في الوقت نفسه لم تفرق في ذلك بين الرجال والنساء.. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين النساء ويعلمهن، وفي حديث نبوي كريم جاءت امرأة فقالت: «يا رسول الله ذهب الرجال، بحديثك، فاجعل لنا في نفسك يوماً نأتي إليك فيه تعلمنا مما علمك الله، فجاء صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله».. والذي يراجع كتب السنة النبوية يرى أن كثيراً من الأحاديث رواها عدد من النساء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان للسيدة عائشة رضي الله عنها نصيب كبير منها، وكذلك لغيرها من أمهات المؤمنين.
علم وعمل
من هنا يؤكد الشيخ الفقي أنه لا يجوز لأحد حرمان المرأة من حقها في التعليم والثقافة، فالمرأة شريكة للرجل في تحمل المسؤوليات والأعباء، وإذا كان الإسلام يعطيها الحق في العمل فلابد أن تتعلم جيداً، وتتدرب جيداً، وتسلح نفسها بكل العلوم والمعارف، فمجتمعاتنا في أمس الحاجة إلى المرأة المتعلمة المثقفة الواعية بهموم ومشكلات مجتمعها، القادرة على العمل والإنتاج، والمساهمة الجادة في صنع التنمية والتقدم.
ويقول: الذين يحرمون بناتهم من التعليم مخالفون لمنهج الإسلام وجاهلون بتعاليمه، وفتوى «تزويج البنت أهم وأولى من تعليمها» لا تستند إلى أساس شرعي، فالزواج حق يسبقه حق التعليم، ولا يجوز حرمان فتاة من التعليم تحت مبرر المسارعة بتزويجها.
حقوق ضائعة
الفقيهة الأزهرية، د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، تؤكد أن الشريعة قررت حقوقاً مثالية للمرأة لم تحظ بها النساء في مواثيق الأمم المتحدة، وفي الدول التي تدعي الحضارة والتقدم.. لكن - للأسف - معظم هذه الحقوق ضائعة؛ بسبب العادات والتقاليد المتوارثة في عالمنا العربي والإسلامي، وبسبب المفاهيم الخاطئة التي تسيطر على عقول كثير من الرجال والثقافة الذكورية السائدة في عالمنا العربي والتي تستند إلى فهم عقيم لبعض التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة.
وتقول: منظومة الحقوق الإسلامية تنص على أحقية المرأة المسلمة في التعليم والتثقيف، لكن من المؤسف أن يتجاهل بعض المسلمين هذه التعاليم والتوجيهات الإسلامية، ويهملوا تعليم بناتهم مما يؤدي إلى زيادة نسب الأمية بينهن، ومن المؤسف أيضاً أن يحمّل البعض الإسلام مسؤولية ذلك استناداً لمفاهيم دينية خاطئة، أو فتاوى غير دقيقة مثل فتوى «تزويج البنت أهم وأولى من تعليمها» وهي فتوى تتجاهل تماماً حق المرأة في التعليم، وتداعيات هذا الكلام دينياً واجتماعياً واقتصادياً وتربوياً خطرة جداً على واقعنا الاجتماعي في الدول العربية؛ إذ ليس هناك ما يمنع من تفرغ المرأة لرعاية زوجها وتربية أولادها؛ لكن على الجميع أن يدرك أن عطاء الزوجة والأم المتعلمة لزوجها وأولادها وبيتها أفضل كثيراً من عطاء الزوجة الأمية.
وتطالب أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر كل امرأة مسلمة بعدم التفريط في حقوقها الشرعية، وخاصة حق تلقي العلم بكل أنواعه، وتؤكد أن الإسلام لم يعط للمرأة الحق في طلب العلم فقط؛ بل جعله فريضة واجبة عليها؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».