الحوار المستحيل بين الذئب والحمل

2022-01-17

الياس خوري

في رده (خلال مقابلة إذاعية مع راديو جي) على العريضة التي وقعها 250 مثقفاً عربياً ضد المنحى التطبيعي الذي اتخذه معرض «يهود الشرق» في معهد العالم العربي، ذكرني السيد جاك لانغ بحكاية الذئب والحمل التي كتبها لافونتين في القرن السابع عشر.

كنت مع زميلاتي وزملائي من موقّعي العريضة، نأمل أن نفتح نقاشاً جدياً ومسؤولاً ومثمراً، حول منزلق التطبيع مع إسرائيل التي قررت أن تكون دولة أبارتهايد، وما هو واجب المثقفين المؤمنين بالعدالة والحرية، في مواجهة دولة تقوم بتدمير شعب كامل وقع تحت احتلال جيشها.

غير أن رئيس معهد العالم العربي آثر في تصريحه عدم النقاش، مدعياً أن عريضتنا غير ملائمة البتة وحجبت الموضوع، متناسياً أن من حجب الوضوع وساهم في إلقاء ظلال من الشك حوله هو تصريحه الترحيبي بالتطبيع بين المغرب وإسرائيل، ومقابلة دنيس شاربيت الذي اعتبر فيها أن المعرض جاء كثمرة «لاتفاقات أبراهام»، التي قامت بتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات التي سرعان ما التحقت بها البحرين والمغرب وسودان الطغمة العسكرية الحاكمة. السيد شاربيت اعتذر عن تصريحه لاحقاً، لكن السيد لانغ لم يُعد النظر لحظة واحدة بترحيبه بالتطبيع.

ما فات السيد لانغ هو أن المثقفين العرب الذين شبههم بالغنم، يخوضون في بلادهم معركة مقاومة أنظمة استبدادية متوحشة أوصلت العالم العربي إلى الخراب. كما يواجهون تجبّر دول النفط، حيث لا مكان للحرية وحقوق الإنسان، وهي تحاول الاستيلاء على الثقافة العربية، وإفراغها من مضمونها الإبداعي والأخلاقي، عبر تحويلها إلى ثقافة ترفيه واستعراض.

من الطبيعي أن يعتبر هؤلاء المثقفات والمثقفون أن مقاومة نظام الاحتلال الكولونيالي الإسرائيلي يقع في صلب همومهم. إسرائيل تصادر الأراضي الفلسطينية من أجل زرع الضفة الغربية بالمستعمرات، حيث يقوم المستوطنون المتعصبون والأصوليون بالاعتداء اليومي على الفلسطينيين، ويقتلعون أشجار الزيتون، ويدمرون حقول القمح بحماية الجيش الإسرائيلي ومشاركته.

إسرائيل هذه لا تزال تقدم نفسها إلى العالم بصفتها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!

وليس غريباً أن تجد إسرائيل في المستبدين العرب حلفاء وأتباعاً، تعدهم بالحماية وتطبيع استبدادهم لدى شعوبهم ولدى دول العالم، مقابل تبعيتهم لها.

معركتنا يا سيد لانغ ليست معك ولا مع معهد العالم العربي، وكنا نأمل أن يقوم المعهد بتصويب الخطأ الذي وقع فيه، غير أن تصريحك الأخير جاء برهاناً إضافياً على أن هناك مشكلة يجب حلها.

طريقة الحل في نظرنا هي الحوار، لكن السيد لانغ قطع أي إمكانية للحوار حين وصف العريضة بالسخيفة والمحزنة، معتبراً أن الاحتجاج على جلب قطع فنية من متحفين إسرائيليين غير متوازن، لأن المعرض لم يستخدم سوى ثلاث أو أربع قطع إسرائيلية فقط.

هنا أريد أن أسأل ما هو الموقف من نظام الأبارتهايد الإسرائيلي؟

موقفنا اليوم يشبه موقفنا بالأمس من نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، إنه المقاطعة.

هذا هو الموضوع الذي أراد السيد لانغ تجنبه، مشيراً إلى دوره ودور معهد العالم العربي في الإضاءة على الثقافة الفلسطينية.

هذا الدور افتقدناه في معرض «يهود الشرق»، كما افتقدنا النتاج الفكري والفني لليهود العرب، الذين جردتهم إسرائيل من هويتهم في عملية تذكرنا بالرسالة التمدينية التي ادعتها الدول الاستعمارية، حين نهبت وحطمت ثقافات المستعمرات التي احتلتها. الفلسطينيات والفلسطينيون لم يغادروا عام 1948، بل طردوا من بلادهم بالعنف والمجازر والجرائم التي يصنفها القانون الدولي جرائم ضد الإنسانية.

كما أن الفلسطينيات والفلسطينيين اليوم يتعرضون للعسف ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة. لا يملك الفلسطينيون أدنى الحقوق، وفي مقدمتها حقوقهم في حرث حقولهم التي يصادرها الاستيطان، وحقوقهم في التجول بحرية في بلادهم التي تمزقها المستعمرات وحواجز جيش الاحتلال، وحقوقهم في البقاء في منازلهم التي تهدمها جرافات الجيش الإسرائيلي.

لا أدري لماذا وقع السيد لانغ في فخ الاستعلاء الذي يذكّرنا بالزمن الكولونيالي. كنت أعتقد أن لغة ذلك الزمن انتهت، وأن الثقافات تستطيع أن تتحاور انطلاقاً من رفض فكرة التفوق التي بررت في الماضي جرائم الاستعمار.

لكن يبدو أن السيد لانغ قرر أن لا يحاور، وأنجع طريقة لشطب إمكانية الحوار هي إهانة الآخر وإلصاق صفات مشينة به.

قال السيد لانغ: «لقد أحزنني أن أجد أشخاصاً بعضهم يمتلك صفات مميزة من الكتاب والفلاسفة ينجرفون كالأغنام وراء نص لم يتحققوا حتى من صحته».

قام لانغ بتصنيفنا، واعتبر بعضنا مميزاً، شكراً يا سيدي، لكنني لا أعتقد أنك مؤهل للقيام بتقويم المثقفين العرب وتصنيفهم. ثم وصل به الأمر إلى اعتبارنا أغبياء لم نتحقق من صحة بيان وقعناه، وفي النهاية نشكر وصفه لنا بالأغنام، فأن تكون حملاً أفضل من أن تكون ذئباً.

غير أن هذه الصفة التي ألصقها بنا تقود إلى استحالة الحوار، وقديماً روى لافونتين قصة الحوار بين الحمل والذئب، مستنتجاً بأن الحوار بينهما مستحيل.

سؤالي الأخير هو: إذا كنا نحن أغناماً، فكيف تصنف نفسك يا سيد لانغ في مملكة خرافات لافونتين؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي