موليير يثير شغفا متجددا في بلد شكسبير

ا ف ب - الأمة برس
2022-01-15

صورة ملتقطة في 14 كانون الأول/ديسمبر 2021 تظهر كتاب مختارات أدبية من مسرحيات موليير بالإنكليزية والفرنسية عائد إلى سنة 1732 في مكتبة دار "كوميدي-فرانسيز"(ا ف ب)

بعد جفاء طويل مع الجمهور في بلد شكسبير، عادت المسرحيات المستندة إلى نصوص موليير أخيراً لتستقطب متفرجين كثيرين من الإنكليز المتعطشين لكوميديا عابرة للزمن أبدع بكتابتها المؤلف المسرحي الفرنسي الذي يُحتفل السبت بالذكرى المئوية الرابعة لولادته.

في قاعة المسرح الوطني في لندن حيث اعتاد الجمهور على المشاهد الجدّية العميقة، علت ضحكات الحاضرين خلال مشهد يغطي فيه الممثل الأميركي دنيس أوهير بدور شخصية Tartuffe الشهيرة لموليير، خيانته من خلال محاكاة ساخرة لمشهد فروسية بريء أمام البطلة الأخرى أوليفيا وليامز.

وقال الممثل الأميركي لوكالة فرانس برس "الكوميديا يمكنها أن تعبر القرون إذا عرفنا ماذا نفعل".

وأشار إلى أن "جزءاً من الفكاهة كان قائماً على اللغة، فيما استند جزء آخر على البلاهة المطلقة... لكن ثمة أيضاً لحظات عظيمة من الشفقة والعاطفة تغني العمل كثيراً".

وأثبت نجاح هذا الإنتاج المسرحي المستند إلى قصة "Tartuffe" عام 2019 بأن موليير قادر على استقطاب جمهور واسع في بلد شكسبير... لكنّ الحال لم تكن كذلك على الدوام.

يقول نويل بيكوك من جامعة غلاسكو، وهو متخصص في أعمال موليير في البلدان الناطقة بالإنكليزية "غالبا ما كان عدد الحاضرين على خشبة المسرح يفوق أولئك الموجودين في الصالة".

وفي الثمانينيات، حذر ناقد في صحيفة "صنداي تايمز" من الفجوة بين فرنسا والمملكة المتحدة، متسائلا "كيف يمكننا عقد اتفاقات تجارة حرة مع بلد لا يمكنه تصدير أفضل كوميديا لديه؟"

لكنّ الوضع "انعكس تماماً" مذاك، بحسب بيكوك، إذ شهدت خشبات المسرح الإنكليزية عرض العشرات من أعمال موليير في السنوات الأخيرة.

- إسقاطات معاصرة -

فقد قُدّم من Tartuffe ("طرطوف") وحدها ثلاث نسخ في لندن بين عامي 2016 و 2019. كما شاركت كيرا نايتلي في مسرحية  "Le Misanthrope" ("عدو البشر") عام 2009، فيما ظهر ديفيد تينانت (المعروف بدوره في مسلسل "Doctor Who") في مسرحية "Don Juan" عام 2017.

ويعزو الأستاذ الجامعي هذا الاهتمام المتجدد إلى ترجمات جديدة يركز أصحابها على نقل روحية الكتابة أكثر من الحرص على حرفية نصوص موليير.

يقول دنيس أوهير "المسرحيات العظيمة تستمر لسبب ما"، مضيفا "طرطوف يمثل شخصية الوغد الفاسد المحتال. لكنه أيضاً الشخص الذي يفصح عن الأشياء، بحسب تقاليد الكوميديا الفرنسية. هو يتمرد على قواعد المجتمع واصطلاحاته".

حتى أن فرقة "رويال شكسبير كومباني" ذهبت إلى حد إسقاط نص موليير على قصة عائلة من أصل باكستاني في برمنغهام، حيث أظهر موضوع النفاق الديني قدرة كبيرة على محاكاة الواقع.

كما طرحت فرقة Exchange Theatre  الفرنسية البريطانية في لندن، أخيراً عملاُ وثائقياُ عن اقتباسها المسرحي لـ"عدو البشر" وإسقاطها المعاصر داخل غرفة تحرير وسيلة إعلامية تواجه قضايا الكذب والنفاق.

ويستحضر مخرج المسرحية الفرنسي الموريتاني دافيد فورلون، مقطع المونولوج عن النفاق في "دون جوان" ("شخصية الرجل الصالح هي أفضل الشخصيات التي يمكن للمرء أن يلعبها")، كمثال للنص الذي يبقى صالحا إلى الأبد.

- "جوانب كثيرة" -

يقول فورلون "لقد تساءلت في الماضي عما إذا كانت تنشئتي الفرنسية وحدها تدفعني للإعجاب بموليير"، مضيفا "لكني لا أعتقد ذلك. هناك جوانب كثيرة للغاية في موليير، إنه غني ومتنوع للغاية، يبرع بنصوص الكوميديا والتراجيديا على السواء، وبالنصوص الهزلية بالمقدار عينه للمسرحيات الفلسفية. هو يخاطب الجميع".

وقد حققت اقتباسات مسرحية لأعمال موليير نجاحا أيضا في غير مكان حول العالم، بما يشمل ألمانيا وروسيا واليابان.

كما يشير كتاب عن موليير في العالم العربي إلى أن أعمالا للمسرحي الفرنسي الشهير تُعرض في بلدان عربية منذ عام 1847 على الأقل، وأنه أصبح "الأب الروحي للمسرح" في بلدان كثيرة.

وتؤكد أمينة المحفوظات في دار "كوميدي فرانسيز" المسرحية أغات سانجوان أن "مسرحيات موليير كانت مهمة للغاية في العالم. حتى أنه شكّل الأساس لبعض المسارح الوطنية التي كيّفت أعماله مع اللغة والثقافة المحلية".

في إنكلترا، واجه موليير منافسة شديدة مع شكسبير، رغم أن أعمال الكاتب المسرحي الفرنسي عبرت إلى الجانب الآخر من بحر المانش منذ ستينيات القرن السابع عشر.

لكن كان لموليير صدى أكبر في اسكتلندا، وفق بيكوك، إذ "كانت ميزته الرئيسية هي أنه لم يكن إنكليزيا".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي