بورتريه آخر لجريجور سامسا «حواريّة»

2022-01-05

منصف الوهايبي

ـ سِنَتِي النهارُ.. وسُنّتِي

ـ والليلُ؟

ـ منذُ طفولتي فتوايَ.. إذ نطوي مهادَ ظلامهِ.. حتى بياضِ القيروانِ.. الغيمُ صحوٌ..

إذ يباعدني المكانُ.. الليلُ يطويني.. يُقرّبني إليّ.. الليلُ مرآتي مُحدّبةً مُقعّرةً ودائرتي..

ـ وهذا الظلّ؟

ـ ضوءُ جناحهِ أو جِنْحِهِ..

مُتخفّيًا منهُ.. بهِ..

ـ أنتَ المعلّقُ في الهواءِ؟

ـ أنا؟

وكيفَ؟ ولي هنا بالأرضِ شأنٌ.. ألف شأنٍ..

لي أنا أعشابُها.. تلك الجريحةُ.. كالجليدِ على سطوحِ الماءِ.. إذ تَعْطُو.. كذا.. بسذاجةٍ نحوي وتُعطيني..

ولي أرضي مرنّحةً ككلبِ الصيد (في رائيّة الكِنْديّ) مطعونًا..

ـ أكنتَ حمارها الوحشيَّ؟

ـ رُبَّـتَـمَا..

ـ وهذا الشعرُ؟

ـ كوْثَريَ الذي أُعطيتُ.. حتى لا أموتَ من الحقيقةِ..

أنتَ تعرفُ نحنُ أقبحُ ما نكونُ.. وحين نكتبُ نحن أجملُ ما نكونُ..

وأنت تعرفُ أنّ ما قد كنت أخسرهُ هنا.. قد كنت أربحهُ هناكَ.. وأنّ ما قد كنت أربحهُ هنا.. قد كنت أخسرهُ هناكَ..

وأنت تعرفُ أنّ هذا الشعر شيءٌ كالقمارِ..

ـ الناسجونَ على مَناوِيلِ القصيدةِ؟ ما الذي يبقى لهم منها؟

ـ نُفايةُ صوفِها؟

أعني خلاصةَ حكمةٍ شرقيّةٍ.. غربيّةٍ.. منْ نحنُ؟ ماذا نحنُ نعرفُ؟ حيث كانَ وما يكونُ إلى زوالٍ كلّهُ..

ـ الموتُ؟

ـ في أجسادنا يجري كما تجري الحياةُ..

رثيثُ نسيجهِ ونسيجِها.. أوهامُنا..

لا شيء يُغْنِيني .. ويَعْنيني.. سوى هذا الغيابِ.. أنا أُعِدُّ له.. هنا في بيتيَ الريفيِّ .. أكتبهُ.. بلا لفظٍ… وأعرفُ أنّ للكلماتِ ماءً… سوف تطلبهُ.. وأعرف أنّ للكلماتِ ملحاً.. سوف تطلبهُ.. ولنْ..

ـ أجسادُنا؟

ـ أغراسُنا مقلوعةً..

ـ أكفاننا؟

ـ تعني حصيرَ جُذورنا..

سِيّانِ أنْ لكَ بيتُكَ الأبديُّ في الفِردوسِ، أوْ لكَ بيتُكَ الأبديُّ في سِجِّينِها..

ـ الراحلون إذن؟

ـ لقد فازُوا.. ولا عَوْدٌ..

ـ كأنّك تَغبطُ الموتى..

ـ كأنّي

ـ نحنُ؟

ـ [أبوابٌ مواربةٌ.. على عتباتها الحفّارُ منتظراً] ينادي بي.. وفي يده مُنَمْنَمَةٌ.. على عاجٍ..

سيدخلُ؟ أم سأخرجُ عاريا في الموعدِ المضروب لي؟

ـ والآن؟ قُلْ؟

ـ في كلّ ليلٍ صار لي ليلٌ أقلُّ.. لكي يطولَ بيَ النهارُ..

ـ الآن؟

ـ هذا الحاضرُ الأبديُّ.. هذا العابر الأبديّ.. كيف لنا به؟

أنا لم أحبّ «الآنَ» قطّ.. ولن أحبّ..»الآنَ» سرُّ الموتِ..

ـ أنت الآنَ؟

ـ أحلمُ مثل «شيخ البحر».. لكن بالصراصيرِ.. الخفافيشِ التي سنكونُ يوما.. ثمّ نُكنسُ مثلَها..

٭ ٭ ٭

مُتدلّيًا.. أنا في انتظار المدّ يجرفُني.. يداً لبنيّةً.. وجناحَ خُفّاشٍ..

وأعرفُ ثمّ كلبٌ سائب سيدلّني (ويدلّكمْ) يومًا على بيتي..

جريجور سامسا بطل راواية «المسخ» لكافكا

كاتب وشاعر تونسي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي