ما لا تعرفه عن نجيب محفوظ

2021-11-26

لوحة للأديب المصري نجيب محفوظ (مواقع التواصل)محمد رمضان سعيد

"كنت أتمنى أن أكون معكم اليوم في هذه المناسبة السعيدة، لولا عذري القاهر"، بهذه الكلمات البسيطة اعتذر الأديب العالمي رائد الرواية العربية نجيب محفوظ عن حضوره لاستلام جائزه نوبل، وطلب تسليمها لكريمتيه.

لماذا سمي بـ"نجيب محفوظ"
في 11 ديسمبر/كانون الأول 1911، ولد نجيب محفوظ وكانت ولادته عسيرة جدا، وكأن الكون يريد إثبات شيء ما، وكأن الدنيا تريد إبلاغنا أنها تهبُنا إنسانا غير عادي. اضطر والده للجوء إلى طبيب على غير العادة والمتعارف عليه، ففي تلك الفترة لا تلد الأم إلا على يد امرأة تسمى "الداية". وبالفعل أتى طبيب يدعى نجيب محفوظ باشا، واستطاع أن يسعف الأم لتضع مولودها، فأراد عبد العزيز إبراهيم والد نجيب محفوظ أن يشكر الطبيب، فقام بتسمية المولود باسم الطبيب، اسم مُركب "نجيب محفوظ" عرفانا بالجميل.

 

بداية تعلقه بعالم الحكايات


المقهى أول مكان اتصلت به في عالم القصص، لأن في مقاهي الجمالية

كل قهوة لها شاعر يحكي قصة من القصص الشعبية على الربابة

(نجيب محفوظ)

"المقهى أول مكان اتصلت به في عالم القصص، لأن في مقاهي الجمالية كل قهوة لها شاعر يحكي قصة من القصص الشعبية على الربابة"، هكذا أخبرنا الأديب ورائد الرواية العربية عن بداية ولعه بالقصة، وقال أيضا إن أول قصة قرأها في حياته هي "ابن جونسون"، وحصل عليها من رفيقه بالمدرسة في المرحلة الابتدائية.

الأجر الأول "جنية"
عندما شرع نجيب محفوظ في الكتابة كان حينها طالبا في قسم الفلسفة بكلية الآداب، بدأ كتابة القصص القصيرة وواجه صعوبات في النشر، ولكنه تنازل ونشر دون مقابل مادي، وبعد نشره 80 قصة أبلغه الناشر أن له "جنيها" من المستحقات، وكان لهذا المبلغ أثر عظيم في نفسه وكأنه امتلك الدنيا.

ومبلغ الجنيه كان بالتحديد عن مجموعة قصصية بعنوان "همس الجنون" ومن مقتبساتها، أنه في حالة غامضة تبدو كالحياة وكالموت إذا أنت نظرت إليها من الخارج، أما من الباطن والجوهر فهي سرّ مغلق. وأول رواية كانت بعنوان "عبث الأقدار".

صابر


اشتغلت سنوات طويلة دون أن أسمع نقدا يقدّر ما أقوم به

(نجيب محفوظ)

عندما بدأ نجيب محفوظ النشر كان هناك ما يسمى "المؤسسة النقدية الرسمية" أو "السلطة الأدبية العليا"، كما أطلق عليها الناقد علي شلش، وأعضاء هذه المؤسسة هم: طه حسين، والعقاد، والمازني، ومحمد حسين هيكل، وكانت تملك هذه المؤسسة "صك الجنة"، أي أنها هي التي تقبل أو ترفض ما يُكتب، ويعني قبولها للكاتب الجديد والاعتراف به والكتابة عنه بمثابة فتح باب الشهرة على مصراعيه.

لم يكتب أحد منهم كلمة في حق نجيب محفوظ، لا بالإيجاب ولا بالسلب، ويكمن هذا في عدة أسباب: ربما لتأثر وارتباط نجيب محفوظ بسلامة موسى الذي كان يشكل حينذاك جبهة المعارضة لكلٍّ من طه حسين وهيكل والمازني، أو ربما لعدم سفر نجيب محفوظ إلى أوروبا، وهذا الجيل كان على اعتقاد بأن الرواية فن غربي.

ظل نجيب محفوظ يعاني من هذا التجاهل طوال ربع قرن، وهذا ما جعله مثالا للسخرية بين أصدقائه فأطلقوا عليه لقب "صابر"، ولكنه كان على يقين بأنها عاصفة وستمر، فكان يبتاع كل يوم الجرائد والمجلات لعله يجد عنه شيئا قد قيل، ولكن دون جدوى!

وبعد عدّة سنوات، تأسست لجنة النشر للجامعيين. حرص نجيب محفوظ وزملاؤه على مشاركة كُتاب كبار في مجموعة قصصية، وبالفعل شاركوا المازني وتيمور وإبراهيم المصري في مجموعة قصصية بعنوان "أقاصيص"، وضمت هذه المجموعة قصتين لنجيب محفوظ، وهما: "عودة سنوهي" و"مائة جنيه"، وصدرت بالتحديد عام 1944، ولم تأتِ هذه التجربة بنتائج ذات جدوى أيضا!

ولكن نجيب محفوظ ظل يحاول ويحاول وكأنه على يقين من أن نوبل في انتظاره، وكأنها تأتيه في منامه وتطلب منه الصبر والسعي من أجل تحقيق اللقاء من أجل اليوم الموعد.

وعلى حد تعبير نجيب محفوظ، فإنه كان يملك "عناد الثيران"، كما أنه كان رفيق مبدأ عندما أيقن بداخله أنه لا يكتب من أجل المال، بل من أجل المتعة.

المقاهي ونجيب محفوظ
أحب نجيب محفوظ 5 مقاهي، بداية من قشتمر التي كتب رواية تحمل اسمها، ثم إيزيس، مرورا بمقهى عرابي، ثم الفيشاوي، وعلي بابا.

وبخصوص مقهى علي بابا، كان نجيب محفوظ قد كتب على إحدى منضداته بجوار نافذة تطل على ميدان التحرير، قصة "الحب فوق هضبة الهرم"، والمجموعة القصصية أيضا التي تحمل الاسم ذاته. ومن حبه للمكان الذي كتب على منضدته القصة، طلب من المخرج عاطف الطيب أن يصور مشاهد الحب التي تجمع البطل والبطلة في مقهى علي بابا، وعلى نفس المنضدة!

نعم، نحن نتكلم عن الفيلم السينمائي "الحب فوق هضبة الهرم" الذي قام ببطولته كل من المُبدع الراحل أحمد زكي والفنانة آثار الحكيم، ليبرهن النجيب على أن المكان هو بطل الحكاية، كما برهن من قبل في رائعة ثلاثية القاهرة أن الزمان بطل الحكاية.

ولكن منذ فترة، وبعد وفاة الأديب العالمي، قرر مسؤول الحي أن يهدم الجزء الأعلى الموجود به المقهى، ليصبح التاريخ مجرد أطلال!

الحرافيش
في عام 1943، التقى الفنان الراحل أحمد مظهر بنجيب محفوظ، وحينذاك كان أحمد مظهر ضابطا بالجيش، ولم يكن قد انخرط في السينما، وبدأت علاقة صداقة فيما بينهم.

كان أحمد مظهر بالرغم من انتمائه إلى أسرة كبيرة وعريقة، يجوب في وجدانه أنه من الصعاليك على حد تعبيره. ربما كان دافع هذا الشعور هو القناعة أو الزهد الدنيوي، وعندما تعرف أحمد مظهر على نجيب محفوظ وأصدقائه الذين اجتمع بهم في "كازينو بديعة" على النيل، أطلق عليهم من باب الدعابة لقب "الحرافيش"، وهو مصطلح تركي من كلمتين "حارة" و"مفيش"، بمعنى "لا يوجد حارة" والمقصود بها الصعاليك وبسطاء القوم.

خرجت الكلمة من قلب وفم الفنان أحمد مظهر بصفة "نكتة" كعادة المصريين، ولم يكن يعلم أنها ستصبح اللقب الدائم لتلك المجموعة من الأصدقاء، ولم يكن أيضا يعلم أنها ستكون بمثابة براءة اختراع داخل روايات الأديب العالمي، وتطلق في معظم رواياته على أهل حارة النجيب، وتطلق كعنوان لرائعة من روائع الأدب العربي والعالمي.

ويذكر أيضًا أن هناك ضمن هؤلاء الحرافيش صلاح جاهين والدكتور مصطفى محمود.

سنة العمل
المعروف عن نجيب محفوظ أنه كان موظفا للكتابة، وكان يكتب كل يوم ربما نتيجة تأثره بالعمل الحكومي، ولكنه استطاع أن يبرهن لنا أن الكتابة عندما تتعامل معها على أنها وظيفة يجب المواظبة عليها كل يوم، ستنتج الكثير والكثير، وسيأتي وقت تجد الوحي والإلهام يجيئون لك من حيث لا تحتسب، وكأن عقلك اتصل بالروح والخيال دون عناء.

وتبدأ سنة الكتابة عند نجيب محفوظ في أكتوبر/تشرين الأول، وتنتهي في أبريل/نيسان، وبينه وبين سبتمبر/أيلول لا يكتب، لأن حالته الصحية في ذلك الوقت لا تكون جيدة، إذ كان لفصل الصيف تأثير سلبي على عينيه. وبهذا النمط، ترك لنا النجيب مدرسة وقاعدة مهمة لكل من يريد أن يسلك طريق الأدب.

رحم الله النجيب وأنار قبره كما أنار عقول أجيال كثيرة.

 

*المصادر
الجزيرة الوثائقية
موقع أخبار اليوم
الفيلم التسجيلي حارة نجيب محفوظ
الموسوعة الحرة (ويكيبيديا)







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي