قبل قمة الأمم المتحدة للمناخ.. كيف تتبنى دول الخليج العربي إستراتيجيات بيئية واعية؟

الجزيرة
2021-10-23

الوقود الأحفوري ما زال يمثل 83.1% من الطاقة المستهلكة عالميا (أ ف ب)

عبد القادر الكاملي: يقول تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إنه لم يتبق أمامنا سوى 7 سنوات فقط (حتى عام 2028) للعمل على تغيير المسار الذي يأخذه المناخ حاليا، هذا إن أردنا تجنيب البشرية كوارث مدمرة.

تضمن التقرير الإحصائي السنوي الصادر هذا العام عن شركة "بريتش بتروليوم" (British Petroleum) بيانات عديدة عن الطاقة لعام 2020؛ إذ أشار التقرير إلى أن الوقود الأحفوري (نفط وغاز وفحم) ما زال يمثل 83.1% من الطاقة المستهلكة عالميا.

وبلغت حصة النفط -وهي الأكبر- 31.2%، تلاه الفحم بحصة بلغت 27.2%، ثم الغاز الطبيعي بحصة بلغت 24.7%، ثم الطاقة المتجددة بحصة بلغت 5.7% متجاوزة حصة الطاقة النووية التي بلغت 4.3% فقط. أما حصة الطاقة المائية فبلغت 6.9%.

وأشار التقرير إلى أن العالم يضيف كل عام نحو 51 مليار طن من غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، معظمها من الوقود الأحفوري؛ مما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي زيادة درجات حرارة الأرض.

وأظهرت آخر الأرقام التي نشرتها منظمة "كلايميت ووتش" (Climate Watch) عن عام 2018 أن 60% من غازات الدفيئة تنطلق من 10 بلدان تتصدرها الصين ثم الولايات المتحدة فالهند فروسيا.

لكن إذا استخدمنا مؤشر التلوث لكل فرد من السكان، نجد أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة 18، وروسيا المرتبة 28، والصين المرتبة 54، والهند المرتبة 149، في حين تأتي بلدان مجلس التعاون الخليجي في مراتب متقدمة؛ إذ تحتل قطر المرتبة الثالثة، والبحرين الرابعة، والإمارات الخامسة، والكويت السادسة، والسعودية 14، وعمان 21.

ورغم تصدر بلدان مجلس التعاون الخليجي عالميا في مؤشر حصة الفرد من إطلاق غازات الدفيئة، فإن ترتيبها في مؤشر الانتقال إلى الطاقة النظيفة التي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام جاء متأخرا نسبيا، إذ حلت دولة قطر في المرتبة الأولى عربيا (53 عالميا من أصل 115 دولة شملها التقرير)، تلتها على المستوى العربي دولة الإمارات (64 عالميا)، ثم المغرب (66 عالميا)، ثم الأردن (72 عالميا)، ثم عمان (74 عالميا)، ثم الجزائر (79 عالميا)، ثم السعودية (81 عالميا)، ثم تونس (88 عالميا)، ثم الكويت (102 عالميا)، ثم البحرين (108 عالميا)، ثم لبنان (112 عالميا).

أما على المستوى العالمي في مؤشر الانتقال إلى الطاقة النظيفة، فجاءت السويد في المركز الأول للعام الرابع على التوالي، تلتها النرويج ثم الدانمارك. وذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن الاستثمار العالمي في مجال الانتقال إلى الطاقة النظيفة تجاوز 500 مليار دولار عام 2020، على الرغم من تفشي جائحة كوفيد-19.

كيف يمكن تجنب الآثار الكارثية لتغيّر المناخ؟

أسس برنامج الأمم المتحدة للبيئة بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية -عام 1988- "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" ‎(IPCC)‏ لتقديم تقديرات شاملة عن الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تغيّر المناخ.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، أصدرت الهيئة تقريرا يوصي بالعمل على إبقاء زيادة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية على الأكثر عبر تصفير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، وذلك عن طريق زيادة استخدام الطاقة النظيفة وموازنة الانبعاثات المتبقية بإزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

الوقود الأحفوري ما زال يمثل 83.1% من الطاقة المستهلكة عالميا (أ ف ب)

 

الطاقة المتجددة

توجد 6 أنواع من الطاقة المتجددة (الشمسية، المائية، الرياح، الحيوية، حرارة باطن الأرض، المد والجزر). والشمس هي أكبر مصدر للطاقة المتجددة، فالأرض تستقبل من الشمس كل 5 أيام طاقة تعادل كل موارد الأرض واحتياطاتها المؤكدة من النفط والفحم والغاز الطبيعي. وإذا تمكنت البشرية من استخدام جزء واحد فقط من 6 آلاف جزء من الطاقة الشمسية المتدفقة على الأرض، فسنكون قادرين على تلبية 100% من احتياجاتنا من الطاقة.

يتسارع العمل اليوم على رفع كفاءة الألواح الشمسية وأساليب استخدامها، إذ بدأ استخدام الألواح الشمسية ثنائية الوجه. ويتمثل أحد الاختراقات العلمية في مجال الألواح الشمسية في تمكين فوتون عالي الطاقة من تحرير إلكترونيين من خلية السيليكون الشمسية بدلا من إلكترون واحد كما هو سائد حاليا، ويتوقع أن تتاح هذه التقنية تجاريا خلال بضعة أعوام.

ومن المتوقع أيضا أن تصبح الألواح الشمسية جزءا لا يتجزأ من البنى الأساسية لبلدان العالم، فبالإضافة إلى محطات توليد الكهرباء العملاقة، سوف نشهد استخدام الألواح الشمسية في النوافذ وأسطح المنازل وناطحات السحاب، والمدارس، والمستشفيات، ومواقف السيارات، وأساطيل النقل الأرضي والجوي والبحري، والمزارع، إلخ. وسوف تدعم تقنيات عديدة مبتكرة هذا التحول، نذكر منها البطاريات التي تستخدم الحديد والملح والماء لتخزين طاقة الشمس والرياح بتكلفة متدنية نسبيا ولمدة طويلة.

التحول البطيء الجاري نحو الطاقة النظيفة ليس كافيا لتصفير انبعاث غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي بحلول عام 2050، لأن استخدام الوقود الأحفوري سيستمر حتى ذلك الوقت، رغم تراجع نسبته من إجمالي الطاقة المستخدمة.

وفي هذا الإطار، توفر تقنية امتصاص غازات الدفيئة من الجو حلا مناسبا، وذلك بإنشاء محطات خاصة بذلك (تنتشر العديد من هذه المحطات حاليا في عدة بلدان متقدمة، لكن فعاليتها لا تزال ضئيلة).

وتكمن المشكلة في هذه التقنية أن تكلفتها الحالية لا تزال مرتفعة، إذ تبلغ تكلفة امتصاص طن واحد من غازات الدفيئة من الجو نحو 400 دولار، وهذا يعني أن التخلص من 51 مليار طن يكلف 20.4 ترليون دولار سنويا وهي تكلفة لا يمكن للبشرية تحملها.

ومن المتوقع أن تنخفض هذه التكلفة تدريجيا بحيث يزداد إسهام هذه التقنية في التخلص من غازات الدفيئة مع الوقت. بيل غيتس متفائل بإيجاد حلول فعالة لتغيّر المناخ، يقول "تفاؤلي الأساسي بشأن تغير المناخ يأتي من إيماني بالابتكار. لم تكن الظروف أكثر وضوحا من أي وقت مضى لدعم الاختراقات المرتبطة بالطاقة. إن قدرتنا على الابتكار هي التي تجعلني متفائلا".

الطاقة المتجددة في بلدان مجلس التعاون الخليجي

تنبهت بلدان المجلس إلى أهمية الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية نظرا لتوفر الظروف الملائمة لها في المنطقة، فبدأت بإنشاء محطات عديدة، منها:

–محطة الظفرة للطاقة الشمسية، ومحطة نور أبوظبي، ومحطات أخرى في دولة الإمارات.

–محطة الخرسعة للطاقة الشمسية في قطر.

–محطة قبس للطاقة الشمسية في عُمان.

–محطة سكاكا للطاقة الشمسية، ومحطة دومة الجندل لطاقة الرياح، ومشاريع أخرى في المملكة العربية السعودية.

هذه المشاريع الواعدة لم تظهر آثارها بعد في التقارير الدولية المرتبطة باستخدام الطاقة المتجددة، بما في ذلك التقرير الذي يتضمن مؤشر إسهام الطاقة الشمسية في إجمالي الطاقة المستهلكة في مختلف بلدان العالم.

ونأمل أن تظهر نتائج هذه المشاريع في التقارير المستقبلية، وأن يتم دعمها بسياسات ترمي إلى تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة من جهة، وإنشاء محطات امتصاص ثاني أكسيد الكربون من جهة أخرى. ويفضل أيضا الاستفادة من تجربة هيوستن بولاية تكساس لإنشاء حاضنات تكنولوجيا المناخ، بهدف الإسهام في عملية انتقال المنطقة نحو الطاقة النظيفة.

أخيرا، في الكلمة التي ألقتها الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ -حين كانت في الـ16 من عمرها- أمام الكونغرس الأميركي يوم 17 سبتمبر/أيلول 2019 حول ضرورة العمل الجاد لضبط التغير المناخي، قالت: "يجب أن تتحدوا خلف العلم. يجب أن تتخذوا إجراء. يجب أن تفعلوا المستحيل؛ لأن الاستسلام لا يمكن أن يكون خيارا أبدا".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي