أبوجا.. "بوكو حرام" يبحث عن معقل بعد هزيمته أمام "داعش"

الاناضول
2021-10-20

التوازن اختل في مايو 2021، بعد مقتل شيكاو واقتحام

أبوجا: تحولات درامية يشهدها تنظيم "بوكو حرام" شمال شرق نيجيريا، بعد مقتل زعيمه أبو بكر شيكاو في مايو/أيار الماضي في هجوم لـ "داعش ولاية غرب إفريقيا"، واستسلام آلاف العناصر من "بوكو حرام" للجيش خلال الأشهر الأخيرة.

وتطرح هذه التطورات المتسارعة تساؤلات حول مستقبل "بوكو حرام"، هل ستؤول إلى الاندثار؟ أم أنها ستبحث عن مساحات جديدة للنشاط خارج معاقلها التقليدية في شمال شرق نيجيريا، لتفادي الوقوع بين كماشة "داعش" والجيش الحكومي؟

اختلال التوازن

يُعد هجوم "داعش غرب إفريقيا"، على معقل "بوكو حرام" في غابة سامبيسا بولاية بورونو (شمال شرق)، في مايو، نقطة تحول رئيسية في طبيعة الصراع بين التنظيمين، خاصة بعد تفجير أبو بكر شيكاو، نفسه حتى لا يقع أسيرا في يد "داعش"، بحسب وسائل إعلام.

مقتل شيكاو، الزعيم الأبرز لبوكو حرام منذ 2009، شكل صدمة كبيرة للتنظيم الذي كان يسيطر على أجزاء واسعة من ولاية بورنو، وحوض بحيرة تشاد الذي تتقاسمه أربع دول (نيجيريا، تشاد، الكاميرون والنيجر) إلى غاية انضمامه لـ"داعش" في 2015.

غير أن "داعش" اختار أبو مصعب البرناوي، الذراع الأيمن لشيكاو، على رأس "ولاية غرب إفريقيا"، الأمر الذي رفضه الأخير، ما أدى إلى انشطار بوكو حرام إلى نصفين.

تمركز شيكاو في غابة سامبيسا جنوبي بورنو، بينما تمركز البرناوي وعناصر "داعش" في منطقة "بحيرة تشاد"، التي بقي بوكو حرام يسيطر على أجزاء منها.

واشتعل القتال بين التنظيمين الإرهابيين منذ 2016، حيث تمكنت بوكو حرام من السيطرة على معظم القرى والبلدات على ضفاف بحيرة تشاد من جهة نيجيريا إلى غاية 2019، بحسب وسائل إعلام.

لكن التوازن اختل في مايو 2021، بعد مقتل شيكاو واقتحام "داعش" معقل بوكو حرام في سامبيسا، وأدى ذلك إلى استسلام آلاف العناصر من "بوكو حرام" لجيش نيجيريا، بينهم قياديون، حتى لا يقعوا أسرى في يد "داعش".

وليس مستبعدا أن عناصر "داعش" في ليبيا، الذين انهارت إماراتهم في مدينة سرت (شمال وسط) في ديسمبر/كانون الأول 2016، فروا عبر الصحراء إلى أن وصلوا شمال شرقي نيجيريا.

وبحسب معهد الدراسات الأمنية الإفريقي، فإن عناصر "داعش" وتنظيم "ولاية غرب إفريقيا"، يفضلون استخدام طريق "ليبيا - الجزائر - مالي - النيجر – نيجيريا"، بدلًا من الممر المباشر (والأقرب) بين ليبيا والنيجر ونيجيريا.

وهذا أحد الأسباب التي توضح لماذا خسر "بوكو حرام" معركته ضد "داعش غرب إفريقيا"، خاصة بعد اكتمال القوس الرابط بين فروع "داعش" في ليبيا ومالي والنيجر ونيجيريا، والذي حذر منه خبراء أمنيون منذ سنوات قليلة.

كما أن العمليات العسكرية والغارات الجوية التي شنها الجيش النيجيري، خصوصا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، ساهمت في إضعاف بوكو حرام، وخسارته لعدة مناطق كان يسيطر عليها في بورنو، الحدودية مع الكاميرون وتشاد والنيجر.

كما أن التحالف العسكري الخماسي لدول حوض بحيرة تشاد (نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون) بالإضافة إلى بنين، لعب دورا في تنسيق الهجمات ضد بوكو حرام، وأعطت أبوجا الصلاحيات للجيش التشادي بمطاردة المسلحين عبر أراضيها، بحسب الباحث الفرنسي مارك أنطوان بريسوس دو مونتكلوس.

في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلن الجيش النيجيري مقتل 87 عنصر من بوكو حرام، بعملية عسكرية في بورنو.

وفي 14 من ذات الشهر، أعلنت وزارة الدفاع النيجيرية أن أكثر من 13 ألفا من مسلحي "بوكو حرام" استسلموا للسلطات خلال الأسبوعين الماضيين.

ومطلع سبتمبر الماضي، أعلنت السلطات النيجيرية استسلام قرابة 6 آلاف عنصر من بوكو حرام، خلال الأسابيع التي سبقته.

ويعكس هذا الاستسلام نزيف حاد في صفوف "بوكو حرام"، في الوقت الذي سعى "داعش غرب إفريقيا" لاستهدافهم في هجمات متفرقة.

التحالف العسكري الخماسي لدول حوض بحيرة تشاد بالإضافة إلى بنين لعب دورا في تنسيق الهجمات ضد بوكو حرام (أ ف ب)

 

إعادة الانتشار

اقتناع القادة الجدد لجماعة "بوكو حرام"، أنهم خسروا المعركة أمام "داعش غرب إفريقيا" في بورنو، دفعهم للبحث عن استراتيجية جديدة لمنع اضمحلال التنظيم.

وكان القرار، بحسب ملاحظات ميدانية، إعادة الانتشار في مناطق أخرى بعيدة عن معقلهم في شمال شرق نيجيريا.

وقطع عناصر بوكو حرام، مئات الكيلومترات نحو ثلاث ولايات استراتيجية، لإعادة هيكلة التنظيم.

أول هذه الولايات "كادونا" (شمال شرق)، تقع على الطريق بين العاصمة أبوجا ومدينة كانو، عاصمة الجزء الشمالي ذو الغالبية المسلمة، والتي من المقرر أن يعبر منها خط أنابيب الغاز "أجاوكوتا - كادونا - كانو"، الذي يعد جزءا من خط الغاز العابر للصحراء نحو أوروبا مرورا بالنيجر والجزائر.

وذكر موقع "VOA"، نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية، أن نحو 250 عنصرا من "بوكو حرام" قطعوا مئات الكيلومترات للانضمام إلى مجموعة إجرامية، تتدرب على استعمال السلاح في غابات "ريجانا شيكون"، في كادونا.

واختطفت هذه الجماعات الإجرامية التي لها صلات مع "بوكو حرام" نحو 1400 طالب في هجمات على المدارس والجامعات في العام 2021، وفقا لمنظمة حماية الطفولة "يونيسف".

الولاية الثانية "سوكوتو"، الواقعة في منطقة الشمال الغربي على الحدود مع النيجر، والتي تنتشر بها عصابات الجريمة والاختطاف منذ 2017.

وتعد سوكوتو، إحدى الخيارات أمام عناصر "بوكو حرام" لجعلها معقلا جديدا لها، بالنظر إلى وجود بؤر لها في الولاية وصلاتها ببعض العصابات الإجرامية.

إلا أن هذه الولاية ينشط بها أيضا عناصر من "داعش غرب إفريقيا" وتنظيم محلي موالي للقاعدة يسمى "أنصارو"، بحسب "مركز صوفان للدراسات".

وتعتبر سوكوتو أقرب ولاية في نيجيريا لمنطقة الحدود الثلاثة الملتهبة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، التي تنشط بها عدة جماعات موالية للقاعدة بالإضافة إلى فرع داعش بالصحراء الكبرى.

وليس مستبعدا أن تعزز هذه التنظيمات نشاطها بالمنطقة الشمالية الغربية لنيجيريا، لسهول التسرب إليها عبر الحدود الطويلة والمفتوحة مع النيجر.

أما الخيار الثالث بالنسبة لقادة بوكو حرام الجدد، فهو ولاية النيجر، بإقليم الشمال الأوسط، وأهميتها الاستراتيجية تتمثل في قربها من العاصمة، وهذا ما يجعل أبوجا نفسها تحت التهديد الإرهابي مستقبلا، ويجعل بنين المجاورة هي الأخرى تحت تهديد أكبر.

وعلى سبيل المثال فإن مسلحي "بوكو حرام" يسيطرون على 8 بلدات من إجمالي 25 في منطقة شيرورو بولاية النيجر، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن رئيس الحكومة المحلية بالمنطقة سليمان تشوكوبا.

كما أن سيطرة "داعش غرب إفريقيا" على معظم الشمال الشرقي الذي كان خاضعًا لبوكو حرام، سيدفع مسلحي الأخير للانتشار في الشمال الغربي وأيضا وسط البلاد وغربها، ما سيجعل معظم ولايات النصف الشمالي من البلاد ذات الغالبية المسلمة تحت التهديد الإرهابي، الذي قد يطال العاصمة أبوجا أيضًا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي